كتاب عربي 21

أثر "صولة الأنصار" على التعتيم "العسكري" في سيناء

أنس حسن
1300x600
1300x600
لم تمر دقائق معدودة على إصدار جماعة "أنصار بيت المقدس" بسيناء -و التي بايعت تنظيم الدولة منذ أيام - فيلمها التوثيقي الأول لمجموعة عملياتها ضد الجيش المصري تحت عنوان "صولة الأنصار"؛ حتى انتشر كانتشار النار في الهشيم في مواقع التواصل الاجتماعي، وشبكة الانترنت بعامة.

وقد توالت ردود الفعل عليه بشكل سريع و واسع، كما أن ردود الفعل انتشرت من الإسلاميين بين متخوف وشامت بما آلت إليه الأوضاع، نكاية في قمع السيسي، إلا أن ردود الفعل الأكثر أهمية ولفتا للنظر كانت من بين مؤيدي السيسي، حيث صدرت حملات سريعة على تويتر والفيس بوك لدعم الجيش، لكنها امتازت بالاضطراب وقلة الحيلة، أمام قوة وخطورة وصدمة محتوى "صولة الأنصار".

لم تستطع طاقات الاتزان لجمهور السيسي و مؤيديه الصمود كثيرا أمام قسوة ما جاء في الفيلم، ولم تصمد محاولات استعياب ما حصل عبر شجب الإرهاب وشتمه، وسرعان ما تحول كل ذلك إلى صدمة كبيرة، وخوف معلن من مصير مجهول للحرب بسيناء، فهذا هو الاختراق الأول لأسطورة الجيش المصري، وهذا هو الانتهاك الأول المرئي لروايته الإعلامية عن الحرب في سيناء، وهذا هو المشهد الذي اهتزت أمامه اسطورة "السيسي" كساحق للإرهاب والإسلاميين، فالجيش والسيسي أصبحا بحاجة للدعم المعنوي بحملات واسعة، بعد أن كانا هما الداعمين، وأصبحت محاولات ترميم صورتهما هدفا لأنصارهما الذين لم يتحملوا قسوة المشاهد التي أنبأت عن واقع بخلاف الذي خبروه من إعلام السيسي، ومن ثقة خبرائهم الاستراتيجيين و متحدثيهم العسكريين. 

"صولة الأنصار" يعد نقطة محورية هامة في ملف سيناء ، فطالما كان الشأن السيناوي "ضبابيا" ويصل لنا عبر العناوين الإخبارية بالبونط العريض أو النحيف، و كل أخبار سيناء هي أخبار كتابية من نحت قلم الرقيب العسكري، كما أن الجيش منع حتى الصحافة الخاصة المؤيدة للعسكر من تغطية أحداث سيناء، وما تبعها من اعتقال لمراسل المصري اليوم بسيناء وغيره كان رسالة واضحة أن ما سيحدث ويحدث بسيناء يجب أن يظل مجهولا حتى على حلفائه الإعلاميين، و بهذا امتلك الجيش هامش مناورة إعلامي كبير بما يحدث في سيناء، فهو وحده من يمتلك حق الوصول للمعلومة ونشرها، وبهذا استطاع فرض روايته على الأحداث دونما غيره، وطالما امتلكت الرواية احتكارا استطعت أن تقول ماشئت دون عواقب، بهذا كانت صدمة "جمهور السيسي" الذين هالهم ما كان من فيلم "صولة الأنصار" مما هو بخلاف الواقع عن ما يتم رسمه لصورة القوات المسلحة في الإعلام والاستعراضات العسكرية والخطابات !. 

إن نصف مادة الصراعات في مصر إعلامية، وهذا ليس من زمن ناصر وعسكر يوليو وصحافة هيكل والنكسة! ، بل إنه منذ الفرعون؛ حيث كان الإعلام هو الرديف الأساسي للصراع وعبره يتم حسم معارك كثيرة قبل أن تحدث على أرض الواقع "وأن يحشر الناس ضحى"؛ و لهذا فالسلطة في مصر دوما شديدة التأثر بالدعاية، كذلك هي شديدة التأثير فيها ، و لذلك يكون هدف السيطرة على الدعاية في مصر مقصدا لكل راغب في امتلاك أدوات القوة، و هي أقوى من أحزاب السياسة وجماعات الضغط؛ لأن الشعب المصري يستجيب كما لم يستجب غيره طوال تاريخه للدعاية والميديا ، ولهذا نجد أن نصف إنجازات التاريخ المصري كانت من نسج "الدعاية"، أكثر من ما تخبرنا به الحقائق الواقعية .. 

ولهذا فإن امتلاك طرف كأنصار بيت المقدس لجهاز إعلامي ودعائي قوي ينتج رسائل إعلامية احترافية مضادة لرواية الجيش، وتخدش الصورة النمطية عن الجيش المصري لأول مرة منذ النكسة وصور الأسرىن هو أمر خطير جدا، وذو أثر بالغ جدا في مسار الأحداث، ولا أتوقع أن يقوم الأنصار بحشد الرأي العام معهم بقدر ما سيحشدون الرأي العام ضد "الفشل" في سيناء، فمن مآلات الأمور أن الأوضاع في اتجاه السوء، وما كان إرهابا محتملان كما قال السيسي وقتها، أصبح واقعا معاينا بعد السيسي، وفشل الجيش في ضبط الأمور ستقلل ثقة الناس في إمكانيات سيطرة النهج السياسي للسيسي على البلاد، و أن استمرار القمع لم يستجلب إلا صداعا أكبر مما توهمت الجماهير أنه سيتم التخلص منه. 

على الجانب الآخر، ستتوسع الحاضنة الشعبية للعنف تدريجيا في أوساط المقموعين، ولن يزيدها القمع إلا قربا من مسالك العمل العنيف، كما أن مثل تلك الفيديوهات العملياتية ستزيد مساحة التعاطف الشعبي مع المتضررين من سلوك الجيش بسيناء، ومع خطاب إعلامي يتبني "مظالم سيناء" كمنطلق للعمل المسلح هنالك استطاع "الأنصار" أن يقتربوا أكثر من فجوات أحدثها السلوك العملياتي للجيش هنالك، وليست إلا فترة حتى نرى تحولا كبيرا في النظرة السيناوية للوجود العسكري للدولة المصرية فيها من دولة ذات سلطة شرعية إلى قامع محتل، ما يزيد النزعات الانفصالية وداعميها، وهذه مساحة كبيرة للعب القوى الدولية والإقليمية. 

المتفق عليه إذن، هو أن الرسالة "الإعلامية" للقوات المسلحة المصرية لن تكون ذات قدرة تماسك كبيرة في المستقبل، كما أن استمرار صيغ التطمين الكامل و الارتباك المعلوماتي الصادر عن المتحدثين العسكريين و تكراره سيضعف قدرة الجيش على فرض روايته، بل سينتظر داعمو العسكر رواية "الجماعات المسلحة" للتأكد من الأمور، وهذه عملية نفسية مفهومة، فالخصم يهتم برواية خصمه عن الأحداث، خاصة إذا فقد الثقة في خطاب من يدعم، وبهذا تكون البيئة المستقبلة لرواية "الجماعات المسلحة" أكبر بكثير مما يمنحها مساحة إعلامية لم تكن لتحلم بها في بيئة الدعاية المصرية لأول مرة في تاريخها ..
التعليقات (0)