صحافة عربية

صحافة تنقل الاحتفال والرقص.. وتغفل الاحتجاج والقنص

الصحافة المصرية - الصحافة المصرية الاحد
الصحافة المصرية - الصحافة المصرية الاحد
اهتمت الصحافة المصرية الصادرة الأحد 26 كانون الثاني/ يناير 2014 بأن تنقل إلى القارئ ما يتعلق بالاحتفالات، والعروض الفنية والراقصة، التي تم تنظيمها احتفالا بالذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، التي وافقت السبت، في حين أنها أغفلت -عن عمد- إبراز الجانب الآخر من الصورة، وهو خروج احتجاجات واسعة من رافضي الانقلاب، تطالب باستعادة المسار الديمقراطي، وعودة العسكر إلى ثكناتهم،  لكنها جُوبهت باعتداء سلطات الانقلاب على المشاركين فيها، وقتل أكثر من خمسين منهم، بعد أن قامت بقنص معظمهم بالرصاص الحي.
 
هذه المفارقة بدت واضحة في تغطيات صحف الأحد لأحداث السبت بأنحاء مصر.. إذ روجت تلك الصحف للمظاهرات التي خرجت مؤيدة لسلطات الانقلاب، وشهدت رفع صور وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي بكثافة، بل والهتاف له، والرقص على أنغام الأغنية الشهيرة التي أُخرجت له: "تسلم الأيادي"، فضلا عن تشجيع هجاء الإخوان المسلمين.
 
وفي الوقت نفسه، تجاهلت تلك الصحف –تماما- الإتيان على أي ذكر لمطالب ثورة 25 يناير، من العيش والحرية والكرامة الإنسانية والمساواة والعدالة الاجتماعية، فضلا عن عدم تعليق صور أي من شهدائها بميادين العزة والكرامة، في القاهرة والمحافظات، التي قصرت قوات الشرطة والجيش دخولها على مؤيدي الانقلاب، في هذه المناسبة، وألقت عليهم -من الطائرات- الأعلام، والجوائز.. في حين طاردت المحتجين السلميين بالخرطوش والرصاص، وهو ما تجاهلت الإشارة إليه الصحف، وبذلت جهدها -في ربط تلك الاحتجاجات -كذبا- بالإخوان، والإرهاب!
 
والأمر هكذا، خصصت تلك الصحف صفحاتها الأولى الأحد لعناوين وصور احتفالات الجماهير المحتشدة، ناسية أنها اتشحت في اليوم السابق -السبت- باللون الأسود، تعبيرا عن الحزن على ضحايا الحوادث الإرهابية يوم الجمعة، باكية على من قُتل أو جُرح فيها من أبرياء.. دون أن تنسى هوايتها المفضلة في تشويه صورة الإخوان، ومؤيدي الشرعية، باستمرار وصمهم بالإرهاب، وكل نقيصة!
 
إرهاب الإخوان.. وبراءة العسكر
 
والآن، إلى هذه النظرة السريعة على المادة المنشورة بالصحف.. والبداية من "اليوم السابع" التي قالت في المانشيت: "الملايين يهزمون إرهاب الإخوان في التحرير.. المصريون احتفلوا بذكرى 25 يناير.. والجيش يشارك بكروت الهدايا.. وسكان "رابعة" يرقصون مع الأغاني الوطنية"!
 
الصحيفة تروج هنا لتعبير "إرهاب الإخوان".. بهدف نزع صفة الإرهاب عن صانعها الحقيقي، وهو الانقلاب، وتبرير ما يرتكبه من جرائم بحق الإخوان المسلمين.. لدى الرأي العام.
 
وفي سياق مشابه، جاء مانشيت جريدة "الأهرام": "الشعب يتحدى الإرهاب ويحتفل في الميادين.. القوات المسلحة تهنئ الشعب وتشارك بعروض جوية.. الببلوي في التحرير: الدولة قوية وقادرة على حماية المواطنين".
 
استخدم "الأهرام" هنا كلمة "الشعب" في العنوان للإشارة إلى من احتفلوا في الميادين ترسيخا لفكرة أن الشعب -فقط- هو من يحتفل.. أما من يحتج، ويطالب فهو شعب آخر.. أو ليس من الشعب!
 
تلك الكلمة نفسها: "الشعب".. استخدمتها جريدة "الأخبار" في المانشيت كأن الجريدتين ترشفان من بئر واحدة. فقد جاء المانشيت: "الشعب يهزم الإرهاب.. ويحتفل بسنة "تالتة" يناير".
 
وزادت الصحيفة على العنوان السابق سطرا فقالت: "ميادين الثورة تنادي بالسيسي".
 
شر البلية ما يضحك فعلا؛ ذلك أنه لم يكن أحد ممن شارك في ثورة يناير قبل ثلاث سنوات يتخيل أنه يثور لاقتلاع نظام مبارك، ليحكمه بعد ثلاث سنوات مدير المخابرات الحربية لجيش مبارك، ونظامه!
 
وغير بعيد جاء مانشيت "الجمهورية بالقول: "الشعب يتحدى الإرهاب.. الملايين جددوا الثورة.. والإخوان فشلوا في إفساد الاحتفالات".
 
تعبير "الملايين جددوا الثورة" يقتضي وقفة، ذلك أنهم لم يكونوا ملايين، وإنما الآلاف أو عشرات الآلاف أو حتى: مئات الآلاف، لكنهم لم يكونوا "ملايين" بالتأكيد.
 
وهذا التعبير "جددوا الثورة" مثير للسخرية حقا: هل جددوها برفع صور مدير المخابرات الحربية لنظام حسني مبارك الذي خلعته الثورة.. الذي يدير حاليا مقاليد الأمور في البلاد بعد انقلابه على رئيس ونظام جاءت بهما هذه الثورة؟
 
من ينطق باسم الميادين؟
 
"الشروق" روجت للفكرة نفسها، وهي أن الشعب المصري هو من يحتفل.. أما من يحتج فهو إما أنه شعب آخر، أو ليس جزءا من هذا الشعب.
 
فقد صدرت بعناوين: "الشعب يحتفل.. والدولة تحمي.. أفراح الميادين تتحدى الجماعة في 25 يناير.. المصريون يحيون ذكرى 25 يناير.. والجيش: سنحمي الثورة مهما كانت التضحيات.. تحديد هوية منفذي تفجير أمن القاهرة.. ومتظاهر وضع قنبلة "الهرم" وفجرها عن بعد".
 
"أفراح الميادين تتحدى الجماعة في 25 يناير".. في هذا التعبير افتعال عداء زائف بين الميادين والجماعة (المقصود بها: الإخوان المسلمون).. مع أن هذه الميادين تشهد بتضحياتها في ثورة 25 يناير.. ولكن الميادين لم تسلم من التسييس.. كأن مؤيدي العسكر هم من صنعوا هذه الميادين، أو صنعوا ثورة 25 يناير!
 
"الميادين" هي الكلمة ذاتها التي استخدمتها جريدة "المصري اليوم" في مانشيتها: "الميادين لـ"الإخوان": انتهى وقتكم.. الشعب يقهر الإرهاب.. ويحتفل بالثورة".
 
الملحوظة هنا أن الجريدة مالت عن وصف المشاركين بالملايين إلى قولها في المقدمة: "توافد مئات الآلاف من المصريين على ميدان التحرير وغيره من ميادين الثورة في جميع المحافظات أمس لإحياء الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير. وأكدوا أن سلسلة الأعمال الإرهابية التي وقعت خلال اليومين الماضيين من جانب تنظيم الإخوان والجماعات الإرهابية المتحالفة معها لن ترهبهم، وأن وقت الإخوان انتهى"!
 
الهتافات تنادي بترشيح السيسي
 
ولم تغرد صحيفة "الوفد" بعيدا، إذ صدرت بعناوين تقول: "الشعب يحتفل.. وأعداء الثورة يخربون.. الهتافات في الميادين تطالب باستكمال خارطة المستقبل وترشح "السيسي" للرئاسة.. الإخوان تحالفوا مع "6 أبريل" لمحاولة إفساد الفرحة وفشلوا في التسلل لميدان التحرير".
 
"تعبير: "وأعداء الثورة يخربون".. معروف أن المجلس العسكري هو ألد أعداء الثورة الذي أجمع الثوار من جميع التوجهات السياسية على مواجهته بشعار :"يسقط.. يسقط حكم العسكر" في جميع مراحل الثورة حتى هذه الذكرى الثالثة.
 
وبرغم أن الإخوان و"6 أبريل" من صانعي ثورة يناير، إلا أن "الوفد" أظهرتهم في صورة العداء للثورة، والوقوف ضد فرحة الشعب.
 
مبالغات السقوط والذهول
 
المعالجة نفسها، ولكن بمزيد من المبالغة جاءت في جريدة "التحرير" بالعناوين: "الملايين يحتشدون في الميادين ويعزلون الإخوان في ذكرى 25 يناير.. الجماعة باعت الثورة في الذكرى الأولى .. والشعب ثار ضدها في الثانية.. واحتفل بسقوطها في الثالثة".
 
رئيس تحرير "التحرير" هو الكاتب إبراهيم عيسى الذي اعترف من قبل بالدور الكبير الذي قام به الإخوان لإنجاح الثورة، فهم لم يبيعوها.. والشعب ثار ضد المجلس العسكري الذي كان يحكم في تلك الذكرى (الأولى).. واحتفل بسقوطها في "الثالثة".. هذا التعبير الأخير كما لو كان الإخوان هم الذين قامت ثورة لخلعهم ، وليس نظام مبارك، في 25 يناير 2011..
 
وفي سياق غير بعيد، جاءت "الدستور" بعناوين تقول: "العالم في ذهول.. ملايين الشعب تخرج وتتحدى المفرقعات والديناميت وتسحق مخططات الخونة الإرهابية.. خروج ملايين المصريين بهذه الأعداد أدهش وأذهل العالم.. الشعب يهتف للزعيم القائد.. ويطالبه بالترشح فورا".
 
من جهتها، خطت "الوطن" خطوة محسوبة من قبل الانقلاب إذ قالت: "الشعب يهزم الخوف ويطالب "السيسي" بالترشح.. متظاهرو "التحرير" ينحتون تمثالا لـ"وزير الدفاع".. وأهالي المحافظات يتحدون إرهاب الإخوان".
 
"الشعب يطالب السيسي بالترشح".. فلماذا إذن خرج ضد مبارك في الثورة قبل سنوات ثلاث إذا كان سيخلعه ثم يأتي بمدير مخابراته الحربية، ومجلسه العسكري، لرئاسة البلاد.. هل هذا منطق؟  
 
الخديعة بالصورة.. وكمل جميلك!
 
ركزت الصور المنشورة في صحف الأحد على حشود المصريين بميدان التحرير (الأخبار)، واعتمد المصورون على صور مكبرة للميدان حاولت إبراز كثافة المحتشدين فيه، واعتمدت على إظلام الأطراف حتى لا يبدو أن التجمعات موجودة بقلب الميدان، ومقدمته الأمامية فقط.
 
كما أن كلام بعضها أنه: "جانب من حشود المصريين التي ملأت ميدان التحرير أمس" (الأهرام). وذلك بعد أن قامت الجريدة بقص الصورة من الأطراف، لتكون كي تركز على الحشود فقط. وفي "المصري اليوم" اعتراف بأنهم آلاف، إذ قالت الجريدة أسفل الصورة -بعرض نصف الصفحة الأولى-: "الآلاف احتشدوا للاحتفال بذكرى ثورة يناير في التحرير أمس"..
 
ولم ينتبه القائمون على تلك الصورة أن الأعلام الوطنية الموجودة فيها بأيدي الآلاف لا ينافسها إلا صور السيسي ، ولافتات تقول: "كمل جميلك".. مع صور الفريق أول عبدالفتاح السيسي.
 
وتابعت الصور: "آليات عسكرية في ميدان رابعة العدوية لمنع متظاهري الإخوان من احتلاله".(الشروق).. (الشروق).."ورقصة التنورة ضمن احتفالات التحرير أمس "المصري اليوم".
 
وفي "الوفد" قال تعليق الصور: "المحتفلون في ميدان التحرير يحملون صور السيسي ويطالبونه بالترشح.. جانب من اشتباكات أعضاء "6 أبريل" مع الأمن وسط القاهرة.. أنصار الإخوان يحرقون إطارات السيارات بشارع السودان بالجيزة".
 
أما في "الوطن" فكان كلام الصورة كالتالي: "..الآلاف يرفعون علم مصر وصور السيسي بالمحلة أمس"!
التعليقات (0)