كتاب عربي 21

أوهام المصالحة وطموحات الحسم الثوري

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600
يتعالى صراخ "الدولجية" بضرورة المصالحة لحلحلة الوضع السياسي المشتعل في مصر، منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013، والمصالحة في نظرهم تعني باختصار "الخضوع التام لسلطة العسكر، والرضا بضياع الحقوق والدماء والأعراض والأموال ومستقبل الطلبة والطالبات، والقبول بأي فتات يلقيه نظام لم تر مصر له مثيلا في الانتهاكات عبر تاريخها كله"!

(للأسف ... يروج لمثل هذا الحل بعض المحسوبين زورا على ثورة يناير).

على الطرف الآخر ينتظر البعض حلًا ثوريًا خالصًا، يطيح بالدولة العميقة، يهزمها بالضربة القاضية، ويعيد الدولة المصرية إلى الشعب، بعد أن خطفت لعشرات السنين من مجموعات مصالح لا علاقة لها بهموم الناس، وهؤلاء ينتظرون حدوث ذلك النصر الثوري الحاسم، دون النظر بعمق لإمكانيات تحقق ذلك فعليا على الأرض في وقت قريب أو متوسط أو حتى على المدى البعيد.

الوضع الداخلي المنهار (اقتصاديا وأمنيا) يجبر الدولة على الضغط على المستمرين في المقاومة لكي يقبلوا بما يسمى بالمصالحة، الضرب تحت الحزام وخارج إطار القانون وبلا أي شفقة كلها سمات أساسية في التعامل الأمني اليوم، ولذلك نرى مزيدا من القمع، وتصفيات جسدية، وسنرى أحكام إعدام تنفذ قريبا، وهناك طرق ضغط مختلفة، مثل تكدير حياة آلاف المساجين والمعتقلين السياسيين، ومصادرة الأموال، وتلفيق القضايا، والإحالة للقضاء العسكري ...الخ، كل ذلك من أجل الوصول إلى مصالحة ينتصر بها الانقلاب نصرا ساحقا.

الحقيقة المؤلمة التي لا يعلمها هؤلاء "الدولجية" الذين يروجون لما سموه المصالحة أن النظام هو المأزوم، وهو الذي يحتاج إلى هذا الحل، وأن "سيسي" في ورطة كبرى لا يدرك أبعادها كثير منهم، أي أن الطرف الأضعف في هذه اللحظة هو النظام وليس الثورة.

النظام و"سيسي" يحتاجان إلى تلك المصالحة لعدة أسباب:

السبب الأول: لاستئناف المساعدات الاقتصادية بعد أن تغيرت شروط المانحين.

سيقول "الدولجية" إن المؤتمر الاقتصادي سيغرق البلاد والعباد في خيراته، والحقيقة أن ذلك وَهْمٌ، وسيتبدد خلال عدة أسابيع، وسينطلق – للأسف الشديد – سعر الدولار، وستستمر موجة الغلاء الطاحنة، لكي يهبط الجميع من سماء الأحلام الوردية إلى أرض الواقع المتعسكر بالسواد.

هذا النظام يحتاج للمصالحة شرطا من شروط المِنَح الدولية التي ستصل، فحالة عدم الاستقرار قد طالت، والمانحون يريدون أن يستثمروا أموالهم في دولة مستقرة.

السبب الثاني: إن الوضع الدولي الضاغط على النظام يحتاج منه أن يحسن من سلوكه المتعلق بحقوق الإنسان، لذلك من مصلحة أهل الحكم أن يصلوا إلى مصالحتهم المزعومة في وقت قصير، خاصة بعد أن تغيَّرَتْ التحالفات الدولية والإقليمية وأصبحت بضاعة الانقلاب (هراء محاربة الإرهاب) بضاعة بائرة.
 
ثالثا: "سيسي" يحتاج إلى تعديل دستوري عاجل، يعيد الدولة إلى أحضان الرئيس، ويعيد الرئيس إلهًا تسجد له الدولة وسائر مؤسساتها.

وشرح ذلك باختصار أن لجنة الخمسين تركت النظام السياسي للدولة المصرية كما كتبته لجنة دستور 2012، وبالتالي ظلت صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة، وظلَّ رئيس الجمهورية يحكم الدولة عن طريق رئيس الوزراء، فأعطى الدستور البرلمان الحق في تشكيل الحكومة بشكل غير مباشر، وظلَّ البرلمان من سلطاته محاسبة، بل محاكمة رئيس الجمهورية عن أي خطأ يراه.

هذا البرلمان (نظريا ودستوريا) من حقه أن يوقف الرئيس عن العمل، وأن يحقق معه، وأن يوجه له تهمة الخيانة العظمى، وأن يعزله، وليس للرئيس حق إقالة الحكومة دون موافقة هذا البرلمان!

(راجع دستور ما يسمى بلجنة الخمسين، مواد رقم 146، 147، 159، 161، 150، 170، 171 وغيرها).

إن السبب الحقيقي لتأجيل الانتخابات البرلمانية هو صلاحيات البرلمان وصلاحيات رئيس الوزراء الدستورية، وليس أي شيء آخر.

"سيسي"... يحتاج إلى مصالحة سياسية لكي يمرر هذه التعديلات الدستورية (في الزحمة)، ووجوده على رأس السلطة بهذا الدستور سيحوله في لحظة واحدة إلى ربع رئيس، لأن ثلاثة أرباع صلاحياته الحالية سوف تسلب منه بنص الدستور!

أما على الجانب الآخر... فالبعض يأمل أن يتغير الوضع الحالي بثورة شعبية كاملة مكتملة، ويرون أن أي نصر دون ذلك لن يكون مقبولا.

والحقيقة أن انتصار ثورة شعبية بالضربة القاضية أمر بالغ الصعوبة، ويحتاج إلى وقت طويل، وغالبية شروط تحقق هذه الثورة غير متوفر حاليا.

إن الحل الواقعي للأزمة السياسية في مصر لن يكون بمصالحة تفرضها جنازير الدبابات، بل بحل سياسي عادل، ولن يحدث ذلك إلا بقوة شعبية في الشارع تساند وتفرض هذا الحل السياسي.

إنه حل (ثوري – سياسي) يضمن تحقق العدالة والقصاص، ويضمن تغييرا هيكليا حقيقيا في مؤسسات الدولة (أمنا وقضاء وإعلاما ومؤسسات رقابية وغيرها)، ويضمن فتح ملف العلاقات المدنية العسكرية بما يحقق مصلحة مصر.

أما محاولة فرض الحلول بقوة السلاح، أو إخضاع الخصوم بتجويع المساجين، أو ترويع المعارضين بتصفيات جسدية وغير ذلك... فلن ينتج عن ذلك سوى استمرار النزيف الذي يضعف الوطن والدولة، ولا يبني سوى الأحقاد، ويهدم المؤسسات والسلم الاجتماعي.

إذا فرضت أي مصالحة مزعومة، فتأكدوا أن مصر ستظل دولة للأسياد والعبيد، وسيبقى الاستبداد مزروعا في جينات النظام.

يظن البعض أن التيار الثوري بعد عشرين شهرا من الصمود قد أُنْهِك، أو أنه في حالة ضعف، والحقيقة أن النظام الانقلابي هو الذي يمر بأضعف حالاته، وهو مهيأ للتخلص من كثير من حمولات سفينته الغارقة لكي تستمر في الطفو... وتذكروا ما حدث مع مبارك.

وأقول لبعض الذين قد يراهنون على إجبار بعض القيادات التي قد تحسب على التيار الإسلامي على التوقيع على بعض عقود الإذعان لإنهاء الحراك في الشارع، إن الشارع يحركه الشباب، وقدرة أي قيادة على تحريك أو إيقاف هذا الحراك محدودة أو معدومة.

الحراك الثوري أكبر من أي جماعة، واستمراره أو توقفه رهن برد المظالم، وبتحقق العدل، وكل من يتنازل عن ذلك سينبذ إلى الأبد.

يبقى سؤال أخير: هل يمكن أن تصل الدولة إلى اتفاقية إذعان تهدئ الشارع؟
والإجابة: نظريا ممكن... ولكن عمليا مستحيل.

وإذا افترضنا أن ذلك حدث، فسيكون وضعا مؤقتا، قد يستمر عدة شهور، ولكن في النهاية ستنفجر الأزمة أكبر من ذي قبل، وسنعود إلى ما قبل نقطة الصفر.

الخلاصة: الثورة اليوم أقوى من النظام، وتحتاج إلى ترشيد حراك الشارع، وتحتاج قيادة حقيقية تستطيع أن تقود وأن تفاوض بوعي يؤدي إلى تحقيق العدل الذي ينقذ مصر من مستقبل لا نتمناه.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين...

موقع إلكتروني:  www.arahman.net
بريد إلكتروني:   [email protected]
التعليقات (6)
حمادة
الإثنين، 23-03-2015 11:42 ص
حراك ثوري كلمة كبيرة على الواقع الحالي
محمد عبد الغني
الأحد، 22-03-2015 07:13 م
( إن الحل الواقعي للأزمة السياسية في مصر لن يكون بمصالحة تفرضها جنازير الدبابات، بل بحل سياسي عادل، ولن يحدث ذلك إلا بقوة شعبية في الشارع تساند وتفرض هذا الحل السياسي. إنه حل (ثوري – سياسي) يضمن تحقق العدالة والقصاص، ويضمن تغييرا هيكليا حقيقيا في مؤسسات الدولة (أمنا وقضاء وإعلاما ومؤسسات رقابية وغيرها)، ويضمن فتح ملف العلاقات المدنية العسكرية بما يحقق مصلحة مصر.) صعب جدا جدا جدا
عمرو المراكبي
الأحد، 22-03-2015 04:39 ص
بداية علينا الاعتراف بأن التحديات ثقيلة وصعبة، وأن الإصلاح يحتاج إلى وقت طويل، ويستلزم كثيرًا من الوقت والجهد والصبر والمثابرة والحكمة والإدارة الرشيدة، وإدراك أننا في حاجة ماسة لتغيير أنماط التفكير والقيم السائدة، والتعامل بعلم وحصافة مع الجذور والأسباب، لا مجرد التعامل مع أعراض المشكلة. لذلك إذا افترضنا أن حلم تحقيق العدل والعدالة في المجتمع لا زال قائما، فأن هذا الحلم يبقى رهيناً بوجود طليعة أو نخبة سياسية متميزة، تتميز بنكران الذات والنأي عن المآرب الشخصية، كما تتسم بالعمق الفكري والوعي الثقافي والنضج العلمي والمعارف الرياضية والإحصائية والتكنولوجية، ويتوفر لديها القدرة على إدراك تحولات الواقع بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية ......الخ، وفهم متغيراته وتفاعلاته المحلية والإقليمية والدولية، لتكون مهيأة لطرح رؤى وتصورات وخيارات وبدائل قابلة للتنفيذ والتطوير والتعديل والتجديد والتجريب والإضافة، ووضع الاستراتيجيات ورسم الخطط، وتحديد الأهداف القريبة والمتوسطة والبعيدة، وتصميم السبل والطرق الآليات التفصيلية والإجرائية لتحقيق هذه الأهداف. على أن تدشن في موازاة ذلك حواراً جاداً ومسئولاً، يتجاوز المفاهيم المغلقة والخيارات المحدودة التي تدور في إطارها قوى المعارضة الرئيسية (مع كامل الاحترام والتقدير لما قدمته من تضحيات). على أن يمتد ليشمل كافة قطاعات المجتمع، لخلق رأي عام ضاغط لإجبار رأس النظام الحاكم وقاعدته السياسية، على التحلي بالموضوعية والتخلي عن المعارك الوهمية، والخروج من حالة البؤس الفكري والعوز المعرفي الذي تعاني منه كافة الأطراف، والانخراط في مسار جدي يتجه نحو فتح النوافذ المغلقة وإيجاد منافذ حقيقية لتخطي الأزمات المتلاحقة.
ععليععليه
الأحد، 22-03-2015 04:14 ص
القرضاوى الابن تتحدث كما لو أن مصر جزيره معزولة وكأن ما يحدث في مصر ليس له علاقة بما حولنا وكأنه صراع داخلي بين الانقلابيين والدولجيه كما تسميهم من جانب والجانب الآخر هم الثوار متتضمنيين الجماعه وان كنت تحرص علي أن تقول ان الثوره أكبر من الجماعه وهذا كله غير صحيح وخلط متعمد للأوراق ولعب بورقة الثورة والثوار لم يعد ينطلي علي أحد وانا اقول لك 1/ما يحدث في مصر هو جزء من مؤامرة كبري لتقسيم المنطقة وذلك لاضعافها وسهولة السيطره عليها سيقولون لماذا أقول لهم لضمان أمن إسرائيل ولاستذاف الموارد ومنع نهضه حقيقية يستقبل بها القرار السياسي وترجع البلاد لأهلها وبناء عليه فإن ما يحدث في مصر مظاهرات عبثيه وتفجيرات اجراميه للمؤسسات العامة التي هي ملك الناس جميعا وحرق القطارات وتفجير ابراج الكهرباء وقتل الجنود الأبرياء الذين يؤدون شرف الخدمه العسكرية وغير ذلك الكثير من أمثال دعوة العالم الكبير الي الجنود والضباط الي إلقاء السلاح وعدم اطاعة الاوامر ودعوة امريكا والغرب وما يسمي بالأمم المتحدة للتدخل في مصر لحماية ما كان يسمي بالشرعية ( ولا تؤاخذني في هذا الجزء الشخصي لأنني اري أن كثيرا مما تقوله الآن له علاقة بتعرض الكثيرين بالتجريح للرجل صاحب المكانه الرفيعه في نفوس الكثيرين وذلك بعد انحيازه للتنظيم والدويله علي حساب الوطن فهيا ذله أدعوا ألله أن يتوب منها وان يصلح ما كان منه وان يتقبل الله منه واحيلك الي مقالك الرائع عذرا ابي ولكن ) فلا تسمي هذا ثوره فهذه تسميه غير صحيحه وغير منصبه 2/ كلامك عن المظالم أيضا غير صحيح وغير منصف فالمظالم مسؤل عنها أولا قيادات الجماعة التى ربتشبابها علي أن طاعة هذه القيادات هو من صميم الدين وتلك هي الجريمة الكبري لأن هذه القيادات إنما هم من احاد المسلمين وليس لهم لا سمع ولا طاعة لأنهم ليسوا في موضع السلطه الذي يعطي حق السمع والطاعة( وأولي أمر منكم ) المسؤل الثاني عن المظالم هم الشباب أنفسهم لماذا ؟ لأن أولا هو يطيع من لا طاعة له ثانيا ( إنما الطاعه في المعروف )ولا شك أن محاولة إسقاط الدولة و قتل وترويع الأمنين وتعطيل مصالح الشعب والقضاء علي السياحه والاستثمارات بل وتهديد هم بالرحيل أوالاستهداف بشكل علني في اعلامهم كل هذا غير معروف بل هو منكر وجرائم صريحة تستوجب معاقبة مرتكبيها والا كانت الدنيا فوضي الطرف الثالث فى المظالم هو الأمن كيف؟ أقوللك االأمن كان لابد أن يتدخل لفض هذه الاعتصامات التي استمرت عشرات الأيام وعبر كل صاحب رأي عن رايه لو كانت القصة قصت راي انما هي قصة محاولة إسقاط الدوله وتلك الجنة اعداء الوطن فعدم التدخل كان سيمثل خيانة للوطن ثم النداءات أهم علي الهواء بالانصراف فلماذا لم ينصرفوا طبعا هي السمع والطاعة الباءسه في غير موضعها كما بيننا فهم شركاء في المسؤلية ولكن الأمن ايضا ان أصاب أحد وكان يستطيع صرفه والسيطرة