صحافة دولية

نيويورك تايمز: تراجع للإسلام السياسي وتقدم للجهادي

الانقلاب في مصر أجهض تجربة الاسلاميين المعتدلين الديمقراطية - ارشيفية
الانقلاب في مصر أجهض تجربة الاسلاميين المعتدلين الديمقراطية - ارشيفية

قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن حركات الإسلام السياسي المعتدل التي صعدت بعد الربيع العربي وتولت السلطات في عدد من بلدانه من المغرب، تونس وليبيا ومصر والتي قدمت الأمل والرد الطبيعي على جماعات العنف الجهادي من القاعدة وتلك المرتبطة بها أجهضت اليوم، فيما يتراجع تأثير قادتها على الرأي العام من الرياض للرباط، حيث تعرضوا للضربات من حلفائهم السياسيين والجنرالات الذين تآمروا عليهم مع دول الخليج الغنية بالنفط. 

وتقول الصحيفة إنه "بدلا من ذلك فالجهاديون هم  الذين يزحفون اليوم، ويتحركون بدون أن يوقفهم أحد؛ في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وسيطروا الآن على مناطق تمتد من حدود كل من العراق وسوريا حيث يأملون بإنشاء خلافة إسلامية"، وهم في حالة نشوة بعد أن ثبتت رؤيتهم بأن الحقوق لا تستعاد إلا بالقوة، كما قال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي انشق عن القاعدة بعد الإطاحة بنظام الرئيس المصري محمد مرسي على يد الجيش. 

وقال التنظيم إن على الإسلاميين الاختيار بين "صناديق الذخيرة وصناديق الاقتراع"، وأن "يتفاوضوا في خنادق المعركة لا الفنادق"، حيث وصف انتخاب الإخوان المسلمين بالجماعة "العلمانية في ثوب إسلامي". 

ووجدت الحركات الإسلامية نفسها رهن الحرس القديم وامام تحد من الجهاديين الدوليين، فالمعتدولون الإسلاميون في مصر وليبيا  واليمن وتونس دفعوا للهامش. ويتساءلون عن مكمن الخطأ والأسباب التي قادت إلى هذا الوضع، وكيف يصححون الوضع وكيف يحيون حلمهم في نشر الإسلام والديمقراطية. وفي سوريا يقول التقرير إن المعتدلين العلمانيين تم تهميشهم من قبل المتطرفين في معركتهم للتخلص من نظام بشار الأسد.

ويهاجم الكثير من الإسلاميين بشدة الأصوليون الإسلاميون الذين اعتقد  الإسلاميون المعتدلون أنهم حلفاءهم، ولكنهم قاموا بدعم الانقلاب العسكري كما فعل حزب النور السلفي المحافظ.

 ووجد الإسلاميون في سوريا وليبيا وتونس واليمن أنفسهم أمام نفس المعضلة من الجماعات المتشددة والتي تتبنى العنف، حيث أدت نشاطاتهم لعرقلة مشروع الجماعات الإسلامية المعتدلة.
وتشير الصحيفة إلى أن بعض المعتدلين يقللون من أخطائهم ويؤكدون أن الأمر يتعلق بقوة عدوهم، وليس بسبب قصورهم، أو أنهم يصورون تراجعهم وحتى قتل أكثر من ألف مؤيد للإخوان المسلمين كنوع من المحنة المكتوبة عليهم والامتحان.

ويرى آخرون كما في تونس أن الحركة تتحمل جزءا من المسؤولية. ويقولون إنه لو أرادت حركتهم أن تكون جامعة للآخرين وقادرة على قتال الجهاديين وبناء ديمقراطيات فيجب أن تكون متسامحة مع الجماعات غير- الإسلامية، حتى من شارك منهم في أنظمة شمولية.

 وينقل التقرير عن زعيم حركة النهضة التونسية، الشيخ راشد الغنوشي قوله إن المتطرفين عادة ما حذروا المعتدلين من عدم الثقة بالجيش و "للأسف" كانت "توقعاتهم صحيحة". ويرى الغنوشي أن الحل بالنسبة للإسلاميين ليس القتال بالسلاح، ولكن التمسك أكثر بالتعددية، التسامح وفن التنازل "علاج الديمقراطية الفاشلة لا يكون إلا بديمقراطية أكثر"، " فالديكتاتورية المتدثرة بدثار الدين هي  أسوأ أنواع الديكتاتوريات".

 ويعلق كاتب التقرير أن النهضة تعرضت للضغط وأقنعت للتخلي عن السلطة بعد ردود فعل حول فشلها في مكافحة الجهاديين، واغتيال ناشطين سياسيين. ولكن النهضة تنظر لنفسها كقصة نجاح نادرة بين الإسلاميين ويتوقع أن تحتفظ بغالبية المقاعد في البرلمان في الانتخابات المقبلة لأنها مستعدة للمشاركة في السلطة.

وتقول الصحيفة إن الإسلاميين من عدة دول اجتمعوا في مؤتمر عقده مركز دراسات الشرق الأوسط في عمان، العاصمة الأردنية لبحث  دروس النجاح والفشل، كانت النتيجة التي  خرج بها المؤتمرون حسب مدير المركز جواد الحمد أنه "يجب على الإسلاميين تطوير فكرة الشراكة مع القوى الأخرى".

 وتعلق الصحيفة أن من هم خارج الحركات الإسلامية قد ينظرون للنقاش على أنه بعيد ولا أهمية له حيث تعيش الحركات الإسلامية في أزمة عميقة لم تشهدها منذ إنشاء الإخوان المسلمين في عام 1928. فقد تحولت الجماعة لعباءة خرجت منها حركة الإسلام السياسي في كل أنحاء العالم العربي، وأقامت فروعا لها في كل دول العالم العربي. وخرج منها حركات متشددة بعد أن فقدت الصبر بأسلوب الجماعة التدريجي وحملت السلاح لتحقيق أهدافها  وأهم هؤلاء أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة.
وعندما فاز مرسي بالرئاسة في مصر عام 2012 ظن الكثيرون داخل الحركة الإسلامية حتى نقادها أن فوز الإخوان المسلمين جعل من القاعدة حركة مهملة. 

ثم جاء 3 تموز/ يوليو حيث قام الجيش المصري بتنصيب حكومة جديدة وسجن مرسي، وبرلمانيو الإخوان، وحطم هيكلية الجماعة وسجن أكثر من 16.000 من مؤيديها وقتل أكثر من ألف في الشوارع وهم معتصمون أو يحتجون.

والآن في ليبيا يقوم جنرال آبق بمحاولة استخدام النموذج المصري والقيام بانقلاب معاد للإسلاميين ولكن بدون أن يكون وراءه جيش أو مؤسسة دولة. وفي نفس الوقت سارعت دول مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة لدعم الإنقلاب وحظر جماعة الإخوان المسلمين ودعت الدول العربية الأخرى للقيام بنفس الأمر. 

وفي سوريا نجا الأسد رغم كل التوقعات التي تحدثت عن قرب رحيله، وهذا بسبب صعود المتطرفين الذين واجهوا المعتدلين، وتسود الجماعات المرتبطة بالقاعدة والجهادية الأخرى المعارضة المسلحة لنظام الأسد.

 وتشير الصحيفة للمخاطر التي تعتري النموذج التركي بقيادة رجب طيب أردوغان الذي تقول إنه واجه المتظاهرين وقمع معارضيه.

وأمام التحديات التي تواجه الإسلاميين والأزمة التي حلت بهم يرى فريق منهم أن ما جرى هو نكسات مؤقتة سرعان ما سيتجاوزنها وسيخرجون منها أقوياء. وهو ما جاء في مقال كتبه الإسلامي رشدي بويبري  قال فيه إن "الكفاح لن يزيد الحركة الإسلامية إلا قوة ويعطيها التماسك وفهما لتفاصيل العمل الداخلي".

فالحركة الإسلامية عانت من محن في مصر الخمسينيات وتركيا الثمانينيات وجزائر التسعينيات من القرن الماضي وعليه فالثورة المضادة عام  2013 كشفت عن طيف من القوى التي اتحدت معا من دول الخليج الغنية بالنفط، والقوى الغربية والنخب البيروقراطية المتمرسة من النظام القديم  "الدولة العميقة".

ويرى بعض الرموز المنفية في جماعة الإخوان المسلمين أن القمع هو امتحان من الله، وكما نقلت عن إسلام لطفي، وهو أحد قادة شباب الإخوان فالمحن هي "مهدئات روحية".

ومقابل هذا هناك فريق من الإسلاميين بمن فيهم شبان الإخوان يبحثون عن أجوبة عما فعله قادتهم من أخطاء وما فعلوه وبحسب لطفي "فهم يرفضون العودة ومواجهة ما عاناه قادتهم قبل 50 أو 60 عاما".

 ولو حصل وعاد الإخوان للسلطة، يتساءل هذا الفريق هل على الإخوان التخلي عن مدخلهم التدريجي ويقومون بشكل حاسم بتطهير قوات الأمن وأجهزة القضاء وغيرها؟ وهل يجب أن يبحثوا عن تعاون مع قوى غير إسلامية مثل حركة 6 إبريل.

 وتنقل الصحيفة عن محمد صوان، زعيم الإخوان المسلمين في ليبيا الذي قال إن جماعته يجب أن تبذل جهدا للتعاون مع الجماعات الليبرالية، حيث قال إن المعركة في العالم العربي ليست حول الإسلام والهوية ولكنها عن المباديء الرئيسية للديمقراطية والحرية والحقوق ولا علاقة لها بالمعركة بين الإسلاميين وغير الإسلاميين.

ويأمل الكثيرون أن تقوم تونس ببناء نموذج جديد، فبحسب عماد شاهين، الباحث في العلوم السياسية "أثبت  التونسيون أنه يمكن تقديم تنازلات بدون خسارتك وجودك".

التعليقات (0)