مقابلات

فتح الله أرسلان لـ"عربي21": النظام يمسك بكل الخيوط

 فتح الله أرسلان نائب الأمين العام لجماعة العدل والإحسان المغربية - "عربي21"
فتح الله أرسلان نائب الأمين العام لجماعة العدل والإحسان المغربية - "عربي21"
قال فتح الله أرسلان، نائب الأمين العام لجماعة العدل والإحسان المغربية، في مقابلة مع صحيفة "عربي21": "إن النظام المغربي عاد من جديد لكي يمسك بكل الخيوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية، بعد ما اعتبره انحناءة للربيع العربي". 

واعتبر أرسلان، وهو الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، أن النظام بالمغرب "لم يطرأ عليه أي تغيير، حيث ما تزال سياسة قمع الحريات والتضييق على المعارضين مستمرة".
 
وأجاب أرسلان عند سؤاله عن أسباب عدم مشاركة جماعته المباشرة في السياسة أو العمل على إسقاط نظام يعتبرونه فاسدا: "نحن مشاركون حاضرون وفاعلون مؤثرون في المشهد السياسي، بحكم وجودنا البارز  في المجتمع، وتأثيرنا الواضح في القرار السياسي". 

وتمنى أرسلان بالمقابلة ذاتها أن تجد الأصوات المنادية بإحداث جبهة مناهضة للفساد والاستبداد بالمغرب طريقها للوجود، وأن  تضم كل الكفاءات وكل الغيورين داخل البلد "للعمل على تجاوز هذا الوضع المتردي الذي يعيشه المغرب".

 وعن واقع العلاقة بين مكونات الحركة الإسلامية بالمغرب، أكد المتحدث باسم الجماعة التي أسسها المرحوم الشيخ عبد السلام ياسين، أن "الكل يعترف بأن هناك اختلافا في التصورات، وفي المواقف وفي التعاطي مع الشأن السياسي بالخصوص ، لكن هناك احترام الرأي الآخر وتقدير الرأي الآخر". 



وفي ما يأتي نص الحوار:

ما هي قراءتكم في جماعة العدل والإحسان للمشهد السياسي العام بالمغرب؟
 
أعتقد أن المرء لا يحتاج إلى كثير عناء لكي يشخص المشهد السياسي في المغرب، فهناك فاعل أساسي هو الملك، والمربع الملكي هو الذي يتحكم في كل الأمور. فبعد انحناءة الربيع العربي  عاد النظام من جديد لكي يمسك بكل الخيوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية،  هناك احتكار لكل هذه السلطات بما فيها الاقتصاد والمال، وهذا انعكس بالطبع على الحكومة التي لم يعد لها هامش للتحرك وأصبح الوزراء في الحكومة لا يظهرون إلا في مآسي الشعب وفي القرارات اللاشعبية، وأصبحت تمسح في الحكومة كل السلبيات التي يعيشها المغرب.

أما البرلمان فنحن رأينا خصوصا كيف تأجلت الجلسة الأخيرة، فهناك تأزم داخل البرلمان بين المعارضة المنقسمة على نفسها وبين الأغلبية المرتبكة. داخل الأحزاب رأينا، و لا أتحدث عن كل الأحزاب ولكن الأحزاب التي كانت تعتبر من الأحزاب الرئيسية والتي كان لها فعل داخل الساحة، الآن هذه الأحزاب أصبحت تعرف مشاكل وتصدعات داخلية، وأصبحنا نسمع التنابز بالألقاب، وأصبح المستوى العام للخطاب السياسي متدنيا جدا.

كل هذا انعكس بالطبع على الشعب المغربي الذي ما فتئ يحتج في كل يوم هنا وهناك، رافضا لهذه السياسة وتداعياتها على قوته اليومي وعلى حريته في التحرك وفي التجمع وفي الاحتجاج.

وسط  هذا الزحام من هذه الأمور  نلاحظ في الضفة الأخرى أن أصواتا تتعالى هنا وهناك من مختلف الاتجاهات السياسية التي تحاول أن تضع لبنة في بناء وحدة أو جبهة لمقاومة هذا الفساد والاستبداد، نتمنى أن تجد هذه المبادرات طريقها للوجود، ونتمنى كذلك أن تلتف كل الكفاءات ويلتف كل الغيورين داخل هذا البلد للعمل على تجاوز هذا الوضع المتردي الذي يعيشه المغرب.
 
هل من تغير رصدتموه في سلوك الدولة تجاه الجماعة منذ وفاة الشيخ عبد السلام ياسين؟

 إذا كان الإمام عبد السلام ياسين قد توفي رحمه الله تعالى عليه رحمة واسعة، فإن فكرته ومشروعه ما زالا حيين، وما زال تلامذته يحملون مشعله بقوة وأمانة. كما أن النظام لم يطرأ عليه أي تغيير حيث ما تزال سياسة قمع الحريات والتضييق على المعارضين مستمرة، و لذلك لم نرصد أي تغيير في تعامله تجاهنا بعد وفاة الأستاذ المرشد الله، ويكفي ما يتعرض له الأستاذ محمد عبادي الأمين العام لجماعة العدل والإحسان من مضايقات وملاحقات في حله وترحاله، ومن تشميع لبيته واستمرار متابعته بعدد من الملفات أمام المحاكم، واستمرار اعتقال عضو الجماعة الأخ عمر محب بعشر سنوات سجنا ومنع كل الجمعيات التي لها صلة ما بالجماعة أو ينشط فيها ولو عضو واحد من العدل والإحسان، إضافة إلى التضييق على تجمعاتنا وحرماننا من الفضاءات العمومية، هذا يكفي في معرفة أنه لا شيء تغير في سلوك السلطة اتجاهنا.
 
هل من تغير في موقف الجماعة تجاه النظام  بالمغرب؟

الجماعة تدعو إلى نظام عادل، يضمن الكرامة والعدالة الاجتماعية للمغاربة، وينبني على أسس التداول وفصل السلطات وربط المسؤولية بالمحاسبة وغيرها من أسس دولة الحق والقانون كما هي متعارف عليها. والنظام المغربي القائم لا تتوفر فيه أي من هذه الشروط، حتى في مستوياتها الدنيا، فإن تغيير موقفنا منه يعني أننا غيرنا موقفنا من هذه القيم ومن باقي المبادئ التي تؤطر مشروعنا التغييري بأبعاده السياسية والدعوية والتربوية والاجتماعية، وقبلنا بغيرها.  
 
هل ترون أن الرسالتين اللتين بعث بهما مؤسس الجماعة الشيخ عبد السلام ياسين -رحمه الله- على التوالي إلى الراحل الحسن الثاني -رحمه الله- وإلى وريث عرشه محمد السادس، هل لقيتا أي استجابة بأي شكل من الأشكال؟

للأسف أن الرسالتين لم تجدا إلا آذانا صماء، وتجاهلا كاملا. ومع ذلك فإنهما أقامتا الحجة على المعنيين، وأثبت الزمن مدى عمق النظرة الاستراتيجية لصاحبهما.
 
ما ردكم على من يتهمونكم باتخاذ موقع المتفرج على من يعمل ويقرر في الحياة السياسية بالمغرب، بالنظر لعدم مشاركتكم المباشرة في الحياة السياسية ولا قيامكم بثورة تضع حدا لنظام تعتبرونه فاسدا؟
 
الانخراط في العمل السياسي من خلال المؤسسات القائمة ليس هو المعيار الوحيد للمشاركة السياسية أو عدمها. المشاركة السياسية تقاس بمدى التأثير في المشهد السياسي وفي الفاعلين فيه، وإلا فهناك عدد ممن يشارك في اللعبة الرسمية ولا تأثير له فيها، كما أن البعض لا تزيد مشاركته في المشهد المتحكم فيه إلا إقرارا وتثبيتا وتزكية للاستبداد والفساد. ومن هذا المنطلق، نحن مشاركون حاضرون وفاعلون مؤثرون في المشهد السياسي بحكم وجودنا البارز في المجتمع وتأثيرنا الواضح في القرار السياسي.

 ولهذا السبب، فنحن أبعد ما نكون عن أن نكون متفرجين على ما يجري. ولو كنا متفرجين لما كنا عرضة، ومنذ أمد بعيد، للمحاكمات الظالمة ولتشميع بيوتنا ونسف أنشطتنا وإغلاق جمعياتنا وحصر حركتنا. ولو كنا مجرد متفرجين لما أسفر الحراك، الذي كنا طرفا أساسيا فيه، عن اضطرار النظام لتلك الانحناءة والإقدام على عدد من الإجراءات التي يعتبرها البعض هامة وإن كنا نحن نعتبرها غير كافية وغير جدية، وهذا ما أكدته الأيام التالية حيث عادت الأمور إلى سابق عهدها بل أكثر قوة لمظاهر الاستبداد والفساد. 

وكل هذا يؤكد أن الرهان على الهوامش الضيقة التي يفتحها النظام من خلال مؤسسات متحكم فيها ومفصلة على المقاس وعلى الترقيع هو رهان خاسر وثبت عدم جدواه طيلة الستة عقود الماضية، وبالمقابل فإن شروط التغيير المجتمعي العميق تزداد نضجا وتفرض نفسها يوما بعد يوم. 

على عكس بعض الصراعات المحتدمة بين مكونات الحركة الإسلامية كالحالة الجزائرية والتركية مثلا، يلاحظ المتتبع خفوت هذا الصراع بالتجربة المغربية إلى درجة الصفر أحيانا.. إلى ماذا يرجع هذا الواقع الذي عليه الحركة الإسلامية بالمغرب اليوم من وجهة نظركم؟
 
أجل. الحركة الإسلامية في المغرب في الفترة الراهنة لا تعرف تلك الصراعات التي تعرفها الحركات الإسلامية في البلدان الأخرى، وهذا نحمد الله عليه ونتمنى أن يستمر وأن يدوم خصوصا وأن الحركة الإسلامية بالمغرب مرت كذلك قديما بهذا المرض (مرض الصراع). الآن أعتقد بأن هناك نضجا على مستوى هذه الحركة. الكل يعترف بأن هناك اختلافا في التصورات وفي المواقف وفي التعاطي مع الشأن السياسي بالخصوص. لكنْ هناك احترام الرأي الآخر وتقدير الرأي الآخر. بالطبع هناك انتقاد من هذا الطرف أو الطرف الآخر  لكن يبقى الاحترام  والتقدير المتبادل هو السائد.   

وهذا الأمر إيجابي و إيجابي جدا ونتمنى أن يستمر وأن يدوم، لأنه لا خير في التصادم والصراع والتنابز بالألقاب. فهذا لن يكون لا في مصلحة الحركة الإسلامية ولا في مصلحة الشعب المغربي ولا في صالح الأمة بصفة عامة. 
 
أمام فضاءات المعلومة المفتوحة بالمغرب وتعدد الوسائط والناقلين، ألا تتخوفون من الإشاعة والمعلومة المغلوطة وما يمكن أن تتسبب فيه من سوء فهم وتوتر؟ وهل الجسم الإسلامي في نظركم محصن من الوقوع في مثل هذه الفخاخ؟

وارد جدا أن يتم تناقل المعلومة الخاطئة عن قصد أو عن غير قصد، وإن كان من تدبير لتحصين الجسم الإسلامي من أي سوء فهم أو توتر، فهو تعميق وترسيخ وتطوير آليات التواصل المستمر والمباشر، وهو الذي يمكن من تجاوز الوسائط ويساهم في تفادي المطبات التي قد يسببها هذا المنقول أو ذاك. وهذا طبعا لا يعفي المتلقي لما يروج عنا من مسؤولية وواجب التحري والتثبت ومعرفة الجماعة عن قرب ومباشرة من غير وسائط.
 
ما هي الأولويات أو التوجهات الأساسية التي ترى فيها الجماعة اليوم عناصر أساسية في برنامجها الدعوي والسياسي؟

برنامجنا الدعوي ماض في ترسيخ معاني التربية والتزكية والإقبال على الله تعالى، توبة وسلوكا إلى الله، ونشر ذلك بين الناس بإحياء سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في النفوس والممارسات. كان برنامجنا وسيبقى دائما التربية أولا والتربية وسطا والتربية آخرا. أما على المستوى السياسي فأولويتنا دعم الحوار المجتمعي وتوفير شروط العمل المشترك وتجميع كلمة الغيورين على هذه البلاد من مختلف الأطياف، ثم نشر الوعي وتوجيه النقاش السياسي إلى مكمن الداء حتى نحسن التشخيص لأنه مدخل أساس لأي تغيير.
التعليقات (0)