كتاب عربي 21

القاعدة التي يرتكز عليها تمرد حفتر

ياسر أبو هلالة
1300x600
1300x600
عندما تؤيد عائشة القذافي اللواء المتمرد خليفة حفتر، فهذا لا يعني أن فلول القذافي هم قاعدته التي يرتكز عليها، بقدر ما أنهم رافد من روافد تغذي تلك القاعدة الواسعة. والرافد الأكبر للنهر هو فشل القوى الثورية، مدنية وعسكرية، في بناء توافق سياسي، يفضي إلى بناء الدولة الغائبة منذ أربعة عقود. وأكثرية الليبيين التي انخرطت في الثورة، وقدمت لها غزير الدماء وعزيز النفوس، تحاسب وتعاقب من فشل، ولا تمتلك ترف الانتظار في ظل تراجع وضعها الأمني والمعيشي.

يصعب الجزم إن كانت القوى الثورية قد تمكنت من إقناع أكثرية الليبيين بالصبر، ومنحها فرصة أخرى؛ هذا ما ستكشفه الانتخابات المقبلة. وليس مهما أن تكون على حق؛ المهم في ظل الإعلام المعادي وحملات التشويه والتشهير، أن تتمكن من إيضاح موقفك للأكثرية. وهذا لا يعني أن المشكلة بـ"الإعلام"، فهي تتعداه إلى الفوضى المنظمة التي رعتها دول إقليمية، مستندة إلى بقايا نظام تمكن من نشر الفوضى على مستوى عالمي.

و"بقايا النظام" ليسوا مسؤولين مشتتين في المنافي وتلاحقهم المحاكم، ولا يحصرهم قانون للعزل السياسي، بل هم قطاع مجتمعي واسع، لم تتمكن الثورة من استيعابه وتطمينه. مفهوم بقايا النظام يضيق ليقتصر على أسرة الدكتاتور وأركان حكمه الذين لم ينشقوا عنه، ويتسع إلى كل الذين خدموا نظامه من محمود جبريل وصولا إلى اللواء حفتر؛ فهو لم ينشق بإرادته الحرة، ولم يواجه، بل شارك في جرائمه في تشاد وهرب خوفا من المحاسبة، ولم يسجل له حضور ثوري خلال عقدين عاش فيهما في قصر في فرجينيا، ثم عاد إلى ليبيا بعد أن قررت أميركا اللحاق بالثورة والانخراط في الجهد الدولي الذي ساند تلك الثورة.

مهما قيل في هجاء بقايا النظام، فهم بالنسبة لمناطقهم قادة يمثلونها أو يطمحون أن يمثلوها. وفي ظل غياب المؤسسات الحديثة، من السهل أن يركب هؤلاء على سكة الانقسام السياسي. والانقسام ليس بين أقلية مغلوبة وأكثرية غالبة، بل بين قوى متوازنة عسكريا وعدديا. وما يطفف الوزنة السياسية، هو الوضع الدولي والإقليمي المعادي للديمقراطية.

بالنتيجة، فإنه في حال غياب صفقة سياسية كبرى قائمة على التنازلات المتبادلة وتحقيق وفاق وطني، سيكون الخيار حربا أهلية وتقسيما بشر بهما سيف الإسلام القذافي في خطابه الشهير أثناء الثورة. لكن تلك الصفقة لا تعني على المستوى الأخلاقي المساواة بين بقايا النظام والثوار. وهذا المستوى الأخلاقي يتحقق بعدالة تاريخية كالتي حصلت في جنوب أفريقيا، وليس في جولة انتخابات أو توزيع مناصب.

هنا يمكن القول: من هو حفتر حتى يعلن الحرب على الثوار، وخصوصا الإسلاميين؟ هو شريك للقذافي في الانقلاب على الدستور والنظام الملكي، وشريك في جرائمه في تشاد سواء بحق التشاديين أو الليبيين الذين ساقهم للموت العبثي. وعندما كان حفتر يؤدي التحية للقذافي، كان دكتور من الإخوان خريج أكسفورد، هو عمر النامي، يواجه الإعدام بشجاعة، مجسدا قصيدته "أماه لا تجزعي فالحافظ الله/ إنا سلكنا طريقا قد خبرناه". وعندما كان يتنعم بقصره في فرجينيا، كان الشباب السلفي يتلقى رصاص الأمن بصدور عارية إلا من الإيمان، في سجن أبو سليم. وهؤلاء لو كانوا كسلفيي حزب النور، لعدوا معتدلين.

لكن، ليس كل الثوار إسلاميين. لقد واجه القذافي يساريون وليبراليون وعشائريون ووطنيون، لكن إنكار ثورية الإسلاميين "اعتداء على الذاكرة"، على قول علي العريض رئيس الوزراء التونسي السابق، تماما كما أن إسباغ الثورية على بقايا النظام هو عدوان أكبر.
التعليقات (0)