سياسة عربية

"عربي21" تكشف النقاب عن تعقيدات المشهد اليمني

تجمّع الإصلاح قبل المبادرة السعودية والحوار تغليباً للمصلحة الوطنية (أرشيفية) - أ ف ب
تجمّع الإصلاح قبل المبادرة السعودية والحوار تغليباً للمصلحة الوطنية (أرشيفية) - أ ف ب
لا تتوقف المعارك في اليمن، وهي على تنوعها تصب في مسار واحد هو إفشال الثورة، وإبقاء هذا البلد ضعيفا مفككا، لأن هناك قوى لا تريده إلا كذلك، فيما لا يريد بعضها لأي ثورة ضمن ما يعرف بالربيع العربي أن تنجح أبدا، لاسيما أن نجاحها في مصر قد شجعها على إكمال المشوار في الدول الأخرى.

في هذا التقرير، تحاول صحيفة "عربي21" الوقوف على محطات الثورة اليمنية، وما تعرضت وتتعرض له منذ البداية، وحتى الأحداث الأخيرة.

بعد أن خرجت مختلف فئات الشعب اليمني إلى الساحات والميادين، بخاصة فئة الشباب حاول النظام السابق استخدام العنف للقضاء على الثورة. وأمام الصمود البطولي وانحياز قسم كبير من الجيش والأمن إلى جانب الشعب لم يستطع النظام المضي في برنامج تصفية الثورة، فحاول الالتفاف عليها من خلال الحلول السياسية وتقديم بعض التنازلات.

الحوار الوطني

كان من ضمن بنود المبادرة الخليجية وأهم مرتكزاتها مؤتمر الحوار الوطني، إذ حاول الرئيس الحالي (عبدربه منصور هادي)، والمبعوث الأممي (جمال بن عمر) إشراك جميع القوى والفئات في الحوار، وإن تم ذلك على حساب حجم تمثيل بعض القوى الفاعلة في الساحة، تحديدا التجمع الوطني للإصلاح، ومع ذلك قبل الأخير بذلك انحيازا منه للتوافق الوطني. وسعى الحزب من خلال ممثليه في مؤتمر الحوار إلى التوافق مع أغلب المكونات. وكانت القوى المتضررة من التغيير (المؤتمر الشعبي العام، الحوثيون، بعض الشخصيات الليبرالية) تسعى بكل ما تستطيع لطرح بعض القضايا التي تظن أنها ستحرج الإصلاح وتجعله يتصلب لتأليب الرأي الداخلي والخارجي عليه، كما هو حال مسألة الهوية، مصدر التشريع، الوحدة، زواج الصغيرات، كوتا المرأة بنسبة 30%). كما سعت القوى المضادة للتغيير وبدعم من بعض القوى الإقليمية إلى فكفكة تحالف اللقاء المشترك وجعل بعض مكوناته (تحديدا الحزب الاشتراكي) تتبنى مواقف مغايرة لما تم الاتفاق عليه في تحالف اللقاء المشترك.

وكان الغرض من ذلك إظهار الإصلاح على أنه يتبنى مواقف خارج الإجماع الوطني، لكن الأخير تمكن من خلال سياسته المرنة وتقديم بعض التنازلات من الحفاظ على الحد الأدنى من تماسك هذا التحالف (اللقاء المشترك).

من جانب آخر سعى النظام السابق بالتحالف مع القوى المضادة للتغيير إلى عرقلة سير مؤتمر الحوار أكثر من مرة، وفي أكثر من محطة، مما أدى إلى إطالة مدة مؤتمر الحوار الوطني لأكثر من 10 أشهر بعد أن كان مقررا إتمام أعماله في ستة أشهر.

كما مارست تلك القوى الابتزاز السياسي عبر الحديث عن ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار والمرحلة التأسيسية بعده، حيث كان المؤتمر الشعبي يضغط على الرئيس لجعل شرعيته (سنتان) تنتهي في 21 فبراير 2014، من أجل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل ذلك التاريخ، بينما كانت المكونات الأخرى عدا الإسلاميين تضغط للتوافق على المشاركة في الحياة السياسية دون إجراء انتخابات إلا بعد أربع سنوات. وكان الحوثيون يضغطون من أجل إشراكهم في الحكومة والمطالبة بتغييرها، وإعادة تشكيلها من المكونات المشاركة في مؤتمر الحوار، وتحويل أعضاء المؤتمر إلى مجلس تأسيسي بديلا عن البرلمان الحالي. ورغم سوء الأخير كون 80% من أعضائه من المؤتمر الشعبي مع انشقاق بعضهم منه، إلا أن الأسوأ منه هو المتمثل في أعضاء مؤتمر الحوار، لأن البرلمان الحالي محكوم بالمبادرة الخليجية التي تنص على التوافق في اتخاذ القرارات، وإذا لم يتم التوافق فترفع القرارات لرئيس الوزراء ورئيس الجمهورية للفصل فيها.

وللتذكير، فقد كانت ضمانات مخرجات الحوار والمرحلة التأسيسية على النحو التالي: تشكيل لجنة صياغة الدستور من 9 أفراد من الفنيين لصياغة ما تم التوافق عليه من قرارات مؤتمر الحوار والاستفتاء عليه خلال سنة. وأن يتم ترتيب الانتخابات وفقا لما يتم الاتفاق عليه في الدستور خلال السنة التالية لإقراره. ويستمر الرئيس الحالي في منصبه حتى تتم الانتخابات الرئاسية وفقا للدستور الجديد. إضافة إلى ذلك يستخدم الرئيس صلاحياته في إجراء تعديل على الحكومة. كما يستمر مجلس النواب الحالي حتى يتم انتخاب بديلا عنه وفقاً الدستور الجديد . وتتم إعادة تشكيل مجلس الشورى (تعيين)، بحيث يستوعب جميع المكونات المشاركة في مؤتمر الحوار. وأخيراً يفوض رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة برئاسته لتحديد الأقاليم.

حاولت القوى المضادة للتغيير عرقلة سير انتقال السلطة وقامت بعدة محاولات للانقلاب أو إحداث فوضى (أحداث وزارة الدفاع (5 ديسمبر)، نصب كمائن لموكب الرئيس عدة مرات، نسف أبراج الكهرباء وضرب محطات الكهرباء، تفجير أنابيب النفط، القيام باغتيالات لعدد كبير من ضباط الأمن السياسي.

أمام ضغط المجتمع الدولي والدول الراعية للحوار، رضخت القوى المضادة للتغيير، وأعلنت قبولها بنتائج مؤتمر الحوار ولكنها تقوم الآن بحملة لإثارة الفوضى وفتح جبهات عدة للاقتتال وتفجير أنابيب النفط ونسف الكهرباء لإظهار عجز الدولة وإثارة الشغب، كما حدث في مصر، كما حاولت انشاء جبهة تمرد من عناصر النظام السابق ولكنها كانت هزيلة جدا.

فهناك ضخ إعلامي كبير واستعانة بخبراء إعلاميين من لبنان وإيران وغيرها. وهناك ضخ مالي لا محدود من إيران للحوثيين وأفراد النظام السابق، والحراك المسلح في الجنوب (جناح علي سالم البيض). كما يقوم الحوثيون بفتح جبهات كثيرة من عدة مناطق لإثارة القلاقل وتصفية الحسابات.

ويؤكد مراقبون ان المقاتلين مع الحوثيين معظمهم من الشباب العاطلين عن العمل والمهاجرين الأفارقة، ويتم إغراؤهم بالمال واستدراجهم للإدمان على المخدرات، ثم استخدامهم كمقاتلين، كما أن هناك الكثير من مقاتلي الحوثيين هم من الأحداث وصغار السن (15، 16 سنة).

كما ويلاحظ المراقبون دعما إقليميا، بخاصة من الإمارات والسعودية لعناصر النظام السابق، بالإضافة إلى الدعم اللامحدود من إيران للحوثيين وغيرهم من القوى المتضررة من التغيير.

ويمتلك الحوثيون سلاحا ثقيلا (دبابات، مدرعات، كاتيوشا، منصات) استولوا عليها خلال الحروب العبثية الستة السابقة. كما أن النظام السابق لا يزال يمتلك كثيرا من الأسلحة والأموال، وهناك عدد من الألوية العسكرية والمعسكرات في مناطق نفوذ الحوثيين في صعدة وحرف سفيان.

أحداث صعدة الأخيرة

شن الحوثيون على مدى أكثر من مئة يوم حصارا ظالما على منطقة دماج، ودماج عبارة عن قرية فيها دار لتدريس علوم الحديث أسسها الشيخ مقبل بن هادي الوادعي عام 1979، وتضم عددا كبيرا من الطلاب يقدر بثلاثة آلاف من مختلف الجنسيات (يمنيون من مختلف محافظات اليمن، سعوديون ، مغاربة ، جزائريون، شيشان ، ..........). وقد صمد السلفيون في هذه المنطقة رغم الحصار.

كانت هناك جبهة أخرى في صعدة في منطقة كتاف بها دار للحديث أيضا، وتجمع في هذه الجبهة أعداد لا بأس بها من مختلف الاتجاهات (سلفيون، قاعدة، قبائل من مختلف مناطق اليمن). وكانت هذه الجبهة قوية وتمت هزيمة الحوثيين فيها، وكانت تخفف الضغط على دماج وفجأة، وبحسب ما ذكرت مصادر مطلعة لـ"عربي21" أتت تعليمات لقادة هذه الجبهة من السلفيين (الجاميين) من السعودية بالانسحاب وتركها رغم امتلاكها لكل عناصر القوة (سلاح، ذخائر، تموين، رجال، عربات) وتم فكفكتها وهي في قمة النصر، ما سهل الضغط على دماج وشدد عليها الوطأة، وجاءت لهم النصائح من المخابرات السعودية بالخروج، وفعلا طلب الشيخ يحيى الحجوري مسئول دار الحديث في دماج من الرئيس تأمين خروجهم، وقامت الدولة بذلك، وكانت هناك ردة فعل شعبية قوية جدا ضد الحوثيين بوصفهم عنصريين ولا يقبلون بالآخر. وحاول الحوثيون التبرير بأنهم يدافعون عن أنفسهم من عناصر الإرهاب التي تتخفى في دار الحديث.

كانت هناك بعض المعلومات تشير إلى أن هناك تنسيقا بين الحوثيين والمخابرات الأمريكية على أساس أن هناك بعض المطلوبين أمنيا لأمريكا والسعودية مختفين في دار الحديث، وأن الحوثيين سيقومون بإخراج هؤلاء للتخلص منهم أو القبض عليهم.

جبهة حاشد

سعى النظام السابق بالتعاون مع الحوثيين إلى خلخلة قبيلة حاشد منذ زمن ليس بالقريب (أكثر من 15 عاما)، وحاولوا إيجاد معارضة ومنازعة لبيت الأحمر لمنافستهم على مشيخة القبيلة، وحاولوا استقطاب كثير من مشايخ حاشد لصالحهم (علي جليدان، مبخوت المشرقي وآخرون). وكانت هناك بعض المظالم. واستطاع النظام السابق والحوثيون تكوين جبهة مضادة تعمل ضد بيت الأحمر، واستغلوا ضعف الدولة وضعف تماسك القبيلة، وقاموا بهذا العمل الأخير، ولم يكن قادة المعركة في الطرف المقابل يملكون الخبرة العسكرية الكافية، ولا التكافؤ في السلاح، بالإضافة إلى ضعف الولاء والخيانات وشراء الذمم بين أفرادهم، فضلا عن رغبة أطراف إقليمية بتأديب بيت الأحمر لوقوفهم مع الثورة، وبعض التصريحات التي أطلقها حميد الأحمر بعد انقلاب مصر، حيث قال بأن الذين يدعمون الانقلاب في مصر، هم من يديرون الحكم من غرف الإنعاش، ويقصد السعودية.

وطرح مراقبون جملة من الأسئلة في هذا السياق من بينها: لماذا لم تصدر أية إدانة من الأمريكان أو الاتحاد الأوروبي لما قام به الحوثيون، بينما هم يلعنون أمريكا والسعودية يوميا، بل إن لديهم مكتب تمثيل في ألمانيا. ولماذا لم تصدر أية إدانات لاستخدام الحوثيين للأطفال في القتال، لماذا لم يطلق على الحوثيين صفة المتمردين. 

ومن جانب آخر لاحظ المراقبون ضخا إيرانيا وخليجيا للمال من أجل العمل على إفشال الثورة ودعم عناصر النظام السابق والحوثيين. حدث ذلك رغم أن تأكيد مخرجات الحوار على إلغاء كافة المليشيات، وتسليم السلاح الثقيل للدولة وبسط نفوذها في كل أنحاء اليمن.

ولا يبتعد عن هذا المشهد المعقد وجود توظيف واختراق لعناصر القاعدة من قبل عناصر النظام السابق، في ظل وجود تخوف مبالغ فيه من قبل أطراف إقليمية وعربية عنوانه أن الأوضاع تسير نحو تمكين الإسلاميين كونهم القوة الوحيدة المنظمة والمتماسكة وتمتلك خبرة وأداء سياسيا متوازنا. وتحاول هذه الأطراف الاستفادة مما جرى في مصر من أجل تكراره هنا في الحالة اليمينة.

وما يساعد على ذلك تواضع الإمكانات المادية والإعلامية لقوى الثورة رغم وجود عدد من المنابرالإعلامية لديهم (قنوات رسمية، قنوات خاصة، صحف، مراكز أبحاث، جيش من الشباب المتعلمين مع وسائل التواصل الاجتماعي).
التعليقات (1)
ابن محمد علي
الأحد، 16-02-2014 04:01 م
أصبت بعضا واخطأت بعضا

خبر عاجل