قضايا وآراء

سلطة فتح وعاشوراء الختيار

محمد الأحمر
1300x600
1300x600
تطل علينا الذكرى العاشرة لوفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وسط مرحلة حرجة في مسيرة النضال الفلسطيني، فالتباين والانقسامات في المواقف بين الفصيلين الأكبر، فتح وحماس، تجاه طريقة التعاطي مع ملف القضية الفلسطينية باتت واضحة وضوح الشمس؛ فالأولى ترى أن مسار المفاوضات السياسية والتعويل على قرارات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي سوف يفضي في النهاية لقيام دولة فلسطينية أياً كانت مساحة وحدود هذه الدولة، فيما ترى حماس والتي تأسست أصلاً على فكر ونهج مقاومة الإحتلال أنّ ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بها، وأن الإسرائيليين لا يفهمون إلا لغة الحرب والقتال، وغالبا ما أثبت التاريخ صحة هذه النظرية.

وعلى ما يبدو فإن الاتفاق الذي أعلنه الطرفان عن انتهاء سنوات القطيعة وموافقتهم على تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون مهمتها إدارة الضفة والقطاع، بما فيها المعابر، تحت مظلة السلطة الفلسطينية لن يلبث أن ينهار وسط التباعد الأيديولوجي العميق في نظرة كل طرف للحل. 

إن الرئيس الراحل مثّل بشكل أو بآخر رمزا للنضال الفلسطيني لفترة زمنية ليست بالقصيرة من عمر القضية الفلسطينية، وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع مسيرته المليئة بالمغامرات السياسية والعسكرية، إلا أنه كان ولا يزال يملك رصيدا كبيرا من الحب والاحترام في قلوب السواد الأعظم من الفلسطينيين كزعيم أفنى جل حياته دفاعا عن قضية عادلة.

ولعل الحياة الكربلائية التي عاشها الراحل عرفات قبيل وفاته من حصار خانق ومحاولة لتصفيته عبر قطع كل سبل الحياة عنه، والتي استمرت ثلاث سنوات وصولا لاغتياله عبر دس السم له، كما أثبتت التحقيقات الأخيرة و التي أجرتها السلطة الفلسطينية، أعادت له كثيرا من الاعتبار، حتى من أشد التيارات معارضة له، بمن فيهم حماس، والتي كانت ترى في توقيعه لاتفاقية السلام مع الإسرائيليين خيانه للقضية، ولكن صموده في وجه الحصار الذي مورس ضده في مقر الرئاسة أو ما يعرف بالمقاطعة وعدم الاستسلام، ورفضه لكل الضغوط الغربية، أعاد له بريق المحارب المدافع عن حقوق شعبه، والمستعد لدفع حياته ثمنا لها.

كان من الواجب على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وحسب ما يمليه عليه منصبه، بأن يكون رئيساً لكل الفلسطينيين، أن يستغل مناسبة مثل هذه، وهي ذكرى اغتيال رجل اجتمعت وتوحدت حوله الآراء على أنه رمز وطني، أن يقدم مبادرة وطنية شاملة لرص الصف الفلسطيني وتحصين بيته الداخلي، وتوحيد كلمته إذا كان صادقاً في دعوته للمصالحة، لا أن يستغل منبر حفل تأبين عرفات لكيل الاتهامات لحركة حماس الشريك المفترض في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية  والترفع عن مثل هكذا خلافات داخلية، والتركيز على الخطر الذي يتهدد القدس والمسجد الأقصى خاصة في ظل استغلال اليهود للفوضى القائمة في المنطقة، وحالة التردي التي تعيشها دول المنطقة في محاولة غير مسبوقة لتصفية مشروع التحرر الفلسطيني برمته. 

إن حركة حماس ومعها بعض الفصائل الفلسطينية الأخرى التي تتبني مشروع المقاومة، والتي أثبتت في مواجهات عدة مع العدو الصهيوني قدرتها على قلب الموازين وإجبار الإسرائيلي على تقديم تنازلات لم يقدمها طوال عشرات السنين من المفاوضات، والتي لم تحقق أي مكسب حقيقي للفلسطينيين، ولو أن الرئيس عباس يدرك مقولة الراحل عرفات، أو "الختيار" كما يروق للبعض تسميته، والذي طالما كان يرددها "بأن الشعب الفلسطيني يسبق قيادته في تحركاته" لكان تخلى عن نهج التنسيق الأمني واعتقال الناشطين الذي يتّبعه في حق أبناء الشعب الفلسطيني؛ نهج أثبت فشله وعدم فاعليته. لنشاهد العمليات البطولية التي قام وسيقوم بها شبان فلسطينيون بمبادرات فردية عندما شعروا بتهديد حقيقي يمس هويتهم ومقدساتهم.
التعليقات (0)