كتاب عربي 21

أردوغان وخطاب النصر .. تراجع أنصار غولن

حسن أبو هنية
1300x600
1300x600
كتب حسن أبو هنية: في خطاب النصر الذي جاء عقب الإعلان عن فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات البلدية التركية توعد "أردوغان" باقتلاع ما وصفه بـ "الكيان الموازي" من جذوره استنادا إلى القانون.

وقال: "لن تكون هناك دولة داخل الدولة، لقد حان الوقت للقضاء عليهم"، وأضاف أردوغان بأن العلماء الذين وهبوا أنفسهم للعلم وتقديم خدمات إجتماعية لا ينبغي أن تختلط أوراقهم بأوراق المؤسسات القابضة، كما أن العلماء دائماً يجعلون مسافة بينهم وبين الأشخاص المشبوهين وأصحاب السير السيئة، مشيراً إلى أن الشخص الموجود في بنسلفانيا ــ في إشارة إلى فتح الله غولن ــ لو كان يملك الوفاء لسعيد النورسي لما وضع يده بيد حزب الشعب الجمهوري المسؤول عن الظلم الذي لحق بالنورسي.

وتابع أردوغان: أولئك الذين لم يزوروا النورسي بسبب أصوله الكردية ، يحاولون اليوم بذل قصارى جهدهم لإجهاض السلام في تركيا، هؤلاء ظنوا أن افتراءاتهم التي اطلقوها في 17 كانون الأول /ديسمبر ستؤتي ثمارها.

 شكلت الانتخابات البلدية التركية التي جرت  الأحد 30 آذار/ مارس 2014 منعطفا حاسما في مسيرة "أردوغان" الشخصية ومصير حزب العدالة والتنمية، فقد جرت الانتخابات في ظل أجواء سياسية حادة وحالة من الاستقطاب السياسي غير مسبوقة؛ فعلى الرغم من خوض العدالة والتنمية معركة الانتخابات المحلية في مرتين منذ توليه الحكم في نهاية 2002، إلا أن الانتخابات المحلية الثالثة التي خاضها الحزب  مؤخرا تعتبر غاية في الأهمية والخطورة نظرا لأن نتيجة الانتخابات كانت بمثابة استفتاء محلي وإقليمي ودولي على مصير ومستقبل أردوغان وجدارة حزب العدالة والتنمية بقيادة تركيا المستقبل. 

أسفرت نتائج الانتخابات المحلية عن فوز حزب العدالة والتنمية بحوالي 46 بالمائة من الأصوات، وهي نسبة تفوق ما حصل عليه الحزب من الأصوات في انتخابات 2009، وكانت 38.8 بالمائة، الأمر الذي بشير إلى أن الحملة التي استهدفت أردوغان وحزبه منذ ديسمبر/كانون الأول 2013 قد فشلت تماما، فقد منحت الانتخابات العدالة والتنمية السيطرة على 49 بلدية من مجموع البلديات البالغة 81 بلدية، وأكثر من نصف البلديات الثلاثين الرئيسة وفي مقدمتها إسطنبول وأنقرة.

 لقد أثبتت نتائج الانتخابات المحلية التركية والظروف والملابسات التي أحاطت بها قوة ونفوذ حزب العدالة والتنمية، فمنذ تأسيس الحزب عام 2001 تمكن من الفوز  في كافة الاستحقاقات الانتخابية الثمانية التي جرت، الأمر الذي يدلل على تمتع الحزب وزعيمه أردوغان بقدرات ذاتية وموضوعية بالمحافظة على خزانه الانتخابي وتوسيع قاعدته الجماهيرية التي تضم طيفا واسعا من الطبقات العاملة والتيار الديني المحافظ، كما برهنت نتائج الانتخابات عن خطأ وخيبة رهانات أنصار "غولن" في تغيير مسارات السياسة التركية، وضعف حجم "حركة الخدمة" وتأثيرها في توجيه الناخبين، وكشفت عن حجم تصويتي حقيقي للحركة بحدود 2 بالمئة فقط. 

أحد أكبر الأخطاء التي ارتكبتها المعارضة وفي مقدمتها جماعة "غولن" التلاعب بسياسات "الهوية"، فقد جعلت من مناسبة الانتخابات البلدية ميدانا لمعركة هوياتية تحدد مستقبل الدولة على أساس إيديولوجي ــ ديني، الأمر الذي نجح أردوغان باستثماره عبر التشديد على موضوعة الإسلام والاستقرار والتقدم الاقتصادي، وعمل على تحفيز الناخب التركي عبر تجديد بواعث الهوية التركية الإسلامية المسندة بالاستقرار والانجازات الاقتصادية الظاهرة، وبهذا فقد انقلبت سياسات الهوية سلبا على معسكر غولن وإيجابا على جماعة أردوغان.

خطاب النصر الذي ألقاه أردوغان عقب الفوز بالانتخابات البلدية يحدد طرائق التعامل مع "غولن" وأنصاره، فحكومة أردوغان سوف تشرع في تخليص الدولة مما أطلق عليه وصف "الدولة الموازية"، وهو اصطلاح يشير إلى نفوذ  جماعة غولن الواسع داخل أجهزة الدولة،  وذلك من خلال تبني مجموعة من التشريعات والقوانين التي تساهم في إعادة هيكلة وبناء أجهزة الدولة، وإعادة النظر في طبيعة العلاقة بين أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة.

 طريق الرئاسة أمام أردوغان باتت ممهدة في معركة الانتخابات الرئاسية التي ستحرى في آب/ أغسطس المقبل، فقد ظهر جليا أن خسارة الانتخابات البلدية وحدها ما  كان سيوقف مسيرة أردوغان نجو الرئاسة، وهو ما راهن عليه غولن وأنصاره من أحزاب المعارضة.

لا جدال بأن أردوغان خرج من رهان الانتخابات البلدية أكثر قوة بينما ظهر غولن أشد ضعفا، الأمر الذي سيعزز من ثقة حزب العدالة والتنمية بخياراته السياسية ونهجه الاقتصادي، وسيحمل من راهن على سقوط أردوغان وحزب العدالة والتنمية على مراجعة سياساته والتسليم بالتعامل مع مع تركيا مستقرة بقيادة أردوغان. 
التعليقات (0)