كتاب عربي 21

هل هناك تحول في سياسة أوباما تجاه سوريا؟

علي باكير
1300x600
1300x600
مع اندلاع الثورة السورية، تحوّلت تركيا الى خليّة نحل لكل من يريد ان يستقي المعلومات حول طبيعة ما يجري في دمشق ، ولا ابالغ ان قلت انّ الوفود الغربية  التي تضم دبلوماسيين وعسكريين وباحثين وأكاديميين ومهتمين كانت تزور المنظّمة التي اعمل بها (آنذاك) بشكل شبه يومي خلال السنة الاولى من اندلاع الثورة. 

مع انتهاء تلك المرحلة وعندما اشتد الضغط على ادارة الرئيس اوباما لفعل شيء ما، كانت الردود تأتي بشكل سلبي تحت ذرائع متعددة اطول من ان نسردها هنا، لكنّ خلاصة الموضوع انّ عددا من هؤلاء الذين كانوا يرتبطون بدوائر صنع القرار في الولايات المتّحدة ويأتون تحت مسمى "باحث او محلل" -وهم ليسوا كذلك-  أكّدوا لي حينها أكثر من مرّة ان المشكلة حيال السياسة المتّبعة بشان سوريا إنما تكمن في شخص أوباما نفسه، الأمر الذي  أدى لاحقا الى تململ عدد من المسؤولين حتى من بين اولئك يعملون في ادارة اوباما أنذلك كوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والسفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد الذي قال في مقابلة مع محطة "سي إن إن"، إنه غادر منصبه في مايو الماضي، بعد فشله في الدفاع عن سياسة الولايات المتحدة المتعلقة بالأزمة السورية، والأخطاء الناتجة عن عدم الفهم الحقيقي لجذور الصراع.

اليوم، يعتقد البعض انّ هناك تحوّلا جذريا يجري في الملف السوري مع تدشين أوباما لاستراتيجيته في مواجهة تنظيم الدولة "داعش"  والزوبعة الاعلامية التي رافقته والاجتماع الذي تلى ذلك وعقد في جدّة بين عدد من الدول العربية والولايات المتّحدة بالإضافة الى تركيا والذي يوحي بانّ هناك تحوّلاً كبيرا سيجري في الملف السوري، لا ارى سببا وجيها للتفاؤل في هذا الصدد وأرجو ان أكون مخطئا.

هناك عدّة مؤشرات تدل على انّ ما حصل فيما يتعلّق بالموقف الأمريكي من الملف السوري لا يعدو كونه انعطافة تكتيكية يقوم بها اوباما لما تقتضيه متطلبات المرحلة وأولوياتها المتمثلة في محاربة تنظيم الدولة (داعش)، وليس تحوّلا استراتيجيا لا في رؤيته للحالة السورية ولا في طريقة تعاطيه معها، بدليل ما قالته جين هارمان عضو الكونجرس السابقة التي كانت ضمن مجموعة من خبراء الأمن القومي وحضرت عشاءً مع أوباما في البيت الابيض أقيم يوم الاثنين الماضي، ونصّه: "الرئيس ما زال يعتقد أنه اتخذ القرار السليم قبل عامين عندما رفض اقتراحا من كبار المستشارين بتسليح المعارضة السورية".

إذاً، ما يستجد اليوم بخصوص الموضوع السوري في تصريحات اوباما او استراتيجيته ليس له علاقة باعترافه بخطأ ارتكبه في تقدير الموقف الاستراتيجي او بفشل سياساته وقراراته التي ظل فيها لأكثر من ثلاث سنوات يرفض دعم المعارضة السورية ولا يقدّم سوى التأييد اللفظي وبعض الدعم المالي الرمزي.

وبغض النظر عن هذه الحقيقة، سيظل السؤال الذي يطرح نفسه "وهل هناك تغيير جذري في وجهة نظر اوباما الآن تجاه سوريا"؟. بالعودة الى الاستراتيجية التي كان قد أعلنها يوم الأربعاء الماضي، لم يؤكّد اوباما بانّه سيقوم بقصف مواقع تنظيم الدولة في سوريا، بل قال "لن أتردد في اتخاذ إجراءات ضد تنظيم الدولة في سوريا كما في العراق"، لكن خلال سنوات حكمه الماضية لم يثبت اوباما شيئا بقدر اثباته انه دائم التردد بل والتراجع في كثير من الأحيان، وما موضوع "الخطوط الحمراء" عنّا ببعيد. 

وحتى في حال قام فعلا بقصف مواقع التنظيم داخل سوريا، فهناك الكثير من الاسئلة التي يجب طرحها حول الموضوع، هل سيساعد المعارضة بقصف الامكان التي يتواجد فيها التنظيم بمحاذاة خطوط الاشتباك او التماس مع المعارضة السورية؟ أم انه سيضربه في الأماكن المفتوحة البعيدة؟ وهل سيتفادى القصف المعارضة نفسها؟ او هل سيشمل القصف مواقع مهمّة للأسد؟. لكل حالة من هذه الحالات تفسيرها السياسي ويمكن لها ان تعطينا دلائل على التوجه الامريكي حينها.

لكن وحتى حصول ذلك، فان أكثر ما يقلقني حقا هو الفقرة التي وردت في الاستراتيجية والتي قال فيها: " في الحرب ضد تنظيم الدولة، لا يمكننا الإعتماد على نظام الأسد الذي يرهب شعبه، وهو نظام لن يستعيد أبدا شرعيته التي فقدها. بدلا من ذلك، يجب علينا أن نقوّي المعارضة وذلك كأفضل موازن للمتطرفين مثل تنظيم الدولة بينما نتابع الحل السياسي الضروري لحل الأزمة السورية مرّة واحدة والى الأبد". 

ماذا نفهم من هذه الفقرة؟ هو يشير اولا بشكل غير مباشر الى أنّه لن يتعاون مع الأسد ضد تنظيم الدولة (سنرى لاحقا مدى مصداقية هذا الكلام خاصة ان الجانب الامريكي نفى التعاون مع إيران فيما اكدت عدة مصادر حدوث لقاءات مباشرة)، ويؤكد انّ الاسد فقد شرعيته (لا جديد هنا وهو كلام ممتكرر لم يمنعه من التعاون مع الأسد في مسألة نزع الكيماوي) مع ملاحظة انّه لا يوجد شيء يوحي بانّ واشنطن غيّرت رأيها وأنّه يجب الاطاحة بنظام الأسد. كل ما هنالك انّها تريد تقوية المعارضة السورية بما يمكّنها من استخدامها كأداة لمواجهة داعش ودون منحها القدرة الكافية على اسقاط الاسد واستخدام هذه المعادلة الجديدة فيما تسميه "الحل السياسي" للتفاوض مع الأسد لاحقا على رحيله!

وحتى لو افترضنا جدلا انّ ما جاء اعلاه يدخل ضمن المناورة والتضليل وأنّ الادارة الامريكية فضّلت عدم اعتماد خطاب حاد يوحي بالاستعداد للاطاحة بنظام الاسد كي تتجنب خوض معركتين في آن واحد، وأنّها فضّلت تأجيل معركة الاطاحة بالأسد حتى الانتهاء من تنظيم الدولة أوّلا، فهل من المنطق انّ  ينتظر الأسد او المحور الطائفي الذي يقف خلفه حتى يتم ذلك ويأتي دوره؟ بالطبع لا ، وليس من المستبعد ان يقوم هذا المحور في مرحلة من المراحل في امداد ارهابيين بوسائل تمكّنهم من إيلام المحور الامريكي لاحقا بعد الاطمئنان الى استرجاع السيطرة على الساحة العراقية وتعزيز موقف الأسد وبعد ان تكون واشنطن قد استخدمت السنّة -التائهين بين مطرقة المحور الطائفي الذي تقوده ايران وميليشياتها وبين سندان التنظيمات المتطرفة كتنظيم الدولة- في المعركة ضد داعش.

في المقابل، لا شك أنّ فتح قواعد جديدة لتدريب المعارضين السوريين عسكريا هو تطور إيجابي لكنّه متاخر جدا جدا، ولا نعرف كم يحتاج من الوقت مستقبلا ايضا (على سبيل المثال، امريكا التي تعهدت بمبلغ 50 مليون دولار للمعارضة منذ اشهر لم تصل الى الآن) ناهيك عن أنّه سيكون عديم الجدوى اذا لم يكن ضمن استراتيجية موحّدة يكون هدفها الاول هو الاطاحة بالأسد وليس تشكيل جيش لمواجهة داعش مع اهمال الأسد. 

التجربة الامريكية في تدريب مقاتلين او بناء جيش سيئّة للغاية وعندنا مثال جيش العصابات الطائفية العراقية التي امتلكه المالكي والذي انهار في ساعات في الموصل، والجيش الافغاني الذي تم تدريبه ولكن دون تزويده بالأسلحة والذخائر اللازمة للقيام بمهمته على مدى طويل.

خلاصة القول، لا اعتقد أن هناك تحوّل استراتيجي فيما يتعلق بالموقف من سوريا والنظام السوري على الأقل حتى الآن، وأرجو ان اكون مخطئا حيال هذا الامر، لكن حتى يتغيّر الوضع ونراجع موقف الادارة الامريكية من جديد، من الواضح ان هناك مشكلة أساسيّة -كانت ومازالت- اسمها اوباما.
التعليقات (1)
نيكولاي عون
السبت، 11-10-2014 08:53 ص
المواقف والقرارات الأمريكية بيد نخبة، وعلى الرئيس تنفيذها، لذلك فالاجندة الآن صعبة جدا على رئيس ابيض، ولهذا كان لا بد أن يكون الرئيس عبد أسود لأنه هو الوحيد الذي ينفذ هذه الأجندة. فالرئيس الأسود هو عبد لهذه النخبة، والعبد لا يصلح أن يكون قائدا، فالقيادة لها رجالها، أما الزنوج فهم عبيد النخبة التي تقود امريكا الآن من وراء رئيس أسود. فالتردد الذي تميز به أوباما يدل على أن القرارات ليست بيده وإنما هو عبد لها ومجبر على تنفيذها دون دراية منه. وشكرا وسامحوني إن كان تحليلي تشوبه العنصرية ولكن هذا هو الواقع للأسف.