فنون منوعة

الغناء الاحتجاجي يتمرد على الفن السائد في مصر

ومن هذه الأغنيات: "زي الحمام" و"اسمعني" و"الشارع اتكلم" - أرشيفية
ومن هذه الأغنيات: "زي الحمام" و"اسمعني" و"الشارع اتكلم" - أرشيفية
هي تلك الموسيقى التي تمردت على الفن السائد على الساحة الغنائية الحالية في مصر ووجدت في العالم الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي مساحة أكثر رحابة وأقل تقييدا.

أغنيات "تحت الأرض" (الأندرجراوند/ under gruond) كما اصطلح النشطاء على تسميتها نسبة إلى أنها تخرج لهم من تحت الأرض، وتمر بكل مراحل إنتاجها في الخفاء بإمكانيات بسيطة للغاية، لا تتعدى غرفة بها عازل للصوت وجهاز تسجيل وميكروفون، فضلا عن أنها تعاني من تضييقات كثيرة في التصوير الخارجي وربما يلاحق بعض نجومها أمنيا كما حدث مع رامي عصام، الملقب بمطرب الثورة في مصر.

وشهد عام 2014 الذي يوشك على الانتهاء تنامي هذه الظاهرة بشكل لافت للنظر؛ إذ أمطر مطربو "الأندرجراوند" صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بعشرات الأغنيات الاحتجاجية التي لاقى بعضها مشاهدات مرتفعة على موقع اليوتيوب، ليصنع أصحاب المواهب الغنائية في مصر فنا احتجاجيا مختلفا عن السائد.

أبرز تلك الأغنيات هي "هو أنتِ ليه (لماذا) أصلا كده (هكذا)" والتي يخاطب فيها المطرب الشاب مصطفى أمين وطنه بصيغة استفهام استنكارية، متسائلا عن كل ما لا يروق له في وطنه.

وأغنية "سيرة عبد الغفور" التي يروي من خلالها المطرب محمد عباس حكاية مواطن بسيط يدعى "عبد الغفور"، ويستعرض بأسلوب المواربة قصة وطن أبطاله ما بين فارس يتسمك بأرضه أكثر من تمسكه بحياته، وصامت أنهكه ضنك المعيشة، وظالم يتجبر بسلاحه، ورجال دين تحولوا لمشايخ سلطان.

كذلك أغنية "الشارع اتكلم (تكلم)" التي تميزت بطابعها الحماسي، وتصوير مقاطع من مقاطع الفيديو الخاصة بها في التظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها بعض الجامعات المصرية.

اللافت للنظر أن الأغنيات الاحتجاجية خلال العام 2014 أولت اهتماما خاصا بالمرأة، فظهرت أغنية "زي (مثل) الحمام" لتدافع عن سجينات الرأي من الطالبات في مصر ممن شبهتهن الأغنية بالحمام الذي يحلق بلونه الأبيض فوق أسوار السجن.

وكذلك أغنية "مش سايبة (لن أترك) مكاني" التي احتفت فيها الفنانة زهرة بدور المرأة المصرية في دعم الثورة رغم الانتهاكات التي تعرضت لها، في رسالة فنية مفادها أنها لن تتخلى عن ثورتها ولن تبرح مكانها.

2014 لم يشهد تناميا في الغناء الاحتجاجي السياسي فقط بل وفي الغناء الاحتجاجي الاجتماعي أيضا، إذ طرح الفنان المصري حمزة نمرة قبل نهاية العام بأيام معدودات ألبوم "اسمعني"، وصنّف البعض الأغنية التي سُمي بها الألبوم كأغنية اجتماعية تتحدث عن صراع الأجيال بين الأبناء والآباء الذين يرغبون في السيطرة على مصائر أبنائهم.

فضلا عن أغنية "ضلمت (أظلمت) كده (هكذا) ليه (لماذا)" والتي أتت في قالب ساخر لتعكس معاناة المواطن المصري يوميا مع الزحام في الشوارع ومخالفات السائقين بروح تناسب خفة دم المصريين المعروفة عنهم.

صهيب شكري، ملحن مصري شاب قام بوضع الألحان الخاصة بعشرين أغنية احتجاجية خلال عام 2014 فقط، قال في تصريحات للأناضول: "الغناء كفن ما هو إلا انعكاس للواقع الذي يحياه الناس، فإذا كان هذا الواقع مؤلما لترك هذا الألم بصمته على الفن لتخرج أغنيات احتجاجية وكأنها تمثل ثورة على كل مناحي الحياة التي تؤلم من يحياها على كافة الأصعدة الإنسانية وليست السياسية فقط".

"لذلك تحول الغناء الاحتجاجي مؤخرا إلى صناعة لها نجومها وجمهورها، وظهرت لنا أغنيات احتجاجية إنسانية على طريقة حياة البعض وطريقة تفكير البعض الآخر، كما ظهرت أغنيات احتجاجية عاطفية إلى جانب السياسية"، يتابع شكري.

واختتم المصدر تصريحاته بتوقع ألا تخرج هذه الظاهرة الفنية عن الفضاء الإلكتروني قائلا: "الغناء الاحتجاجي ظاهرة ارتبطت بالإنترنت كونه خارج سيطرة أي سلطة ونظام سياسي ليعبر عن أفكار اجتماعية وسياسية لا تروق كثيرا لهذه السلطة، لذلك سيظل الغناء الاحتجاجي مرتبطا بالإنترنت طالما ظلت كل جهات الإنتاج الفنية خاضعة لسيطرة الأنظمة الحاكمة بشكل أو بآخر".

وبدأت ظاهرة الغناء الاحتجاجي في مصر أواخر عام 2010 حينما غنى الفنان محمد عباس "أسيبك (أتركك) لمين (لمن)؟"، موجها سؤاله إلى وطنه الذي حاصره بالمشكلات والفساد والإحباط حتى فكر في الهجرة منه، لكنه عاد ليسأل من سيأخذ بيد هذا الوطن إذا ما هاجرنا جميعا وتركناه.

ولاقت الأغنية دعما كبيرا من صفحة "كلنا خالد سعيد" على موقع فيسبوك والتي تعتبر الداعي الرئيسي لثورة الخامس والعشرين من كانون ثاني/ يناير 2011 المصرية والتي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، ووصل عدد مشاهداتها على يوتيوب لأكثر من مليون مشاهدة.

كما أرسل الفنان المصري محمد منير رسالة عتاب إلى وطنه بالتزامن مع أحداث ثورة الخامس والعشرين من كانون ثاني/ يناير 2011 حينما قام بغناء "إزاي (كيف)" التي رصد فيها سلبيات الوطن التي اندلعت من أجلها الثورة لاحقا.
التعليقات (0)