كتاب عربي 21

حمدين صباحي.. من بعثه من مرقده هذا؟!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
فجأة ظهر حمدين صباحي على مسرح الأحداث، ليقوم بدور "المحلل" لحكم العسكر، وهو الدور الذي أجاد القيام به، حتى انتهى سياسياً، وطوينا صفحته تماماً!.

حمدين ظهر في ثوب الثائر، وفي اجتماع لعدد من أحزاب الأقلية، عقد بمقر حزبه "الكرامة"، والعنوان هو الثورة ضد حكم براءة الرئيس المخلوع، ونجليه، وعدد من أركان حكمه بقيادة وزير داخليته حبيب العادلي، ليكشف بنفسه سر ظهوره، وحديثه الشجاع عن "عودة نظام مبارك"؛ فقد جاء ليدعو لجبهة لمواجهة هذه العودة، ثم لم ينس أن يكشف حدود الدور المكلف به، عندما دعا لجبهة ثورية، تستبعد الإخوان.. وهذا هو "بيت القصيد".

فحكم البراءة، أعاد الثوار الحقيقيين للشوارع، بعد أن حصحص الحق، وتبين الرشد من الغي، وثبت لهم أن مظاهرات 30 يونيو، التي أنتجت انقلاب 3 يوليو، هي التي أعادت نظام مبارك ليحكم مصر من جديد.

وفي محيط ميدان التحرير، تجمع الآلاف من الثوار ينددون بحكم العسكر، ويهتفون بوحدة الثوار، بينما من ركبوا الثورة، بعد تنحي المخلوع، بتشكيل ما أطلقت عليه فيه حينه "ائتلافات الوجاهة الاجتماعية"، يتحدثون عن استحالة اصطفاف الثوار مع الإخوان، باعتبار زعماء الائتلافات هم أولياء أمور الثورة وأصحابها؛ فالإخوان باعونا في "محمد محمود"، والإخوان تحالفوا ضدنا مع المجلس العسكري. ولا يجد المتحدث منهم من يقول له "عيني في عينك"، فهذه الائتلافات، هي التي تشكلت في الأساس، بهدف الجلوس في حضرة المجلس العسكري، وتمكينه من القول بأنه من حمى الثورة، وفي تسويق اختياراته الفاسدة، التي تنتمي لزمن مبارك، عندما خلعوا على رئيس الوزراء الضعيف الدكتور عصام شرف لقب "رئيس الوزراء القادم من ميدان التحرير"، وكان من المعروف عن الرجل أنه عضو في لجنة السياسات بالحزب الحاكم، وقد حضر آخر اجتماع لها، للبحث عن آلية لإجهاض الثورة في مهدها!.

"ائتلافات الوجاهة الاجتماعية" ليست موضوعنا، فحكم المحكمة بتبرئة مبارك ونجليه وأركان حكمه، من القضية الأهم وهي قتل الثوار، دفعت الشباب للنزول للشوارع يرفعون شعارات "الوحدة"، بينما حمدين صباحي في بيته، لم ينزل "عفوياً" مع النازلين، وكأنه ممنوع من "الفعل العفوي" بأوامر الأطباء، وظل ثلاثة أيام منذ صدور حكم البراءة يتأمل، إلى أن نزل عليه الوحي فكان الاجتماع الحزبي الذي دعا إليه وشارك فيه، ولأن العبارة عنده لا تعد جملة سليمة إلا بالذكر السلبي للإخوان، فقد جاء ليتحدث عن فعل ثوري، يستبعد الإخوان، وفي أول السطر كان التلويح بانسحاب هذه الأحزاب من خارطة الطريق!.

لقد سُئلوا الفتنة وأتوها، فالهدف من اجتماعهم هو استشعار سلطة الانقلاب الخطر من "وحدة الثوار" لذا جاء هذا الاجتماع الحزبي بجدول أعمال واحد هو منعها. والخطاب الثوري المستخدم هنا، هو لإدخال الغش والتدليس على الثوار، فقد هددت الأحزاب المجتمعة بالانسحاب من "خارطة الطريق" أو "المستقبل" التي وضعها قائد الجيش، وتلاها في خطاب إسقاط الحكم المنتخب، ولا نعرف لماذا كان الأمر تهديداً، ولم يكن قراراً بالانسحاب الفعلي، إلا إذا كان التهديد هو لتسويق مهمة صباحي وأحزابه، باستمرار الفرقة في صفوف الثوار؟!.

صباحي عندما شارك في الانقلاب العسكري على المسار الديمقراطي، الذي ارتضته الجماهير، دعا أنصاره، للخروج في 30 يونيو "سيئ الصيت"، وأيديهم في أيدي من بجوارهم، وألا يسألوا إن كانوا من فلول النظام البائد، لأن الخلاف مع الحزب الوطني، هو خلاف ثانوي، من وجهة نظره، أما الخلاف مع الإخوان فهو "الخلاف الجذري". وهذه النظرية، التي دشنها صباحي، هي التي انتهت بحكم عسكري انقلب على كل مكاسب ثورة يناير، ومثل الامتداد الطبيعي لعصر مبارك، وهذه العودة لنظام المخلوع هي التي مكنت من أحكام البراءة، ليخرج معه رجله القوي "حبيب العادلي"!.

لقد كان صباحي هو المستخدم منذ تنحي المخلوع في ترسيخ حكم العسكر، وعندما بدأ ما سمي بالحوار الوطني، تحت رئاسة اثنين من الموتى، أحدهما هو عبد العزيز حجازي وينتمي لعهد السادات، والثاني وهو يحيى الجمل وينتمي لكل العصور ما ظهر منها وما بطن، كان مطلب ممثلي حزب "الكرامة" الذي يترأسه صباحي، هو ضرورة النص في الدستور الجديد على أن "الجيش هو حامي الدولة المدنية"، وبعد إحدى هذه الجلسات دار سجال بيني وبين أحدهم على إحدى الفضائيات، كان يتحدث وكأنه اكتشف للتو، اختراع عودة الشيخ لصباه، وكنت أرد عليه بأن هذا ضد طبيعة الأشياء، فالدولة المدنية لا تكون أبداً في حماية العسكر. لكن حزب صباحي كان لا يسلم بسيادة الشعب المصري، باعتباره واحداً من أحزاب الأقلية، وإلى الأبد، فلا بد من أن تكون هناك مرجعية يرون أنها هي من ستمكنهم من الحكم، على غير إرادة الجماهير، وهي الإرادة العسكرية بجعلها وصية على الشعب!.

كان لدى صباحي غبش في الرؤية، إذ كان يظن أن "العسكر" بحاجة لرأس مدني، يحكمون من خلاله، وظن أنه من يصلح للقيام بهذا الدور: "المحلل". وعندما طالب الثوار بتنحي حكم المجلس العسكري، وكان الرد: وما البديل؟.. وقالوا لابد من تشكيل مجلس رئاسي، وذكروا أسماء أعضائه وكان من بينهم حمدين صباحي، ظهر على إحدى الفضائيات، ليعلن أنه لا يعرف من اختاره ولا يوافق على هذا الاختيار، ليشكل هذا الاعتراض، دليلاً يتلقفه الإعلام الموالي لحكم العسكر، ليروج بأن شبان التحرير يتحدثون في الفراغ، ويطرحون بدائل غير منطقية، والدليل أنهم طرحوا مجلساً رئاسياً تم رفضه ممن طرحت أسماؤهم ليكونوا أعضاء فيه، مع أن الرافض الوحيد كان هو شخص حمدين!.

في بداية إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية، كنت أقول لو أنه حصل على مائة ألف صوت فإن عليه أن يقبل يده "وجهاً وظهراً"، لكن يبدو أن فريقا في المجلس العسكري تبني ترشيحه، فارتفع نجمه، بينما الجميع في دهشة، وكان لافتاً أن الإعلام الذي كان يقف للمرشحين المنتمين للثورة على "الواحدة"، ويتتبع عوراتهم، لأنه إعلام الثورة المضادة، كان يعامل صباحي باحترام بالغ!.

لقد فوجئ صباحي بأن نتيجة الجولة الأولى للانتخابات قالت بأن الإعادة بين الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق، ودعي لانتخاب الأول من باب الانحياز للثورة، ووضع شرطاً مستحيلاً ومضحكاً وهو أن يتنازل له مرسي عن الإعادة، ليعيد هو وشفيق، وهو طلب غير قانوني، ومعناه أن يفوز شفيق بالتزكية السياسية. وقد تواترت الأخبار أن بينه وبين شفيق اتفاق، نصه أن يؤيده مقابل منصب نائب رئيس الجمهورية، في حال نجاحه، لكن شفيق طلب الإعلان، وخشي صباحي من إعلانه تأييد مرشح نظام مبارك، فينتهي سياسياً.

ومن يومها، وهو يستخدم معولاً في القضاء على الثورة، وانضم لمعارضة الرئيس، ولم يقبل عرضاً رئاسياً بأن يكون نائباً لمحمد مرسي، فقد استولت عليه فكرة أن يكون "الرئيس" ولو منزوع القيمة والصلاحيات و قراره في يد العسكر!.

لقد شارك في تأسيس ما سمي بجبهة الإنقاذ، التي مثلت الغطاء المدني للانقلاب العسكري، وشكل شباب حركاته ما سمي بحركة "تمرد"، وقام بتسليمهم للأجهزة الموالية لقائد العسكر، من باب القرض الذي يرد إليه، لكن عندما خاض الانتخابات الرئاسية بقرار من عبد الفتاح السيسي، أراد أن يسترد القرض، لكن الشبان الذين تعلموا الانتهازية في مدرستها الخالصة، كانوا قد عرفوا طريقهم، وقالوا فيه ما قال مالك في الخمر، فقد قرروا التعامل مع "الكابل الرئيس" بدلاً من التعامل مع "التوصيلات" الفرعية، فلم يعودوا بحاجة إلى " الكفيل الضامن"، وقد عملوا بشكل مباشر مع من يعمل كفيلهم عنده!.

حتى عبد الحليم قنديل، الذي نشأ وترعرع في ضيعة حمدين صباحي السياسية، بمجرد أن رأى فرصة ليتجاوزه فعل، وهو من أطلق في السابق أوصاف الزعامة عليه، فقد صار عنده وقنديل ينحاز للسيسي أنه "الزعيم الموسمي"!.

لقد كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية التي أجراها الانقلاب لطمة على وجه حمدين أجهزت على مستقبله السياسي، فقد استكثروا عليه أن يكون ترتيبه الثاني في انتخابات جرت بين اثنين، فقرروا إمعاناً في الإهانة، أن يكون الثالث حيث كانت الأصوات الباطلة أكثر من تلك التي حصل عليها!.

وقد رضي بالنتيجة، رغبة في استمرار الود، لكن الأبواب أغلقت في وجهه، وبدا السيسي ليس حريصاً على وجوده في المشهد، لكن حمدين الآن وجد فرصة مواتية لإثبات أنه لا يزال في الخدمة، فتحرك، وربما تم دفعه للتحرك (فلا نعرف من بعثه من مرقده هذا؟!)، من أجل أن يستمر انقسام الثوار، فاته أن الثورة مستمرة، وأن الشباب لم يعد مخدوعاً فيه.

لقد انتهي الدرس يا حمدين!
التعليقات (8)
ياسين مطهر
الأحد، 04-01-2015 07:56 م
مقال سيظل وشم لصباحي وتعريفاً به حتى بعد موته . صباحي لا يعرف من كلامه بل يعرف من مقالك بارك الله في قلمك وفهمك
ابومحمود
السبت، 20-12-2014 12:53 م
الحم دلله الذى جعللك من اقلام الحق اللهم فقهه فى الدين وعلمه التاويل
د/ رابح علواني
الجمعة، 05-12-2014 11:35 ص
صباحي مثل الخبير يعمل تحت الطلب،،،، طلب منه معارضة مرسي ففعل و أقام الدنيا و صال و جال،،،، طلب منه الاتحاد مع قوى الانقلاب ففعل و زكى،،، طلب منه الترشح للرئاسة ففعل،،، طلب منه التعليق على براءة مبارك ففعل،،، طلب منه التنديد بالمظاهرات السلمية ففعل،،، اذا هو موظف تحت الطلب لا غير،،
Abdussalam
الخميس، 04-12-2014 08:54 م
قال بن تيمية : إنّ الحسد مرض من أمراض النفوس وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا القليل من الناس ولهذا يقال : ماخلا جسد من حسد ، لكن اللئيم يبديه والكريم يُخفيه . قال أبو الطيب المتنبي في إحدى روائعه : إذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكتهُ .. وإنْ أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمردا
علاء
الخميس، 04-12-2014 02:48 م
لافض فوك ايها الكاتب الشريف الحر ولاعزاء للمنافقين ولاعبي السيرك ( حمضين وأمثاله )