كتاب عربي 21

صفعة الفقير والواقع المرير

سيف الدين عبد الفتاح
1300x600
1300x600
خرجت علينا الصحف بعناوين كبيرة تحتفي بما أسمته "استعادة هيبة الدولة" خاصة بعد تلك الحملات التي قامت بها فيما أسمته "إزالة التعديات والأكشاك والباعة الجائلين" وتعاملت الشرطة في هذا الأمر بكل أنواع الشدة والبطش، وبدا الأمر وكأن استعادة هيبة الدولة لا تتم إلا في ظل عودة الدولة القمعية البوليسية أو الدولة الفاشية العسكرية، وبدا تصريح مساعد وزير الداخلية بإصرار الداخلية على إنهاء ملصق يذكر بالصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام تحت زعم أن هذه الملصقات مسكونة بخطاب طائفي، ومارست الجهات الأمنية نوعا من العنف الشديد في التعامل مع عموم الناس ظنا منها أن ذلك يعيد الهيبة للدولة.

ومن المؤسف حقا أن تظل الجهات الانقلابية الحاكمة في تعاملها مع هذا الشعب بكل تنوعاته بالبطش والقوة في إطار يدخل الجميع إلى صناديق الخوف وبيت الطاعة للتبشير بدولة المعسكر ودولة المسار الأمني من دون أي اعتبار إلى أن هيبة الدولة تنال بفاعليتها وقدراتها على التعامل مع التحديات، وإلا تحولت تلك الحالة الطغيانية الباطشة إلى رصيدها المتراكم فى خيبة الدولة لا تحقيق هيبتها، كل ذلك تمثل في تغول الجهاز الأمني بدعوى القيام بمهمة استثنائية في مواجهة الإرهاب الذي لا يعرف له مضمونا ،فتغول على عموم الناس تارة بمواجهة عنيفة للاحتجاجات والمظاهرات وبتعمد القتل من قناصة الداخلية فضلا عن دفع المواطنين الشرفاء للقيام بأعمال قذرة ودنية في جملة المظاهرات، أو بالتعامل المنفلت مع الأوناس العاديين خاصة حينما تتم بعض المشاحنات في الشارع بين رجل أمن (شرطة او جيش) وبين أناس عاديين، فغالبا ما يواجه هؤلاء مثل هذه الحوادث بالضرب في المليان بالرصاص الحي، وكأن هذه هي اللغة الوحيدة التي يتعاملون بها في إطار صار التسلح لرجل الأمن متاحا ومباحا، لهم فضلا عن خطاب تطميني بأن أحدا لن يمسهم بالعقاب فضلا عن الحساب، وبدت الشرطة في هذا المقام وفي ظل انفلات أمني جنائي تركته وكأنه العقاب لعموم الناس والانتقام منهم بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، فجمعت عليهم تعاملها الباطش وتركهم فريسة لبلطجة الشارع وانفلاته.

وقد كنت أتصفح في هذا المقام البحث الذي أخرجته في كتاب حول تأميم الدولة للدين فكتبت بعض الصفحات حول الفقر والإفقار والفقراء في مصر وتأثير ذلك على منظومة المواطنة حتى وكأن الأحداث التي بدت تنفجر بعد الانقلاب العسكري من انفلات أمني وتغول لتلك السلطات في التعامل المهين المفتقد لاعتبار أي كرامة إنسانية أو أي اعتبار لحقوق المواطنة الحقيقية؛ تراكم هذه الأحداث يجعل من الضروري أن نفكر في إخراج طبعة ثانية من هذا الكتاب بعد الانقلاب للتعرف على جملة المشاهد التي خرجت من دائرة التأميم للسياسة إلى دائرة الاغتصاب لها مع سبق الإصرار والترصد، هذه الأحداث التي وصلت إلى حد القتل بدم بارد على خلافات تافهة بين من ينتمون للمؤسسة الأمنية وعموم هذا الشعب وكأن استسهال جرة السلاح في الانقلاب العسكري صار ديدنا وسلوكا للقيام بجرة السلاح لتصفية حسابات صغيرة في الشوارع وفي الأقسام.

إلا أن الحدث الذي تعلق بالسيدة التي أرادت أن تشكو لمحافظ الجيزة حول التعامل الباطش وخارج إطار القانون ورغم ملكيتها لأوراق ثابتة تتعلق بعدم خروجها على الإجراءات القانونية في هذا المقام إلا أن هذا لم يعجب مدير المباحث الذي عبر عن غضبه بـ "صفع هذه السيدة"، حاول البعض تمرير هذا الحدث فإن كان هؤلاء حينما يقتلون بالرصاص الحي لا يحاسبون فكيف يحاسب على "صفعة فقير"، كانت هذه هي الدلالة الكبرى التي تفسر كيف هو حال الفقير في مصر، وحال التغول للمؤسسات الأمنية، وحال التعامل بالإهانة والمهانة، صفعة الفقير كانت تشير ومن كل طريق إلى واقع مرير لا يتعلق الأمر بالسلطة الانقلابية فحسب ولكن الأمر كذلك يتعلق بضرورة أن يدرك ويفتح الثوار الأحرار "ملف الفقر" وخرائطه في مصر، وأن يكون من اهتمامهم ما يلامس ضروارت المعاش لعموم الناس. 

وفي هذا المقام يجب أن نشير إلى ثلاثة مشاهد تؤسس لنظرة هذه المنظومة الانقلابية للفقر والفقراء؛ المشهد الأول، يتعلق بخطاب "مفيش، معنديش"؛ خطاب المطالبة بالتقشف وشد الحزام، سياسات رفع الأسعار وافتراس الغلاء، مشهد خطير يتلقى فيه الفقير الصفعة تلو الصفعة من انقلاب لا يرحم، وممارسات همجية لا تتوقف ولا تنقطع؛ إنها رؤية المشير للفقير، وطريقة التعامل معه بسياسات لن تهتم به تغفله وتهمله، وسيكون موضع مطالبات لا تحقيق ضرورات وحاجات، يؤكد على ذلك إقرار للتفاوت الطبقي وسلوكيات الاستفزاز ومهرجانات الدراجات لتعبر عن أن عموم الناس وملح الأرض لا يشغلون أي مساحات في عقله إلا بالمطالبة أو المعاقبة.

المشهد الثاني، يتعلق بإصدار قرار لجمع الزكوات من طريق هيئات رسمية ومؤسسات، وهو أمر رأى البعض ممن انخدعوا بذلك من أنه يداعب تدين الناس وما هو كذلك إنها مرة أخرى "دولة الجباية" حينما يعلن بعض هؤلاء ممن دشنوا لهذا المشروع أن الزكوات يمكن أن تجمع أكثر من عشر مليارات من الجنيهات؛ إنها محاولة للاستيلاء على أموال الزكوات، وأقول لعموم الناس لا تعطوا للقتلة أو الفسدة أموال زكواتكم، فإن الزكاة تطهير للمال فما بالك بتدنيس الأيدي بالدماء والقتل والخنق والاعتقال، لا تعطوا الانقلابيين زكواتكم لأنهم يديرون مشروع فساد، الفاسدون يتلقون الزكوات في مشروعهم فماذا أنتم فاعلون؟!، إنها سياسات وضع اليد من الدولة على فاعليات الناس حينما ترتبط بوازعهم الديني وأداء فرضية الزكاة، منذ متى يمكن للمغتصب أن يدير زكاة لمصلحة الناس وسياسات العدل الاجتماعي في هذا الوطن.

المشهد الثالث، مشهد نأتي به من الذاكرة لهذا الطالب الفقير "تلميذي عبد الحميد شتا" قتلته منظومة مبارك المخلوع بدعوى عدم لياقته الاجتماعية، وهاهي ذات المنظومة وقد اشتد افتراسها وزاد طغيانها ونشبت أظافرها في الشعب كفريسة لا يقيمون للناس كرامة أو حماية أو حرية، ذكرني ذلك بصفعة الإهانة التي وجهها هذا الضابط لتلك السيدة التي لم ترد إلا الإعلان عن ممارسة بعض حقها؛ الضابط يفعل ما يشاء، والمحافظ وأمام عينه "يطنش"ما شاء، والمنظومة الانقلابية لا تحرك ساكنا ما دام كان المهان فقيرا، إنها صفعة الفقير والاستهانة في نظرة المشير لكل فقير، فمتى يرد الفقير صفعته، ومتى يعلن غضبته؟.
التعليقات (1)
dody
الثلاثاء، 17-06-2014 09:45 م
سيدي كاتب المقال اشكرك كثيرا علي كل ما قلته و الجواب علي سؤالك بسيط سينتهي كل الظلم عندما يجد المصريون الشخص الناسب الذي يلتفون حوله و هذا لن يحدث في الزمن القريب لان هناك من عملوا منذ عام 1952 علي اظلام كل نور يظهر و يضئ لهذا الشعب طريقه.اعطيك مثالا واحدا عندما ظهر انسان محترم مثل الواء احمد رشدي وزير الداخلية الاسبق ماذا فعلوا به؟و الفشلة و القتلة و الفاسدين هم في الواجهة دائما .

خبر عاجل