كتاب عربي 21

ديانة الانتخابات العربية .. وأوهام الديمقراطية

حسن أبو هنية
1300x600
1300x600
مع دخول العالم العربي العربي بداية 2011 حقبة الثورات والانتفاضات والاحتجاجات بدءا بتونس ومرورا باليمن ومصر وليبيا وانتهاء بسوريا باتت الانتخابات ديانة الشك والريبة بامتياز عربيا، وأصبح السؤال الجوهري المتداول عن مدى صلاحية اعتبار الانتخابات الشعبية معيارا كافيا للالتزام بالديمقراطية ضروريا، فعقب ربيع عربي قصير تحول إلى شتاء بارد مظلم بفعل الثورة المضادة عن طريق الانقلابات والعسكرة تحولت الانتخابات إلى ديانة سلطوية مطلوبة لذاتها.

يبدو أن عام 2014 هو عام الانتخابات في العالم العربي، إذ تشهد كل من الجزائر ومصر والعراق وسوريا ولبنان وتونس واليمن وربما فلسطين انتخابات رئاسية أوبرلمانية أومحلية، ولا يخفى على أحد أن نتائج الانتخابات باتت معروفة سلفا في العالم العربي، فقد تحولت الوسيلة في زمن الدين الانتخابي إلى غاية لذاتها، وأصبحت طقسا احتفاليا لإعادة انتاج السلطوية دون تحقيق مقاصدها المنشودة بترسيخ الديمقراطية.

في الجزائر الرئيس الأوحد القادم من غرف العناية الطبية المركزة عبد العزيز بوتفليقة بانتظار التتويج بالفوز بولاية رابعة في منافسة عبثية حيث قوى الدولة الأمنية العسكرية تستثمر طاقاتها البيرقراطية وأجهزتها الدعائية في تصويره كضامن للاستقرار والتنمية والنهضة، وعلى الرغم من السنوات العجاف التي خلت من أي انجازات حقيقية على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فإن الاحتفاء بالإنجاز الأمني في دولة الجنرالات تحول إلى سيف مصلت على رقاب الجزائريين لضمان مأسسة الفساد والاستبداد.

أما مصر فهي على أبواب انتخابات رئاسية بانتظار المخلص القادم من رحم المؤسسة العسكرية المشير عبد الفتاح السيسي، وهو رمز "الثورة المضادة"، وقائد الانقلاب العسكري على ثورة 25 يناير 2011 والذي جمع الفرقاء الخاسرين محليا وإقليميا ودوليا  لصناعة "ثورة" ملونة تستند إلى دكتاتورية  الحشود المسندة من قبل أجهزة الدولة القمعية والإيديولوجية لترميم الدولة العسكرية الأمنية وإعادة انتاج السلطوية عبر انقلاب 3 يوليو 2013 تحت ذريعة إنقاذ الثورة والديمقراطية التي استولت عليها "الفاشية" الإسلامية، ولسنا بحاجة لانتظار إعلان نتائج الانتخابات فهي مضمونة للسيسي، فأجهزة الدولة باتت رهن إشارته وتحت إمرته وباقي العملية الانتخابية لا تمثل سوى اكسسوارات في ديانة الانتخابات العربية.

وفي العراق تقوم الانتخابات وفق عملية سياسية فاسدة يتحكم فيها رئيس الوزراء المالكي، وهي عملية وضع أسسها الاحتلال الأمريكي عام 2003، فسياسات الهوية هي الركن الأهم من العملية السياسية، والانقسام الهوياتي الإثني بين العرب والكرد والطائفي بين السنة والشيعة تتحكم في مسارات الدولة التي بات فيها المكون العربي السني مهمشا ومهملا ومعزولا ويعامل كأقلية، إذ لم تجلب محاولات العرب السنة الانخراط في العملية السياسية سوى مزيد من التهميش والشعور بالظلم والتمييز، فقد استخدم المالكي كافة الوسائل الممكنة المغلفة بالقانون والشرعية لاستبعاد خصومه السياسيين، وفي ترسيخ سلطته الفردية من خلال توليه كافة الملفات الحيوية في الدولة، فهو بالإضافة لتوليه منصب رئاسة الوزراء يتولى المسؤولية عن وزارة الدفاع والداخلية والأمن الوطني، ويتحكم بتفسير وتأويل وتطبيق جملة من القوانين المفصلة على مقاسه بدءا بقانون الإرهاب الذي بات سيفا مصلتا يستخدمه للتخلص من معارضيه  وخصومه السياسيين، وتدعيم سلطته الدكتاتورية، وانتهاء بقانون المساءلة والعدالة الذي حل مكان قانون اجتثاث البعث، وبهذا فإن نتائج الانتخابات بانتظار فائز وحيد هو المالكي، الذي يسخر آلة الدولة للتحكم في نتائج العملية الانتخابية، وهو قادر على التلاعب في مخرجاتها الشكلية.
لا جدال بأن الانتخابات في العالم العربي باتت ديانة مطلوبة لذاتها لأسباغ شرعية شكلانية من أجل ستر عورات الأنظمة السلطوية دون تغيير جوهري يفضي إلى تحقيق الديمقراطية تحت شعارات الإصلاح والانفتاح، فقد أدركت الأنظمة السلطوية العربية ضرورة إدخال تحسينات شكلية باستخدام الآليات الديمقراطية وفي مقدمتها إجراء الانتخابات وإنشاء البرلمانات والسماح بتأسيس أحزاب للمعارضة، ومنح هوامش من الحرية، كل ذلك في إطار الدولة السلطوية التي تتحكم في المدخلات والمخرجات.

ديانة الانتخابات العربية لا تمت إلى الديمقراطية الراسخة بصلة، فمن البداهات الأولية للحداثة السياسية أن الانتخابات ليست سوى أحد مفردات النظام الديمقراطي، وهي آلية عملية تسعى إلى تتويج مسارات مركبة تطال بنية النظام السياسي وأسسه الشرعية، وتعمل في سياق كلي يقوم على تثبيت قواعد الحرية في الاختيار أمام المواطنين دون إكراهات مادية ورمزية، وتلتزم بمبدأ التداول السلمي للسلطة وعدم احتكارها بطرائق علنية أو خفية، وتسمح بقيام أحزاب سياسية تشارك بحرية في إدارة وتدبير الشأن العام بفعالية تداولية، وتوفر قوانين انتخابية عادلة تضمن سلامة إدارة العملية الانتخابية وشفافيتها وخلوها من عمليات الغش والتزوير، وأخيرا وجود سلطة قضائية مستقلة تمنع استغلال السلطة والنفوذ، فضلا عن وجود إعلام مستقل يراقب الانتهاكات ويفضح التجاوزات. 

لا شك بأن العالم العربي لا يزال يتعامل مع الآليات الديمقراطية وفي مقدمتها الانتخابات كما تعاملت الأنظمة الشمولية كالنازية والفاشية، بل إنها تجاوزت الإيديولوجيات الوضعية الشمولية باستدخالها الآليات الديمقراطية الانتخابية كديانات سماوية، ولذلك فإن المواطن العربي رغم مشاركة بعضه في طقوس العملية الانتخابية لا يؤمن بمصداقيتها ونزاهتها ويعتبر نتائجها النهائية محسومة منذ بدايتها.
التعليقات (0)