صحافة عربية

الاحتجاجات تعصف بالصحف الورقية في الأردن

اعتصام لصحفيي جريدة الدستور الأردنية أمام مقرها - أرشيفية
اعتصام لصحفيي جريدة الدستور الأردنية أمام مقرها - أرشيفية
أعلن صحفيو جريدتي الرأي والدستور، كبرى الصحف اليومية الأردنية، الدخول في سلسة فعاليات احتجاجية للإطاحة بإدارة الصحيفتين، محملين إياها سبب تعثر الصحيفتين مادياً وإدارياً.
  
وبدأت عدوى الاحتجاجات تنتقل إلى الصحف الورقية الأردنية الواحدة تلو الأخرى، بعد أن عصفت بها أزمة مالية وإدارية، قادت بعض منها إلى إعادة الهيكلة والاحتجاب، كما حصل لصحيفة العرب اليوم، والبعض منها تعثر لمدة أشهر في صرف مستحقات العاملين، كما هو حال صحيفة الدستور.
  
وتعثرت صحيفة "العرب اليوم" مادياً، مما دفع مالكها لإعادة هيكلة الصحيفة العام الماضي، بعد أن احتجبت أربعة أشهر عن الصدور، بسبب ما أسمته الإدارة تضخم عدد الموظفين، وتراجع إيرادات الإعلانات والاشتراكات.
 
الربيع العربي يطال الصحف الورقية
 

وطرقت الاحتجاجات باب صحيفة الرأي المحسوبة على الحكومة، وسجلت الصحيفة عام 2011 أول اعتصام بتاريخ الصحيفة، عندما طالب الصحفيون "بوقف تدخلات وزير الإعلام في سياسة الصحيفة"، لتعود الاحتجاجات قبل أيام على سوء الإدارة، وشبهات الفساد في مطابع الصحيفة، التي بلغت كلفتها 70 مليون دولار، في وقت قام فيه مجلس الإدارة بإغلاق مكاتب الصحيفة في المحافظات، وتخفيض المكافآت للمتعاونين بعد تراجع الأرباح السنوية.
 
وكان من المخطط لمجمع مطابع صحيفة الرأي أن تصل كلفتها إلى 35 مليون دولار، إلا أنها فاقت 50 مليون دولار، ليوضع الملف أمام هيئة مكافحة الفساد.
 
وتمكن صحفيون غاضبون، الأسبوع الماضي، من إخراج أحد أعضاء مجلس الإدارة من الصحيفة بالقوة، مطالبين بحل مجلس الإدارة الذي تعينه الحكومة من خلال مؤسسة الضمان الاجتماعي، التي تملك أغلبية أسهم صحيفتي الرأي والدستور، وأعلن صحفيون التوقف عن العمل جزئياً.
 
من جانبه، يرى مدير تحرير صحيفة الرأي، غيث العضايلة، في حديث لـ"عربي21" أن سبب ما تمر به صحيفتي الرأي والدستور من أزمة يعود "للقرارات الخاطئة لمؤسسة الضمان الاجتماعي، وعدم وجود رؤية واضحة لأعضاء مجالس الإدارة".

وأكد العضايلة أن صحيفة الرأي تحقق ربحاً مادياً، لكن "إنشاء مجمع المطابع سبب خسائر مادية جسيمة للصحيفة".
 
صحف في قبضة الحكومة
 
وتُحكم الحكومة الأردنية قبضتها على صحيفتي الرأي والدستور، أقدم الصحف اليومية، من خلال مؤسسة الضمان الاجتماعي، التي تسيطر على قرار تعيين مجلس الإدارة ورئيس التحرير.
 
وتسيطر مؤسسة الضمان الاجتماعي على 30 في المئة من أسهم صحيفة الدستور، بينما تملك ما نسبته 55% من أسهم صحيفة الرأي.
 
من جهته، قال نائب نقيب الصحفيين الأردنيين، عوني الداود (وهو صحفي في الدستور) إن أزمة الصحافة الورقية في الأردن سببها الرئيسي يكمن في "تعاقب إدارة غير خبيرة في مهنية العمل الصحفي، تم تعيينها من المساهم الأكبر، وهو الضمان الاجتماعي، حسب معطيات ليس لها علاقة بالتخصص، مما أدى إلى تفاقم أزمات مالية، وتراجع خطوط الإنتاج".

وقال الداوود لـ"عربي21" إن "ما يجري في الصحف الورقية مرده أيضاً تراجع خطوط الإنتاج وإيرادات الإعلان، وتوقف أسواق الطباعة في ليبيا وسوريا، لكن الأساس عدم دراية وعدم حنكة من الإدارات الحالية".
 
وسجلت صحيفة الرأي انخفاضاً في أرباحها من 28.4 مليون دولار في عام 2012 إلى 26.1 مليون دولار في عام 2013، وردت الإدارة ذلك إلى انخفاض سوق الإعلان في الأردن، بنسبة 17%، بعد ظهور وسائل إعلام جديدة.
 
صعود نجم الإعلام الجديد
 

بدوره، قال الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين، نضال منصور، إنه يضاف إلى سوء الإدارة في هذه الصحف وجود أزمة استقلالية وحرية الإعلام حيث إن "الإعلام الورقي لم يكن في يوم من الايام مستقلاً تماماً عن الحكومة الأردنية أو الأجهزة التابعة لها، فقد فشلت الصحف الورقية في اختبار المصداقية، وكانت دائماً في المنطقة الرمادية، حيث توظف وتستخدم".
 
ويرى منصور في حديث له مع "عربي21" أن "ذلك كان يمكن تجاوزه في السنوات الماضية، عندما لم يكن هناك مصادر مختلفة للإعلام أو شبكات تواصل اجتماعي، وإعلام إلكتروني غير خاضع للسيطرة، فمع دخول القوى المنافسة على سوق المعلومات، أصبح الناس يصنعون إعلامهم، وأصبحت الصحافة الورقية في عالمنا العربي والأردن، تواجه أزمة حقيقية هي أزمة الابتعاد عنها".

وتابع بأن ذلك "تزامن مع الأزمة الاقتصادية في العالم 2009، التي أثرت بشكل مباشر على القوة المالية الأساسية للصحافة الورقية وهي الإعلانات، وانكمش سوق الإعلان في الأردن المعتمد على سوق الاتصالات والسيارات، فتراجعت إيرادات هذه الصحف بشكل ملموس".
 
وأضاف أن "كل هذا لم يرافقه إدارة حكيمة قادرة على استيعاب السوق، وتقديم خدمات إعلامية بديلة، حيث أصبح الخبر متاحاً للجميع، ولم يكن هناك تفكير من الصحف الورقية لابتكار خدمات وجذب شرائح من خلال صحف متخصصة، وخلق أجنحة أخرى مثل تطوير المواقع الإلكترونية للصحف"، بحسب منصور.
 
وقال منصور إن "هذه الصحف أصبحت مؤسسات إعلامية متضخمة ومترهلة، فيها بطالة مقنعة، ولا يحكمها معايير الإبداع والإنتاج، بعد أن لجأت الحكومات للتعيين على مقولة من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن".
 
وأظهرت أرقام رسمية صادرة عن هيئة تنظيم قطاع الاتصالات توسع قاعدة مستخدمي شبكة الإنترنت في الأردن، لتضمّ مع نهاية العام الماضي حوالي 5.7 مليون مستخدم.
 
بينما شهد الإنفاق الإعلاني في الأردن في عام 2014 انخفاضاً بلغ إلى 222 مليون دولار، مقارنة بـ 226 مليون دولار في العام 2013.
 
وتتفق المتخصصة في رصد أداء الإعلام، سوسن زايدة، مع منصور في "قصور الصحف الأردنية على مواكبة ثورة الإعلام، ومواكبة صعود وسائل الإعلام الأخرى الأكثر كفاءة بالتعامل مع المستجدات من حيث التفاعل".

وترى أن "أي إعلام غير قادر على التفاعل سيفقد رصيده وجمهوره، بسبب تمتع وسائل الإعلام الجديدة بالآنية والسرعة، وانخفاض التكلفة على المنتج والمستهلك".
 
ويترافق مع ذلك بحسب زايدة، ترهل إدراي  في الصحف الورقية، ووجود جيش من الصحفيين، وتضرب مثالاً لصحيفة الغد اليومية التي "استطاعت الخروج من الأزمة المالية بسبب اعتمادها على كادر رشيق حقيقي، يعمل على عكس الصحف الأخرى، التي يوجد فيها بطالة مقنعة".
 
وقالت زايدة لـ"عربي21" إن "جزءاً كبيراً من أزمة هذه الصحف هو إدارتها بالعقلية الحكومية، فمجالس إدارتها يديرها وزير سابق، وطابع الإدراة الحكومي الذي ينماز بالترهل موجود في صحيفتي الدستور والرأي، بالإضافة لعدم القدرة على إعادة الهيكلة، إذ تعاني عملية إعادة الهكيلة من الأمراض ذاتها التي توجد من خلال التشغيل بالواسطات والمحسوبية".
 
أزمة الصحف على مائدة البرلمان
 

وتعتزم لجنة التوجيه الوطني النيابية في البرلمان الأردني، طرح بعض الحلول خلال جلسة مجلس النواب، الأحد المقبل، والمخصصة لمناقشة أزمة صحيفتي الرأي والدستور.
 
وقال عضو اللجنة النائب، وصفي الزيود، إن هناك بعض الاقتراحات لمواجهة أزمة الصحيفتين، من بينها تخفيض أو تجميد الضرائب على الورق والماكنات، بالإضافة إلى رفع أسعار الإعلانات.
 
ويسبق جلسة البرلمان الأردني اعتصام يوم السبت، لموظفي وصحفيي الدستور، أمام مبنى الصحيفة، بعد أن تأخر صرف مستحقاتهم المالية للشهر الرابع على التوالي، وقال عاملون في الصحيفة لـ"عربي21" إن الاعتصام خطوة أولى قبل اللجوء لتعليق صدور الصحيفة، والتوقف عن العمل.

ويطالب الصحفيون في الدستور تحريك ملف قضائي عنوانه "إساءة الائتمان" ضد أعضاء مجلس الإدارة والمدير العام، وفتح تحقيق في ملف إيراردات الإعلانات.
التعليقات (0)