ملفات وتقارير

BDS لـ"عربي21": الغزيّون يحاصرون الحصار وليس العكس

مشهد لحملات المطالبة بمقاطعة "إسرائيل" - أرشيفية
مشهد لحملات المطالبة بمقاطعة "إسرائيل" - أرشيفية
يَعتَبر الفلسطيني زيد الشعيبي، مسؤول التواصل والتشبيك في "الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة اختصارا بـ (BDS)، أن حركة المقاطعة اليوم، وباعتراف العدو الصهيوني نفسه، تعد من أكثر الطرق التي تؤثر فعليا على الاحتلال الإسرائيلي، عازيا ذلك للالتفاف الشعبي والدولي والمدني الذي يؤثر ويضغط على جيوب المحتلين في مناطق مختلفة في العالم.

الشعيبي قدم لـ "عربي21" في حوار، أكثر من دليل ومعطى على تكبيد حركة مقاطعة إسرائيل العالمية خسائر فادحة وبمليارات الدولارات للكيان الإسرائيلي المحتل وللشركات العالمية المرتبطة به ومنها شركتا "فيوليا" و"G4S" اللتان تستثمران في المغرب كذلك. وأبرز المناضل الفلسطيني في هذا الصدد قوة سلاح مقاطعة إسرائيل وعدم التطبيع معها ردا على المهونين من ذلك، كما اعتبر أن عدم التطبيع مع المحتل الإسرائيلي هو جبهة أولى في حماية فلسطين والمجتمعات العربية ككل.

وفي ما يأتي نص الحوار:

هناك من يقلل من قيمة حملة المقاطعة العالمية التي تنخرطون فيها في حركة  (BDS)، وفي حجم الأضرار الفعلية التي قد تلحقها بإسرائيل، ما ردك على التهوين الذي يتم في هذا الصدد؟

إن الحركة العالمية (BDS) منتشرة اليوم في جميع أنحاء العالم، ومن مؤشرات قوتها ما اضطر إليه المجلس الوزاري المصغر لسلطات الاحتلال من اجتماع وإقرار ميزانية بأكثر من 30 مليون دولار، ويكون حاضرا باللقاء قواد الموساد وجهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك"، بهدف ملاحقة نشطاء الحملة العالمية للمقاطعة، أضف إلى ذلك أن يتم ذكر حركة المقاطعة(BDS) 18  مرة في خطاب رئيس وزراء الكيان المحتل "النتن ياهو" في أمريكا في "الأيباك" (لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية)، وهذا كله يؤكد أن الحركة مؤثرة وضاغطة في محاصرة الكيان الصهيوني وليست حركة عابرة.

فالحركة لها تأثير واسع، ومن مؤشراته كذلك أنها كبدت إسرائيل وشركات دولية تابعة لها خسائر بملايير الدولارات، منها شركات "فيوليا" التي تستثمر في المغرب أيضا والتي كبدت خسارة تقارب 20 مليار دولار من العقود حول العالم، وشركة دولية أخرى مثل "G4S" التي تكبدت خسائر مالية هائلة بخسرانها لعدد من العقود بكل من النرويج وبريطانيا وفي دولة جنوب إفريقيا، وهذا كله يؤكد أنها حركة مؤثرة وذلك باعتراف العدو الصهيوني نفسه. هي اليوم من أكثر الطرق التي تؤثر فعليا على الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بسبب الالتفاف الشعبي والدولي والمدني الذي يؤثر ويضغط على جيوب المحتلين في مناطق مختلفة بالعالم.

هل من أرقام أخرى تحدث عن نفسها في موضوع الخسائر المالية التي تسببها (BDS) للكيان الإسرائيلي المحتل؟

صدرت منذ فترة وجيزة معطيات تقول إن ما مجموعه 100 مليون شيك بقيمة تقارب 30 مليون دولار، هو حجم الخسائر التي تكبدتها المستعمرات الإسرائيلية في غور الأردن خلال سنة 2013/ 2014، مع العلم أن الكيان الإسرائيلي يجتهد دائما في إخفاء الخسائر وفداحتها، لكننا نحن نعلم أن هناك خسائر كبيرة تلحق بالعديد من شركاتهم ومؤسساتهم، ولا ينبغي أن ننسى بهذا الصدد ما حدث للبنوك الإسرائيلية عام 2014، حيث قامت صناديق استثمار ومستثمرون بسحب اعتماداتهم المالية، ومنها ما قام به أكبر صندوق استثمار هولاندي المعروف بـ (PGGM) ، حيث قام بسحب استثماراته بملايين الدولارات من خمس بنوك للمحتل الإسرائيلي، وهو نفس الأمر الذي قام به بنك (دانسكي) الدينماركي الذي سحب استثماراته بملايين الدولارات من بنك "هوف آليم" الإسرائيلي، ما يعني أن ثمة خسائر اقتصادية فادحة تؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي بفعل الحركة العالمية للمقاطعة، وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. ونحن نعلم جيدا هذه الخطورة وإن كانوا لا يعلنون عنها أو يهوّنون من مخاطرها.

ذكرت أنك اطلعت على مقترح قانون تجريم التطبيع الذي قدم للبرلمان المغربي من طرف المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، كيف تلقيتم خبره أنتم في فلسطين، وما تعليقكم عليه؟

نحن نطالب بأن يتجاوز الأمر موضوع التشريعات القانونية إلى تطبيقها فعليا على أرض الواقع، وقد تلقينا بفرحة كبيرة تقديم مقترح قانون لتجريم التطبيع مع إسرائيل بالمغرب، وهذا يعني بحمد الله أن ما زال بالوطن العربي والإسلامي وبالعالم مناضلون من أجل القضية الفلسطينية ومناهضة التطبيع، بل يضعونها على رأس أولوياتهم، وأن تحدث مثل هذه المبادرة بالمغرب فذلك فخر لنا، ولذلك فنحن نجدد مطالبتنا ومناشدتنا للمغرب بمختلف فاعليه وقواه بأن يتم الإسراع في إقرار هذا القانون وتفعيله على أرض الواقع، لأن القانون مهم جدا، وسيكون مدخلا لمصلحة كبيرة للشعب المغربي وللقضية الفلسطينية أيضا، فهو مصلحة مشتركة للبلدين وليس لفلسطين فقط، بل إن المجتمع المغربي أيضا ينبغي حمايته، لأن التطبيع بشكل أو بآخر هو احتلال للعقول واحتلال للثقافة واحتلال للمجتمع بأدوات مختلفة.

في موضوع التطبيع ومناهضة المطبعين وفضحهم، هناك من يقلل من أهميته مرة أخرى بدعوى أن "إسرائيل" اليوم كيان قائم، وأنها أمر واقع ولها علاقات متشعبة مع دول العالم المختلفة،  كيف تعلق على هذه الدعاوى؟
                  
  
الحق والعدالة والحقوق لا يجب أن تجتزأ، فلا ينبغي أن يكون هناك ظلم يقع على شعب بأكمله من طرف دولة احتلال و"أبرتهايد" وعنصرية واستعمار، ثم نعاملها معاملة عادية وطبيعية، وهذا أمر لا يجب أن يكون بالمرة ولا أن يبقى الأمر على حاله. نحن واعون بوجود الاحتلال لكن نحن مؤمنون بأننا سنتحرر منه، فلا يعقل أن تكون إحدى أدوات صمود الاحتلال وبقاؤه –للأسف- هو التطبيع معه، وبالتالي فكل من يقوم بتغذية التطبيع فهو يغذي الاحتلال ودولته الغاصبة، والتي بقاؤها متوقف على مدى تقبل العالم لها، خاصة من هذا العالم المجتمعات العربية والإسلامية، فالتطبيع هو بمثابة الوقود لبقاء الاحتلال واستمرار عنصرية الاستعمار الصهيوني، فإذا نحن قطعنا هذا الوقود فإن هذا الاحتلال سيكون مصيره هو الانهيار، ولذلك لا ينبغي معاملة الاحتلال بأنه أمر واقع سيبقى أبد الدهر، فلا شيء سيبقى على حاله إن شاء الله، ونحن متأكدون من هذا الكلام. مناهضة التطبيع بالنسبة لنا هي جبهة أولى في حماية فلسطين والمجتمعات العربية جمعاء من الاحتلال ومختلف آلياته. والتطبيع هو أخطر من آليات الاحتلال المباشرة، لأنه من أدوات الاحتلال الخفية.

كيف تنظرون في الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل لمسلسل السلام الذي تحرك من جديد اليوم من خلال المفاوضات بين سلطة رام الله وإسرائيل بوساطة أمريكية، بالنظر لواقع الاحتلال وتوسع المستوطنات؟

مرت 20 سنة على توقيع اتفاقية "أوسلو"، ومختلف المبادرات التي أعقبتها تؤكد أن الأمور تتجه في منحى تنازلي يضر بمسار ومصلحة فلسطين والقضية الفلسطينية. أما عن عمليات السلام بين قوسين، فنحن في فلسطين لدينا مثل شعبي يقول: "اللي بيجرب لمجرب بيكون عقلو مخرب"، بمعنى أن الذي يجرب ويستثمر في أمر تم تجريبه وطبعه الفشل فلا شك أن عقله به خلل ما. ونحن نقول إنه بعد 20 سنة سقط خيار السلام وعمليات التسوية السلمية لسبب بسيط، وهو أنه لا يمكن مع كيان عنصري استعماري موجود على الأرض ومستمر في ارتكاب بشاعاته وأموره الفظيعة، بل يصعد من وتيرة ذلك أن يتم معه أي سلام. ولذلك فإن ما يسمى اليوم بخيار التفاوض يضرب في العمق المقاومة الفلسطينية بما فيها حركة المقاطعة بشكل كبير، لأن العملية تقدم ورقة التوت للإسرائيليين وهم يقولونا لنا إن السلطة الفلسطينية تجلس معنا فلماذا تريدونا مقاطعتنا؟ وبالتالي، فموضوع السلام هذا ينبغي أن يسقط من البرنامج الرسمي الفلسطيني، ونحن ضد أن يكون هناك إعادة للكرة مع العدو الإسرائيلي نفسه بعدما فشلت معه نفس المحاولات لمرات عديدة. ونؤكد أن المطلوب هو المقاومة والضغط بكل الوسائل الممكنة منها سلاح المقاطعة، لأنها مجدية وتحاصر وتعزل دولة الاحتلال فعليا من شتى الأنحاء.

كيف تقدم لقراء "عربي21" والرأي العام "الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها" المعروفة اختصارا بـ (BDS)؟

أثبتت الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة بـ (Boycott Divestment and Sanction) أو اختصارا بـ (BDS) خلال تسع سنوات قصيرة حافلة بالانتصارات، أنها الطريقة الأكثر فعالية للتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، حيث نجحت في إحداث نقلة نوعية في مناصرة شعوب العالم لشعبنا، من أشكال تضامن رمزية إلى مبادرات فعالة لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف ولإجبارها على الالتزام بالقانون الدولي. لقد أدت تسع سنوات من حملة المقاطعة العالمية إلى بداية عزل إسرائيل في شتى المجالات الحيوية حتى أصبحت إسرائيل تعتبر حملة المقاطعة "خطرا استراتيجيا".

وانطلقت حركة (BDS) العالمية استجابة لنداء المجتمع المدني الفلسطيني الصادر عام 2005 الذي ناشد فيه ممثلو المجتمع المدني الفلسطيني منظمات المجتمع المدني وكل أصحاب الضمائر الحية في العالم، فرض مقاطعة واسعة لإسرائيل وتطبيق سحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، حتى تفي بالتزاماتها في الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير المصير، وحتى تنصاع إسرائيل بالكامل للقانون الدولي عن طريق أولا: إنهاء احتلالها واستعمارها لكل الأراضي العربية وتفكيك الجدار. وثانيا: الاعتراف بالحق الأساسي بالمساواة الكاملة لمواطنيها العرب الفلسطينيين. وثالثا: تطبيق حق العودة بناء على قرار الأمم المتحدة رقم 194.

وحين صدر النداء سنة 2005، وقعت عليه أكثر من 170 مؤسسة وائتلاف وفصيل سياسي ونقابة فلسطينية ممثلين الغالبية العظمى من المجتمع المدني الفلسطيني في مكوناته الثلاثة، في الأراضي المحتلة عام 67، وفي أراضي 48، وفي الشتات الفلسطيني. ويعتمد النداء على المنهجية المبنية على الحقوق، أي أنه لا يتبنى حلا سياسيا –دولة ودولتين- ولكنه يطالب بإنهاء اضطهاد إسرائيل للشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاثة استنادا إلى المواثيق الدولية وحقوق الإنسان. في عام 2008 تشكلت اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل والتي تعد أوسع ائتلاف فلسطيني، يضم شبكات واتحادات ونقابات المجتمع المدني الفلسطيني وائتلاف القوى الوطنية والإسلامية، لتشكل المرجعية الوحيدة عالميا لحملات (BDS) الدولية.

وإن  (BDS)بانتشارها في أوساط النقابات والفنانين والأكاديميين والكتاب وناشطي حقوق الإنسان والطلبة والكنائس حول العالم، وبحلفائها الكثر في أوساط المجتمع المدني الدولي والحركات الاجتماعية العالمية، باتت حركة المقاطعة تشكل حالة نضالية عالمية متقدمة تقارع الاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلي، بل وتحقق إنجازات نوعية يصعب على إسرائيل إنكارها، بالذات في المجال الفني ومجال المسؤولية الاجتماعية للشركات.

أنت الآن مقيم في رام الله بالضفة الغربية.. كيف تنقل للمتابع العربي والدولي الأوضاع التي يعيشها الفلسطينيون عموما، خاصة أمام الحصار المضروب على قطاع غزة؟

في غزة لا يزال الحصار مستمرا على الشعب الفلسطيني. في غزة لا حرية لديهم في التنقل والخروج، إنهم في سجن كبير وهم تحت القصف المستمر، ما يسقط الشهداء والجرحى ويحلل الدمار بين الفينة والأخرى، فضلا عن التضييق المستمر على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ولذلك. فأهلنا في غزة محاصرون، نعم، لكن ما يثلج صدورنا هو أن الغزاويين اليوم يحاصرون الحصار وليس العكس كما قال الشاعر محمود درويش، ولذلك فغزة بمقاومتها ومقاطعتها وصمودها هي عماد حركة المقاطعة. فكل العاملين النشطاء في حركة المقاطعة هم ينشطون ضمن محاولات حصار الحصار نفسه.

0
التعليقات (0)