صحافة دولية

نيويورك تايمز: السعوديون يقودون المنطقة بثمن باهظ

نيويورك تايمز: توسع التأثير السعودي نتيجة الفوضى التي أعقبت الربيع العربي - أ ف ب
نيويورك تايمز: توسع التأثير السعودي نتيجة الفوضى التي أعقبت الربيع العربي - أ ف ب
قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن حكام السعودية ارتجفوا عندما بدأت ثورات الربيع العربي، وخافوا أن تصل رياح التغيير إلى بلادهم، ولكن الفوضى التي تبعت الثورات فتحت المجال أمام توسع التأثير السعودي بشكل لا يضاهى في المنطقة. 

وقال ديفيد كيرباتريك، مراسل الصحيفة في القاهرة، إنه "مع اعتلاء ملك جديد العرش عادت الحكومات الشمولية التي طالما فضلتها السعودية من جديد، في تونس والقاهرة والمنامة. فيما هرب الإسلاميون الذين فازوا في الانتخابات. وتمت مكافأة الأمير محمد بن نايف، الذي قاد الحملة ضدهم، بمنصب نائب ولي العهد. وهو الأول من أبناء جيله ممن يرشحون لولاية العرش".

ويقول محللون ودبلوماسيون إن ما حققته السعودية كان نتاجا ثانويا للضعف الذي عاشته الدول المحيطة بها، التي كانت على حافة الانهيار، وتشمل العراق ومصر وتونس واليمن وليبيا والبحرين، بحسب الصحيفة. 

ويرى الكاتب أن استمرار النظام القديم في هذه البلدان يعتمد بالضرورة على مواصلة السعودية ضخ الأموال لها. ومن هنا فالتأثير الذي حصلت عليه السعودية سيكون مكلفا. 

ويذكر التقرير أن السعودية تدعم مملكة البحرين، وتشارك في التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام. وتقوم مليارات الدولارات، التي تضخها السعودية، بالحفاظ على الحكومات الصديقة في مصر والأردن. وتقوم الميليشيات المدعومة من السعودية بالقتال في ليبيا، فيما تقدم مؤسسة إعلامية مملوكة من السعودية دعما للأحزاب التي تدعمها المملكة في تونس.

ويجد كيرباتريك أنه لهذا السبب يمكن للسعودية الادعاء بتحقيق انتصارات محدودة، بما فيها إعادة العسكر في مصر، والانتخابات التونسية. 

ويستدرك التقرير بأن المشاكل التي تواجه جيران المملكة قد تكون مدعاة لقلق حكام السعودية. فجهودها لم تؤد إلى ثمار جيدة في سوريا والعراق وليبيا، فيما انهارت خطة انتقال الحكم في اليمن، ما سمح للمتمردين الحوثيين، الذين يلقون الدعم من إيران، بالسيطرة على مركز السلطة في العاصمة صنعاء. 

وتنقل الصحيفة عن دبلوماسي عربي قوله: "نقطة القوة لا يمكن تفسيرها على أنها نقطة ضعف، إذا كان كل من حولنا يعيش وضعا غير صحيح، فهذا يعني أن تأثيرك على الدول المحيطة بحدودك قد تراجع"، مضيفا "بصراحة، لقد تراجع تأثير الأطراف كلها في الشرق الأوسط، فهناك حالة فوضى كاملة".

ويرى الكاتب أن الدولة السعودية المطلقة، التي تعود بجذورها إلى 300 عام، أدت دورا قياديا في إعادة تشكيل الفوضى، التي كانت نتيجة غير متوقعة للربيع العربي، الذي عبر عن طموحات بتحقيق حكم القانون والحداثة والديمقراطية.

وينقل التقرير عن جمال عبد الجواد من مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، قوله: "أمر مثير للمفارقة وحس الفوضى عندما ينظر إليه من الخارج، خاصة عندما يعتقد الشخص أن المنطقة بحاجة ماسة للديمقراطية". ولكن الثلاثة أعوام الماضية كانت شاهدا ضد هذه الحاجة. 

ويضيف عبد الجواد للصحيفة: "إن كانت المنطقة بحاجة للاستقرار والحكم الفاعل والمصادر، فهذا كله يجعل من الدور السعودي القيادي مفهوما مهما كانت طبيعة النظام السياسي".

وتشير الصحيفة إلى أن الملك عبدالله قد توفي يوم الجمعة، ومات وهو يشعر بنوع الرضا؛ لأن ما توقعه حدث، حيث يقول السفير الأمريكي السابق في الرياض، روبرت جوردان، إنه زار القصر الملكي قبل عدة سنوات، وقد شكر الملك عبدالله لعدم قوله "لقد حذرتكم"، ولكن الملك ضحك بينه وبين نفسه؛ لأن الحقيقة هو أنه قال: "لقد حذرتكم كثيرا"، وواصل القول للإدارة الأمريكية الحالية إنهم كانوا مخطئين.

ويضيف جوردان، الذي عينه جورج دبليو بوش، أن من بين القضايا  التي أثارت قلق الملك دعوات الرئيس بوش إلى نشر الديمقراطية في العالم العربي، والفراغ الذي تركه الأمريكيون عندما انسحبوا من العراق، وتبني إدارة أوباما الربيع العربي، وعدم الوفاء بالتعهدات التي قطعها أوباما على نفسه لمعاقبة النظام السوري في حالة استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه، بحسب الصحيفة.

ويذكر التقرير أن بشار الأسد من الرؤساء الذين تريد السعودية التخلص منهم، لكن الولايات المتحدة، التي باتت تفضل الاستقرار على الديمقراطية، بدأت تحفف من لهجتها تجاه الأسد، ولم تعد تطالب برحيله.

ويعلق جوردان: "لا يريد السعوديون الظهور بمظهر الضعيف، ولا يريدون إظهار ضعف أمام رياح التغيير بطريقة قد تفتح المجال أمام دخولها"، وأضاف أن السعوديين يرغبون بإدارة التغيير لا أن يفرض عليهم.

وتساءل السفير السابق: "كيف ستبدو السعودية دون العائلة المالكة؟ إنها ستكون مثل ليبيا وسوريا دون الأسد". 

ويقول الكاتب إن السعودية مثل ليبيا القذافي تدار عبر عائلة حاكمة دون مؤسسات دائمة للحكم أو مجتمع مدني، ومثل سوريا، فالسعودية الأن تحت حكم سلمان قامت بوضع غطاء محكم على التوتر الطائفي الذي يغلي  بين الأقلية الشيعية والحكام السنة. وبالتأكيد يرى بعض المؤرخين أن السعودية غالبا ما عكست قلقها الداخلي على المنطقة. 

ويورد التقرير ما قاله المحاضر في التاريخ في جامعة رتغرز، توبي جونز، "إن الخوف من الأقلية الشيعية في السعودية أدى إلى تنافس مع إيران، وإن الخوف من صعود الإسلاميين في السعودية أدى إلى حرب المملكة ضد الإخوان المسلمين". مبينا أن "السعوديين يقولون إن هذه الأمور يجب إتقانها في الخارج؛ لأنها مهمة في داخل المملكة".

ويقول عبد الجواد من مركز الأهرام إن مصر، التي كانت تعد القائدة للعرب، وعادة ما تنعقد فيها اجتماعات الجامعة العربية، وكانت تدير الملف الإسرائيلي- الفلسطيني أثناء حكم مبارك، إلا أن انهيار حكم الأخير عام 2011 دفع بالسعودية لتحمل مسؤوليتها "ككابتن المنطقة". وكان الملك عبدالله واضحا من خلف الأبواب إنه لا يوافق على الإطاحة بالرئيس مبارك، وأنّب المسؤولين الأمريكيين لتخليهم عنه. وعملت السعودية بهدوء لحرمان الإسلاميين والإخوان المسلمين من الانتصارات الانتخابية، بحسب الصحيفة.

وتلفت الصحيفة إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش السابق والملحق العسكري السابق في الرياض، قدا انقلابا في القاهرة في صيف 2013، وأصبحت السعودية راعيته الرئيسية. وقامت على جناح السرعة بإرسال 12 مليار دولار من الدعم المالي له.

ويبين التقرير أن السيسي، الذي أصبح رئيسا، أعلن عن سبعة أيام حداد على وفاة الملك عبدالله. ويقتضي هذا الحداد إلغاء الاحتفالات المقررة بالذكرى الرابعة للثورة على مبارك، وهي خطوة تعبر عن اعتراف بدور الملك عبدالله في دعم الانقلاب.

وتنقل "نيويورك تايمز" عن وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية نبيل فهمي، قوله إن "السعوديين كانوا (لاعبين مكملين) في الحركة التي ردت على الإخوان المسلمين، وجاء السعوديون سريعا وقالوا إنهم يدعموننا، ولكن بصراحة كان هذا سيحدث" أي الانقلاب. 

ويفيد التقرير بأن السعودية والإمارات تلتزمان الآن بحماية السيسي وتأمينه ماليا، وقد حرقت مصر حتى الآن من أموال الدعم  الخليجي حوالي 20 مليار دولار، وهذا فقط في العام الأول من الانقلاب، ولم يتغير شيء على ميزانية الحكومة، حيث انخفض الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي.

ويرى مصطفى العاني من مركز الخليج في جنيف، أنه "ومع ذلك فهذا عبء خاصة في ظل تراجع سعر النفط"، مستدركا أنهم "مستعدون للوقوف ودعم الاقتصاد المصري لوقت طويل؛ لأن الثمن الاستراتيجي للفشل سيكون عبئا أكبر لو انهارت مصر"، وفق التقرير.

ويشير الكاتب إلى أنه بالإضافة إلى مصر، تؤدي السعودية دورا في البحرين والعراق، وفي استضافة المعارضة السورية وتدريب أفرادها في معسكرات داخل المملكة.

وتذكر الصحيفة أن قناة العربية، المملوكة من السعودية، قدمت تغطية متعاطفة، ودعمت كل فصيل يدعو للاستقرار ومعاد للإخوان المسلمين. وقدمت الرياض دعما غير مباشر للجماعات المعادية للإسلاميين في ليبيا، من خلال وكيلتها مصر، وحليفتها الإمارات العربية المتحدة.

ويورد التقرير أن السعوديين قدموا دعما ماليا لتونس من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وقدموا دعما معنويا للقادة المعادين للإسلاميين، وساعدوا سرا جماعة سياسية لإجبار الإسلاميين على الخروج من السلطة. 

ويقول العاني للصحيفة: "لم تكن تونس بحاجة للكثير من الجهود، ولكن السعوديين قدموا لها ما تحتاج إليه"، ويضيف أن السعوديين كانوا قيادة إقليمية، واستطاعوا  رد العاصفة، ويصفون شهورهم الآن "نعم لقد نجونا، هذا أمر جيد، ولكنك بحاجة إلى تحقيق الاستقرار حولك إن أردت النجاة لمدة طويلة". ولكن جونز من جامعة رتغرز يرى أنه من الباكر الحكم؛ لأن السعوديين "يدعمون الوجوه والشخصيات ذاتها، التي سببت لهم هذا الوضع الضعيف". 

ويختم كيرباتريك تقريره بالإشارة إلى أنه عندما بدأ الربيع العربي لم تعد هناك عودة إلى عقارب الساعة؛ لأن الجميع حولهم ضعيف، فالسعوديون وحدهم من ظل يملك القوة، ولهذا بدوا أقوياء، بسبب ما لديهم من مصادر، وهذا مكمن الضعف.
التعليقات (2)
الثلاثاء، 27-01-2015 10:39 ص
تحليل مهم وواقعي ولكن أين دور الشعوب . فدور الشعوب سيحول دون سقوط الربيع العربي. وذلك ?ن هذه الجهود تصب في مصلحة الكبار أي الحكام وذويهم و? تصب في مصلحة الشعوب . ولوصرفت هذه ا?موال الطائله علي الشعوب . لكن خير واستقرارا أكثر . عفوا هناك خطأ كبير في التحليل بتناسي دور الشعوب . وهي القنبله الموقوته .
ابوتايه
الثلاثاء، 27-01-2015 06:54 ص
اذا ارت ان تحل مشكلة معقدة زدها تعقيداً تجد لها حلاً!!!!!