مقالات مختارة

الجولان لإيران أيضاً؟

وليد شقير
1300x600
1300x600
يصعب تلمس المنحى الذي سيسلكه تدحرج الأحداث بعد عملية القنيطرة الاسرائيلية ضد عناصر "حزب الله" وبينهم قياديان، و"الحرس الثوري" الإيراني، وسط سيل التحليلات والقراءات الإسرائيلية التي أطلقت خيال المعلقين، واللبنانية المتمادية، عن تداعياتها. فمروحة التوقعات تبدأ بالحديث عن خرق قواعد الاشتباك، ولا تنتهي عند دور هذه العملية وموقعها في المفاوضات الإيرانية – الغربية على الملف النووي، وخلفيتها الانتخابية إسرائيلياً.

ويستولد تنوع التقديرات حول التداعيات، أسئلة كثيرة في معرض الإجابة على أسئلة لا تحصى. مثلاً من الذي خرق الخطوط الحمر في هذه العملية وقام بتغيير قواعد الاشتباك: إسرائيل أم ايران ومعها "حزب الله"؟

فالحديث عن تغيير هذه القواعد يقود إما إلى تثبيتها، أو إلى نسفها للدخول في مرحلة جديدة تشكل تحولاً في الصراع في الميدان السوري الذي بات ملعباً للجميع، آخر اللاعبين فيه هم السوريون أنفسهم. والدليل أن القيادة السورية بدت آخر من يعلم في ما جرى، واكتفت بتوصيف العملية للتلفزيون السوري، بحياء. وأقصى رد فعل عليها توخى اعتماد القاعدة التي تقول إن النظام يهتم بمقاتلة عملاء إسرائيل في الداخل، الذين تعوّل عليهم (وهو التوصيف الذي دأب النظام السوري على أن يصم به معارضيه من إسلاميين ومعتدلين). وهذا ما يعتبره النظام رداً على العملية الإسرائيلية، حتى المعلقون السوريون الذين ظهروا على الشاشات اهتموا بالرد الذي سيقوم به «حزب الله» وإيران تحت مظلة «محور المقاومة»، وساهموا في تغييب سوريا قلب العروبة عن هذا الرد.

ألم يكن لافتاً أن سيارتي موكب الحزب و"الحرس الثوري" اللتين استهدفتا، لم تضمّا أي جندي أو ضابط سوري يرافق الحلفاء اللبنانيين والإيرانيين؟

لعلّ التوصيف الذي أطلقه رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري على العملية حين تحدث عن "ارتكاب إسرائيل خطأ استراتيجياً، وبهذه الجريمة تكون إسرائيل وضعت إيران على حدودها وتماس مباشر معه"، يضيء على جوهر الإشكالية.

يستبطن كلام بري حرصاً على حصر المواجهة المحتملة التي قد تنجم عن هذه العملية، بإيران وإسرائيل، وبالتالي في المنطقة الحدودية السورية – الإسرائيلية على جبهة الجولان المحتل. وما يرغب به بري هو إبعاد التداعيات عن لبنان، نظراً لقلقه الكبير من موقعه كمسؤول لبناني، لم يكن سهواً منه أن يتجنب ذكر "حزب الله" في سياق هاجسه بإبعاد المواجهة عن لبنان، على الرغم أنه أكثر العارفين بالصفة الإيرانية لسلوك الحزب في القنيطرة وسوريا، قياساً إلى لبنانيته.

إنها الإشكالية نفسها التي تفرض نفسها على كل مسؤول لبناني، في ما يخص التزامات "حزب الله" الإيرانية وتداعياتها على لبنان، واختلاف الخيارات بينه وبين الفرقاء اللبنانيين. فهو قال لهؤلاء الفرقاء: فلنتقاتل في سوريا ولا ننقل القتال إلى لبنان، لكن لبنانيين متطرفين متعاطفين مع المعارضة السورية، وخارجين عن السيطرة انبروا إلى مواجهته بالتفجيرات والانتحاريين في لبنان، مما اضطره واضطر حتى المختلفين معه إلى مكافحتهم ومقاومتهم، وإلى تغطية تحرك الأجهزة اللبنانية ضدهم (تيار المستقبل).

وقبل 3 أيام من غارة القنيطرة أكد أن لا وجود للحزب على جبهة الجولان، لكن الغارة كشفت وجوده على بعد 6 كيلومترات من خط الاحتلال للجولان. وها هي تداعيات الغارة تطرح بقوة ما سيكون عليه الوضع على جبهة الجنوب، في حال رد الحزب وإيران على الغارة، سواء من الجولان أم من منطقة مزارع شبعا المحتلة، وقبل ذلك فإن قرار تورط الحزب في سوريا فرض على القوى الأمنية غض النظر عن إبقاء الحدود مفتوحة أمام قوات الحزب ذهاباً وإياباً، في حين وجب إقفالها على غيره من باب سياسة "النأي بالنفس". خلاصة القول إن الساحة المفتوحة، من إيران إلى العراق وصولاً إلى سوريا ولبنان، في سياسة طهران، تبقي البلد الصغير في عين العاصفة بسبب حسابات لعبة أكبر من لبنان ومن لبنانية الحزب، الذي يفاخر قادته بأنه بات قوة إقليمية، فيما التداعيات تقع على البلد ككل.

قواعد الاشتباك على جبهة الجولان تغيرت موضوعياً منذ أن هدّد النظام السوري عام 2011 بأن مس استقراره سيطال استقرار إسرائيل، فلجأت الأخيرة إلى إقامة ما يشبه المنطقة العازلة، عبر تعاونها مع فصائل مقاتلة معارضة، بديلاً من الضمانات التي قدمها النظام منذ 1974. إلا أن تفوق النفوذ الإيراني في سوريا على حكّامها، أوجب على طهران استعادة السيطرة على تلك المنطقة لتصبح هي في موقع من يقدم الضمانات أو ينقضها، في سياق تجميع أوراق "المناطق العازلة" في الإقليم.



(نقلاً عن صحيفة الحياة اللندنية)
التعليقات (0)