صحافة إسرائيلية

صحيفة: لا مصلحة لإسرائيل وحماس بالتصعيد

بروم: التصعيد الحالي لا ينبع من سياسة مقصودة لحماس - ا ف ب
بروم: التصعيد الحالي لا ينبع من سياسة مقصودة لحماس - ا ف ب
تشير صحيفة "نظرة عليا" الإسرائيلية إلى أنه إذا ما توصلت إسرائيل إلى الإستنتاج بأن حماس تبذل جهداً حقيقيا للتهدئة، فإن عليها أن تقطع دائرة الردود، والردود على الردود من خلال تأخير تكتيكي لردودها. وهي يمكنها دوما أن تستأنف هجماتها إذا ما تبين بأن الأمر غير مجدٍ.

ويطرح الكاتب الإسرائيلي شلومو بروم في مقاله، الخميس، تساؤلاً بشأن التصعيد الأخير في قطاع غزة، هل هو مقصود ومبادر إليه، أم أن مصلحة الطرفين لا تزال هي الحفاظ على الهدوء؟

كما يشير بروم إلى وضع حماس السياسي والعسكري، خصوصاً مع التقلبات الإقليمية الحاصلة خلال الشهور الأخيرة في المنطقة؟

وفيما يلي نص المقال:

طرأ في الاسبوع الأخير تصعيد في إطلاق الصواريخ من قطاع غزة والردود الاسرائيلية على ذلك، وثمة تخوف من أن تؤدي آلية التصعيد بالضرورة الى قرار إسرائيلي للمبادرة مرة اخرى الى حملة واسعة في قطاع غزة، بحجم حملتي الرصاص المصبوب وعمود السحاب. هدف المقال هنا هو تحليل أسباب التصعيد، إحتمالات أن يستمر والسياسة المرغوب فيها من جانب اسرائيل.

السؤال الأساس هو هل هذا تصعيد مقصود ومبادر إليه أم أن مصلحة الطرفين لا تزال هي الحفاظ على الهدوء، ولكنهما قد يفقدا السيطرة على آلية التصعيد. في الجانب الاسرائيلي الصورة واضحة – ليس لاسرائيل مصلحة في خرق الهدوء. من ناحية رئيس الوزراء نتنياهو فإن التقليص الدراماتيكي، حتى الصفر تقريبا لإطلاق الصواريخ من غزة منذ حملة عمود السحاب هو إنجاز كبير، وليس له ما يدعوه الى أن يرغب في فقدان ذلك. في العالم العربي يمكنهم أن يتسلوا بنظريات المؤامرة التي تقول إن اسرائيل معنية بتفجير المفاوضات مع الفلسطينيين عبر التصعيد في غزة ايضا، ولكن لا يوجد أساس لهذا الإدعاء لأن لاسرائيل مصلحة في استمرار المفاوضات، حتى بعد نيسان 2014. أزمة في المفاوضات – ولا سيما عندما تكون احتمالات طيبة في أن يلقى بالذنب عن الازمة على اسرائيل بسبب رد "غير متوازن" من جانبها – ليست مصلحة اسرائيلية.
 
في جانب الفلسطينيين في غزة الصورة أقل وضوحا. لا ريب أن ثمة محافل في غزة معنية بتفجير المفاوضات مع اسرائيل وبتصعيد المواجهة العنيفة معها على حد سواء. ويضم هؤلاء جملة من المنظمات المسلحة في القطاع، سواء كانت عناصر في الجهاد الاسلامي أم مجموعات سلفية – جهادية.  وأغلب الظن فإن اطلاق الصواريخ قامت به هذه الجهات دون علم حماس، التي تسيطر في قطاع غزة، وعلى ما يبدو ايضا دون علم قيادة الجهاد الاسلامي الذي هو التنظيم الاكبر في القطاع بعد حماس. ولكن حتى الهجوم الأخير عرفت حماس كيف تعمل بحزم ضد هذه المجموعات وتكبح جماحها. ويطرح السؤال: هل غيرت حماس سياستها أم أنها فشلت في كبح جماح هذه المجموعات، الأمر الذي يمكنه أن يشهد على انخفاض في نجاعة سيطرتها في قطاع غزة. 

تجتاز حركة حماس فترة صعبة وهي في وضع من الضعف السياسي والعسكري. فالحرب الأهلية في سوريا أجبرتها على قطع العلاقة مع داعمين هامين لها، سوريا وحزب الله، وأدت الى قطيعة شبه تامة مع داعمها المركزي، إيران، التي كانت المصدر الاساس للدعم بالمال والسلاح. لقد  عولت حماس على توثيق العلاقات مع من كان يعتبر اللاعبين الجدد الذين يصعدون في أعقاب الثورات في العالم العربي، الحركات الاسلامية. وبدلها أن العلاقات الوثيقة مع مصر بسيطرة الاخوان المسلمين، قطر الثرية وذات النفوذ وتركيا اردوغان ستعوضها عن فقدان حلفائها التقليديين. ولكن الدولاب انقلب. الرئيس مرسي عزل والحكم العسكري في مصر يكن عداء شديدا لحماس التي يعتبرها تهديدا بصفتها ذات قدرات عسكرية وتآمرية لا بأس بها لحركة الأم الخاصة بها في مصر – الاخوان المسلمين.

وقطعت مصر عمليا انفاق التهريب على حدود غزة – سيناء، شريان الحياة الى غزة. وتعزو مصر عمليات الجماعات البدوية – الجهادية في سيناء ضد النظام المصري وقوات الأمن لديه لتوجيه ومساعدة من حماس. في قطر تخلى الأمين الشيخ والمريض عن لقبه وتتوج ابنه، الأقل حماسة للسياسة الخارجية الفاعلة لقطر الصغيرة والعلاقات مع حماس، ولأردوغان توجد مشاكل خاصة به، وعلى أي حال فإن قدرة الوصول التركية والقطرية الى قطاع غزة متعلقة بإرادة مصر الطيبة، التي كما أسلفنا غير موجودة.

والنتيجة هي أنه خلافا للوضع الذي تبلور بعد حملة الرصاص المصبوب، والذي نجحت فيه حماس في أن تملأ بسرعة مخازنها من السلاح بل وتعززها بصواريخ اثقل، الآن، حماس تجد صعوبة في التهريب المنتظم للسلاح منذ حملة عمود السحاب. وهي تحاول تعويض نفسها عن ذلك بتطوير وإنتاج ذاتي لصواريخ بعيدة المدى، ولكن يوجد فارق هائل بين الدقة والقوة التدميرية لهذه الصواريخ والصواريخ ذات الجودة العسكرية التي تهرب من إيران.

حماس غير مستعدة لجولة قتال جديدة بحجم واسع وذلك لإن وضعها السياسي سيء أكثر من ذلك. فقد توقفت المغازلات لها في المنطقة وخارجها، وبات لاعبون مركزيون في العالم العربي، وعلى رأسهم مصر والسعودية، معادين لها بشكل حاد. 
         
تحاول حماس الخروج من وضعها البشع في سبيلين. فمن جهة تحاول استئناف العلاقات مع ايران بنجاح جد جزئي. فلإيران بقيادة الرئيس روحاني، الذي يحاول الوصول إلى مصالحة مع الغرب لا توجد مصلحة في إبراز علاقاته مع حماس وبالتالي مثلا، فإن طلب خالد مشعل زيارة طهران قد رد. ويحتمل أيضا أن كنتيجة لسلوك حماس فإن ايران ترى فيها جهة خيانية لا يمكن الثقة بها ولهذا فإنها تحذر من استئناف العلاقات معها. ومن جهة ثانية، فإن حماس تتخذ سياسة تصالحية تجاه مصر وتجاه قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله. وتحاول المنظمة عدم استفزاز مصر لمعرفتها بتعلقها بها، وتعيد تحريك مسيرة المصالحة لحماس مع منظمة فتح على فرض أن هذا سيخرجها من العزلة السياسية. ولهذا السبب فان المنظمة لا تبذل ايضا جهدا خاصا للهجوم على المفاوضات السياسية التي تديرها اسرائيل مع السلطة (التي مآلها في نظرها هو الفشل على اي حال) باستثناء بعض التصريحات العادية. 
          
يمكن الإدعاء بأن استمرار التفاقم في وضع حماس يمكن أن يدفع المنظمة نحو الزاوية ويؤدي بها الى الاستنتاج بأن ليس لها ما تخسره وأن السبيل الوحيد أمامها للخروج من الازمة هو من خلال تفجير الوضع. حماس بالفعل يمكنها أن تصل لاحقا الى هذا الوضع، ولكن في هذه المرحلة يبدو أنها لم تتوصل بعد الى هذا الإستنتاج وهي تحاول التخفيف من الضغط عليها من خلال خطوات سياسية.

وبالتالي يبدو أن التصعيد الحالي لا ينبع من سياسة مقصودة لحماس وهو في أساسه نتيجة فقدان سيطرتها على الوضع، والذي تخلق فيه حادثة على الحدود دافعا لرد من مجموعة فلسطيني يؤدي الى رد اسرائيلي وهكذا دواليك.
           
على فرض أن هذا التحليل صحيح، فإن الهدف الأساس لإسرائيل هو منع التدهور إلى مواجهة واسعة لا يريدها الطرفان، وذلك دون المس بالقدرة على ردع حماس ولاعبين آخرين في قطاع غزة. إسرائيل لا يمكنها أن تغير السياسة الأساس التي صممت بعد عمود السحاب، وبموجبها يجب الرد على اطلاق الصواريخ من غزة بحزم أليم على حماس ومنظمات اخرى في غزة، خشية أن يتآكل الردع الذي تراكم في الحملتين الكبيرتين هناك.

ولكن الردود يجب أن تكون مدروسة وبالتوازي لها ثمة حاجة الى متابعة حثيثة لسلوك منظمة حماس التي تسيطر في غزة وفي نظر اسرائيل هي المسؤولة عما يجري فيها حتى لو كانت منظمات أخرى هي التي تطلق الصواريخ. إذا ما توصلت اسرائيل الى الإستنتاج بأن حماس تبذل جهدا حقيقيا لمنع المجموعات الاخرى من العمل ضد اسرائيل، فان عليها أن تقطع دائرة الردود والردود على الردود من خلال تأخير تكتيكي لردودها. وهي يمكنها دوما أن تستأنف هجماتها إذا ما تبين بأن الأمر غير مجدٍ.
التعليقات (0)