صحافة دولية

سايمون جينكنز: حرب جديدة بلا استراتيجية ولا تكتيك

جينكنز: حرب العراق الجديدة مجرد استعراض وتمثيل وتبختر على المسرح الدولي - أرشيفية
جينكنز: حرب العراق الجديدة مجرد استعراض وتمثيل وتبختر على المسرح الدولي - أرشيفية
نشرت صحيفة الغارديان تحليلا للمعلق المعروف سايمون جينكنز قال فيه: "في غياب استراتيجية سليمة، فإن العودة للصراع ستعزز سياسة الخوف، والتي كانت أكلح ما في إرث بلير". 
 
وأضاف "هذه هي النقطة في أي حرب عندما يخرس السلام، فالقضية عادلة والعدو في منظار الهدف والتحدي كبير. ويتسارع الدم في عروق صحف التابلويد، وأي معارض سينعت بالجبن. وسيعرض ديفيد كاميرون، يوم الجمعة على مجلس العموم، حرص حكومته الواضح على ضرب العراق، ومع اقتراب الانتخابات فإن الزعيم العمالي إد ميليباند لن يجرؤ على المعارضة".

وعلق الكاتب على ما قاله رئيس الوزراء أمام الأمم المتحدة يوم الأربعاء أن ما قام به "داعش" شر يجب على العالم كله أن يتحد ضده.  مضيفا "لا أحد يختلف مع ذلك وبعكس محاولة كاميرون الفاشلة العام الماضي لضرب سوريا، فإن الجانب القانوني من المسألة الآن تغطيه دعوة من حكام العراق التعساء في بغداد ورفض ضرب سوريا، ويقول كاميرون إن الأخطاء السابقة في العراق ليست حجة لعدم فعل شيء "يجب ألا يجمدنا الخوف بحيث لا نفعل شيئا على الإطلاق".

وحذر جينكنز "لكن يجب ألا تسكرنا الحرب لدرجة أن نرتكب أخطاء، فضرب العراق كان وسيلة لإبراز الرجولة للمنتخب الغربي منذ "مونيكا لوينسكي"، التي بدأها بيل كلينتون عام 1998، فكانت فاتحة لعقد من الكذب، حيث أعلن أن ترسانة صدام العسكرية قد تم القضاء عليها، ثم أعلن عكس ذلك، وبعد قتل مئات المدنيين أعلن توني بلير وحكومتة المصغرة أن العراق ما يزال يشكل "تهديدا وشيكا لبريطانيا". وأدعى بأن الحرب بعد ذلك أسست للحرية والديمقراطية في العراق، وهي كذبة أخرى. فبحسب دراسة لـ (رويال يونيتد سيرفيسس انستتيوت) فبدلا من أن يقلل من الإرهاب الدولي تسبب غزو العراق عام 2003 في زيادة الإرهاب".

وواصل "يجب على من يطالب بشن هجمات أن يوضح كيف ستكون الأمور مختلفة هذه المرة، وإلا فسيعتبر مرتكبا لذنب الاستعداد لتمديد المهمة. وإلى الآن لا يبدون مقنعين، والدليل على ذلك هيستيريا النعوت التي اجتاحت خطابهم حول كون (داعش) مثيرة للاشمئزاز، وترتكب جرائم إبادة فظيعة ووحشية ولا يمكن وصفها وشيطانية. ولكن الجميع يبدو مقتنعا بأن الضربات الجوية وحدها لا يمكن أن تربح، والكل يقول إنه يجب إتباع الغارات الجوية بهجمات أرضية، وهذا جوهر الحرب المنسقة. فالغارات هي فقط للتقليل من إمكانيات (داعش)، وتكون في غالبها بهدم بنايات فارغة بتكلفة عالية ولتبعث برسالة لجهة أو لأخرى".

وتحدث جينكنز عن استراتيجية رئيس الحكومة قائلا "تقوم استراتيجية كاميرون، كما يبدو، على ترك العملية الأرضية للجيش العراقي لتحقيق الانتصار. وهذا قد يكون معقولا، وبالرغم من أن تدريبهم كان من أكثر جيوش العالم كلفة، لكنهم أثبتوا أنهم عديمو الفائدة. وقد أمدتهم الولايات المتحدة بغطاء جوي لمدة سبعة أسابيع، ولكن (داعش) ما تزال ثابتة في مكانها، ويرفض كاميرون إقامة حلف ضروري مع  سوريا وإيران، فيبدو أنه لا يريد أن ينتصر".

ويستدرك قائلا "إن كانت بريطانيا تريد الانتصار فعليها أن تذهب للحرب بكل قوتها، طائرات وجنود ودبابات ومدافع بأعداد كبيرة، ولتذهب التبعات إلى الجحيم. وليست هناك مشاكل لوجستية، فبغداد تستجدي أن تقاتل القوات البريطانية بجانب قواتها، فلماذا يقوم كاميرون بربط يده خلف ظهره؟ تبدو أنها تمثيلية للاستهلاك المحلي، فحرب العراق الجديدة ليست لها استراتيجية ولا حتى تكتيك، إنها مجرد استعراض وتمثيل وتبختر على المسرح الدولي". 

ويرى جينكنز  أن السبب هو"أن هذا الصراع يمتاز بكل مخاطر الكراهية الدينية عبر العصور، وقد يؤدي إلى الانحدار نحو القبلية، وقد أثاره التدخل الغربي عندما قوضت أنظمة علمانية وبعثية في الغالب. والأمل الوحيد الآن هو أن تستطيع القوى الإقليمية فرض النظام، كما فعل ديكتاتور سوريا في لبنان، بعد فشل الدول الغربية في الثمانينيات. والمنطقة مليئة بالأسلحة والجيوش من تركيا إلى إيران إلى السعودية ودول الخليج، فكلها مهددة من (داعش) أكثر من بريطانيا، وتمتلك السعودية 700 مقاتلة كافية لقصف كل مكان في مدى النظر، ويجب ألا تحتاج لمساعدة خارجية".

ويتوقع  جينكنز "سواء طال الزمان أم قصر لا بد لـ (داعش) من التفكك إلى فرق متناحرة، فالخلافة ليست تركيبة قابلة للتصديق، فحتى طالبان كانت على وشك التحول إلى نظام أقل شراسة، فأتى بوش وبلير وانقذاها من هذا التحول باحتلال أفغانستان عام 2001، وفي العراق يمكن لسوريا والعراق وإيران وكردستان أن تفرض الاستسلام على (داعش) بوضعها بين فكي كماشة".

ويعتقد جينكنز أنه "من المفترض أن تلعب الضربات الجوية دورا في هذا التفكك، ولكن في هذه المرة تقوم القنابل البريطانية بدعم حكومة قائمة بدلا من إسقاط حكومة، ومن المتوقع أن تساعد هذه الضربات (داعش) بتجنيد المزيد من المقاتلين، وتحويل وجهة النظر الإسلامية مرة أخرى ضد الغرب. كما أن استخدام الطائرات دون طيار ووقوع ضحايا مدنيين لن يساعد على الكسب سياسيا، لدرجة أن ممثل أميركا السابق في ناتو كورت فولكر حذر من أن ضربات الطائرات دون طيار (ستسمح لأعدائنا بتصويرنا على أننا بلد بعيد ذو إمكانيات تقنية عالية، ولكنها بائعة للموت)، ولذلك فهي تزيد من الكراهية وتوفر الجو للتجنيد وتستعدي الناس الذين علينا أن نقربهم منا". 

ويرى الكاتب أن "العودة للحرب تعني تعزيز سياسة الخوف، والتي هي أسوأ موروث من عهد توني بلير، فالبلاد تستقبلك من المطار بالتحذيرات من الإرهاب، وتتكرر هذه التحذيرات في كل مكتب حكومي وفي كل قطار، ويفعل كاميرون هذا ليحصل على موافقة البريطانيين لدخول بريطانيا في حرب (داعش) لأنها "تشكل خطرا على الأمن القومي البريطاني ولكن بريطانيا تحملت خطر الجيش الجمهوري الإيرلندي والذي شكل خطرا أكبر على بريطانيا، ولكنها لم تتداعى كدولة. فوجودها ليس مهددا من الجهاديين، وهذا الإدعاء سخيف، ويبدو أن كاميرون ليست لديه ثقة بدولته".

ويتابع "إن الفرق بين شرق وغرب آسيا فرق كبير جدا، أحدهما زاهر والآخر يعيش حالة مأساوية من عدم الاستقرار وبشاعات العصور الوسطى، ومن الصعب عدم توجيه أصابع اللوم لقرنين من الاستعمار. فيصعب استيعاب كيف يمكن لمزيد من التدخل أن ينتج السلام والمصالحة".

ويخلص جينكنز إلى أن "حروب الإسلام ليست شأنا بريطانيا، وعلينا أن نساعد ضحايا الحروب المدنيين، ولكنهم ليسوا بحاجة لفشلنا في محاولة إعادة تشكيل سياستهم، فهذه مهمة العرب وجيرانهم وليست للجيش ودافع الضريبة البريطاني".
التعليقات (0)