مقالات مختارة

إيزيدية تتحدث…

محمد كريشان
1300x600
1300x600
كتب محمد كريشان: صفق لها الجمهور الغفير طويلا تعاطفا مع ما كانت ترويه من معاناة مروعة لقومها الإيزيديين في شمال العراق. جاءت فيان دخيل النائبة الإيزيدية الوحيدة في البرلمان العراقي لتطلع هؤلاء ممن حضروا قبل يومين هذه الندوة الدولية في بلجيكا بعنوان «السلام هو المستقبل» على ما يتعرض له أبناء أحد أقدم الديانات في الشرق الأوسط على يد تنظيم «الدولة الإسلامية».

تحدثت هذه السيدة الجميلة في بداية الأربعينيات على كرسي متحرك (بعد سقوط طائرة الهيلوكبتر التي كانت تقلها مع آخرين في الثاني عشر من الشهر الماضي خلال توزيع مواد إغاثية على آلاف المحاصرين الأيزيديين في جبال سنجار) بحرقة واضحة عن عوائل أبيدت بكاملها ومصير خمسة آلاف امرأة وطفل ما زالوا تحت رحمة هذا التنظيم الذي تقول إنه باع مئات الفتيات الأيزيديات في سوق للسبايا بالموصل بمائة وخمسين دولارا للفتاة الواحدة. كل ذلك بعد سقوط ثلاثة آلاف من الضحايا بين قتلى وجرحى فيما أصبح 400 ألف مشردين عن ديارهم. تقول فيان دخيل إن قومها لم يعتدوا على أحد طوال تاريخهم الطويل الممتد لآلاف السنين في حين تعرضوا إلى أكثر من اثنتين وسبعين حملة كان آخرها في عهد الدولة العثمانية.

كان الجمهور غير المتابع بدقة لما يجري في المنطقة العربية مصدوما مما سمعه وبدا غير مصدق أن ممارسات من هذا القبيل يمكن أن تحدث في عالم اليوم. نفس هذا الجمهور صفق طويلا لمن تحدث بعدها ليقول بأن الإسلام بريء مما يرتكبه هذا التنظيم، وأن ما يقترفه من جرائم لا يجوز بحال نسبته للمسلمين المتذمرين أصلا أن يخرج من بينهم من لا يرقب في النساء والأطفال المستضعفين إلا ولا ذمة. هذا الجهد التوضيحي يحتاج إلى تكثيف ومتابعة لأنه ليس مضمونا تماما أن يفرق الناس هنا أو في أصقاع كثيرة من العالم بين الدين الإسلامي السمح وبين ما يرتكب باسمه من جرائم.

قبل ذلك، اشتهرت فيان دخيل بمداخلتها الحماسية وهي تبكي في البرلمان العراقي مطلع الشهر الماضي مناشدة الجميع أن يهبوا لنجدة أبناء دينها من الأكراد مما يتعرضون له والذي اعتبرته امتدادا لما تعرض له من قبلهم السنة والشيعة والمسيحيون والتركمان وغيرهم من أبناء الشعب العراقي.

وفي جلسة خاصة، على هامش هذه الندوة في بلجيكا، تضيف هذه البرلمانية التي فازت في انتخابات 2010 عن محافظة نينوى وفي انتخابات 2014 عن «التحالف الكردستاني» أن الأيزيديين عاشوا لسنوات طويلة في كنف الدولة العراقية الحديثة في أمان، لم يكونوا لا مميزين ولا مستهدفين، عاشوا مع غيرهم من أبناء الوطن قبل أن تكون هناك كل هذه التصنيفات العرقية والدينية والمذهبية التي جلبت الخراب للبلد.

لا تنفي هذه السيدة أن أهالي الموصل استقبلوا تنظيم «الدولة الإسلامية» بحفاوة ورقصوا له وساعدوه نكاية في حكومة المالكي وقواتها التي أذاقتهم من صنوف الذل ألوانا، لكن هؤلاء أدركوا الآن كم كانوا مخطئين لأنهم كانوا كمن استجار من الرمضاء بالنار. وتضيف بأن الأيزيديين في سنجار لم يترددوا، وهم الفقراء المعدمون، في احتضان تركمانا شيعة عندما كانوا مهددين في فترة من الفترات ولكنهم لم يجدوا اليوم أحدا إلى جانبهم. وتروي بغصة كيف وقف بعض أقرب الناس إليهم مع «داعش» ودلوا قواتهم على بعض الناس والأماكن. تقول إنها هؤلاء كانوا من قرى مجاورة وغدروا بهم رغم أن بعضهم يرتبط بهم بعلاقة خاصة حيث يـُـسمى بعضهم بلغتهم «كريف» أي الأخ الذي لم تلده أمك والذي يفترض أنه يذود عنك ويحميك على الدوام. لم تكن فيان دخيل في وارد أن تجزم بأن من فعل ذلك كان تطوعا أم خوفا على نفسه من بطش هؤلاء الذين قدموا ولا يترددون للحظة في قتل أي كان لأتفه الأسباب. وبسبب هذا الغدر، كما تقول، جرت مذبحة في قرية كوجو وخطف الكثيرون خاصة من السيدات اللواتي أخذن «سبايا» إلى الموصل.

قد تكون فيان دخيل قد أفلحت في تحريك بعض الضمائر هنا في هذه الندوة ببلجيكا. وقد يكون هذا بداية تحرك أوسع لها لاستنهاض بعض الأوساط الغربية لكن عليها وعلينا الاعتراف، للأسف الشديد، أن حكومات هذا العالم لم تعد تكترث كثيرا بما يفعله بعضنا ببعضه الآخر.


(القدس العربي)
التعليقات (0)