كتاب عربي 21

النهضة والاتحاد: المعركة المؤجلة

نور الدين العلوي
1300x600
1300x600
المعركة بين اليسار التونسي وحزب النهضة ليست معركة حدود بل هي معركة وجود. ولا يغترَّن أحد بالضحكات الصفراء المتبادلة في الحوار الوطني فالنار تحت الرماد ويوشك أن يكون لها ضرام. وما الدعوة إلى مقاطعة العودة المدرسية ورفض استلام جداول الأوقات كسبيل احتجاجية على عدم تلبية مطالب مادية لقطاع التعليم الثانوي إلا إحدى العلامات بين وزير عليه شبهة نهضوية وبين جنرال التعليم الثانوي. توجد نار تحت رماد العلاقة بين القوتين وهي مؤهلة لانفجار في وقت قريب. هذه الحرب ليست جديدة بل تأجلت مرات كثيرة ولكنها قادمة لا محالة. خاضها اليسار مهاجما من داخل الاتحاد ودافعت النهضة عن نفسها من داخل سجون السلطة ثم من موقع الحاكم المستضعف نقابيا.

معركة قديمة لا تنتهي إلا بسحق أحد طرفيها. 

التاريخ يعيدنا إلى أول السبعينيات عندما تسرب اليسار الطلابي إلى النقابة وسيطرته عليها ليحولها بحسب قواعد الاحتجاج اليساري من نقابة صفراء إلى أخرى حمراء تتولى قيادة الشارع العمالي لإسقاط نظام الكمبرادور. لكن الصدام الذي حصل في جانفي 1978 لوم يكن الإسلاميون في الصورة بشكل كامل أسقط هذا المسار فاضطر اليسار النقابي إلى الانحناء لعاصفة قوية يقودها حزب الدستور وتبنى تكتيكات الخضوع والمطالبة فانتهى جزءا من السلطة السياسية التي تغير وجهها سنة 1987 ووضع اليسار بنقابته وزعمائه في جيب السلطة التي شرعت في تصفية ماحقة لحزب النهضة. وكان اليسار النقابي وغير النقابي شريكا كاملا في عملية استئصال النهضة. والقضاء على نقابييها الذين اوشكوا في مؤتمر سوسة 1989 ان ينالوا مكانة كبيرة في قيادة المنظمة خاصة ببناء تحالف مع الشق غير اليساري في القيادة السابقة (او ما يسمى بالشق العاشوري نسبة الى الحبيب عاشور).

اختفت النهضة لمدة ربع قرن ولكن الاتحاد في الأثناء لم يفلح في حماية الشغالين ولا في حماية القطاع العام الذي تم تفكيكه وتصفية أغلب مؤسساته بما جعل القيادة النقابية شاهد زور على ما يجري. فهي تتحدث في جريدتها عن الدولة الاجتماعية بينما تعقد قيادتها صفقات الخصخصة مع نظام السماسرة. كانت هناك مفاوضات كل ثلاث سنوات من أجل زيادات منظمة لكن الزيادة كانت من الضعف بحيث تفضح التواطؤ النقابي أكثر مما تكشف السعي الى حماية الشغالين. لقد حول نظام بن علي النقابة جزءا من أدوات التحكم في البلاد ورشى قيادات المنظمة بما كفاهم فحولهم إلى عصاته الغليظة ويتذكر الجميع آخر أمين عام للمنظمة يقف في شرفة المقر يلعن الثورة القادمة من الارياف لمصلحة سيدة قرطاج المرعوبة.

مفاوضات القصبة 2 تمت بمشاركة قيادة الاتحاد إياها فتم انقاذ النظام وتمديد سبل بقائه حتى اللحظة فلما وصل المسار إلى انتخابات رغم العوائق وأفرز قيادة سياسة لا تروق للنقابة تكلم الناطق باسم الماكينة النقابية عبيد البريكي وهدد سنحرك الماكينة وقد حركها طبقا لهوى اليسار النقابي لا طبقا لهوى البلاد التي تخرج من وضع هش إلى وضع صعب.

حطمت النقابة الرقم القياسي العالمي في عدد الاضرابات والاعتصامات ودافعت عن كل ما رأت أنه يضعف من قدرة خصمها النهضاوي الذي يقود البلاد ووقفت حتى مع بائعي الحشيش ومروجيه ووقفت ضد فرض ضرائب اجتماعية على راس المال ووقفت مع لوبي الاطباء ضد توسيع قاعدة الخدمات الطبية في الدواخل.  لقد كان الهدف اسقاط حكومة النهضة وقد وصلت الى ذلك لكن بعد تخريب كل المرحلة وإضعاف البلد داخليا وتعريضه لمزيد من الهشاشة الاقتصادية المهددة لاستقلاله وقراره السيادي. في جانفي 2014 سجلت النقابة انتصارها بإسقاط حكومة النهضة وتنفست الصعداء لكن. تظهر الآن فاتورة ثقيلة يجب دفع كلفتها انتخابيا. الشارع وصل إلى قناعة واسعة:

• حكومة التكنوقراط التي فرضها الاتحاد في الحوار الوطني ليست أفضل بل أسوء بكثير من حكومتي النهضة.

• الاحتجاج النقابي زمن حكم النهضة لم يكن نقابيا بل سياسي حزبي مؤدلج لا علاقة له بمطالب الشارع.

• الاتحاد أخذ رهينة لدى فصيل سياسي يستعمله في معركة غير نقابية بل سياسية بامتياز.

• معركة اليسار مع النهضة أفقرت الاتحاد وعزلته وقد تقضي عليه ما لم يتم تنظيفه من اليسار.

• في معركة تنظيف الاتحاد من اليسار ستدخل النهضة على الخط. وهنا ستنشب المعركة الأخيرة.

مؤشرات المعركة القادمة

مشرفون على انتخابات 2014 وأدلة كثيرة تؤكد تقدم حزب النهضة كحزب أول  قادر على تشكل حكومة أو ثان لا يمكن تجاوزه في تشكيلها. فيما تؤكد أدلة أخرى على أن اليسار النقابي الذي يختفي سياسيا في الجبهة الشعبية يتقدم مشتتا وبلا قواعد سياسية شعبية تمنحه موقع أفضلية في الحكم. وفي أفضل حالاته سيجد نفسه في موضع الاتفاق الضروري ضد النهضة مع ممثلي طبقة رأس المال الفاسد الذي بنى اليسار مجده على محاربته منذ ظهوره.

في المرحلة القادمة سيكون موسم تجديد النقابات والمؤشرات تقول إن اليسار في مواقع كثيرة تم تجدديها خسر أمام النهضة أو من يتحالف معها بحيث يمكن أن يتم (تنظيف) النقابات القاعدية من اليسار ليتم لاحقا تجديد الاتحادات الجهوية بلا يسار نقابي ثم يشرع في الدعوة لمؤتمر استثنائي   للمنظمة يمسح الاتفاقات والمحاصصة التي تمت في مؤتمر طبرقة.  وتلك ذروة المعركة التي سيتم فيها الخروج مما سماه هشام جعيط الحرب الأهلية الكلامية بين اليسار والنهضة ولنرى مظاهر حرب أهلية دموية ربما تكون محدودة المجال لكن الدم فيها قادم لأن معركة النقابة ستكون حاسمة في مستقبل الطرفين إذا خسر اليسار مواقعه فيها وخسر قدرته على توظيفها كما فعل طيلة حكم النهضة فانه لن يجد أية وسيلة لتحريك الشارع والتحريض السياسي فهو يسار نخبوي معزول شعبيا وقد فعل الكثير في معركته الانتحارية ضد النهضة ليزيد من عزلته. وهو ما سيتأكد في انتخابات 2014. والدعوة الفاشلة إلى مقاطعة السنة الدراسية ستثبت له انه فعلا معزول حتى في وسط القواعد النقابية المتعلمة وهي التي كانت في قمة التحركات السياسية الوطنية لا المطلبية ولا يزايد على وطنيتها.

النهضة تعود بجسم سياسي سليم ولديها احتمال كبير لتقود البلد واليسار يخسر نقابته فلا يبقى أمامه إلا مناطحة صخرة النهضة فإما أن يكسرها وقد فشل حتى الآن وإن احتفل بإخراجها من الحكومة وصفاها من الإدارة تحت مسمى مراجعة التسميات أو أن ينسحب ليعد لمعركة مختلفة بوسائل مختلفة. في خرافة الوعل والصخرة، الوعل يخسر قرنيه والصخرة تضحك في مكانها الطبيعي.

بعد الانتخابات وانتهاء صلاحية حكم التكنقراط المزيف سيكون على الطرفين أن يتواجها فلا سلام بينهما كلاهما يعمل على استئصال الآخر والمعارك حتى الآن كانت لصالح اليسار النقابي لكن الهجوم الانتحاري بطريقة الماكينة فكك الماكينة ولم يثخن في النهضة. وفي انتظار جلاء غبار تلك المعركة ستؤجل الديمقراطية الاجتماعية وسيكون الفقراء والعمال والذين قدموا أنفسهم فداء للثورة مندهشين من قوة النخب السياسية اليسارية التي تكلمت باسمهم نصف قرن على فرض المعاركة الخاطئة وتأجيل المعركة الاجتماعية الحقيقية. لأن معركة النقابة (اليسار النقابي) مع حزب النهضة ليس فيها منتصر إلا راس المال. الذي سيزيد في صب النار على حطب المعركة من أجل تأجيل المطلب الاجتماعي الحقيقي. لقد ربح رأس المال دائما من الانحراف السياسي للنقابات وها هو في قمة نشوته يرى تخريب القطاع العام لإسقاط النهضة فيما تحمي النقابة شركات القطاع الخاص فلا تضار.

هل ستنجو تونس من هذه المعركة؟ هي معركة حتمية (معركة وجود لا معركة تعايش) وهناك شرط واحد للنجاة منها أن تنهار النقابة من داخلها بالانسحابات لتصير النقابة الأقل تمثيلا في واقع تعددية نقابية. وهو أمر يصطدم بالقيمة الرمزية لنقابة حشاد في نفوس من تربى على عبارة أحبك يا شعب. سيقول الكثير انتهى عصر الحزب ويجب أن ينتهي عصر النقابة الواحدة. وهو أمر حتمي لكن تأجيل ذلك حتى الآن مكلف جدا ... إن ثمنه هو خيانة الثورة وتجيل مطالبها الاجتماعية.    
التعليقات (1)
المرابط
الثلاثاء، 16-09-2014 07:13 م
منذ تم سجن المناضل الحبيب عاشور رحمه الله, سيطرت على الإتحاد شرذمة من اللصوص و الإنتهازيين و شذاذ الآفاق. و النتيجة ان باعو حقوق الكادحين ليتمعشوا هم من الهبات و المحابات في التعيينات في الوظائف, خيث كان هناك نصيب للعصابة الحاكمة في التحاد لأقاربهم للدخول للوظائف بدون مناظرات او امتحانات ولا تعب. هذا هو الواقع الله لا تربحهم