سياسة عربية

هل بدأ الغرب بمحاورة الأسد بدل السعي للإطاحة به؟

عناصر من جبهة النصرة في سوريا (أرشيفية) - أ ف ب
عناصر من جبهة النصرة في سوريا (أرشيفية) - أ ف ب
تساءلت رولا خلف في صحيفة "فايننشال تايمز" عن تأثيرات التقارير التي تحدثت عن اتصالات أمنية أوروبية مع مسؤولين سوريين على محاولات حل الأزمة السورية. وترى أن هذه التقارير، إن صحت،تعبر عن مخاوف الدول الغربية من تداعيات الأزمة السورية بعيدة المدى، وعلى رأسها المخاوف من تداعيات انتشار الجهاديين المتطوعين في الحرب السورية على أمن الدول الغربية.



 فعلى خلاف العراق التي كان المقاتلون الأجانب فيها يجندون للعمليات الانتحارية، فإن المتطوعين الأوروبيين يعودون لبلادهم؛ مما يفتح مجالا لنشوء جيل من "الأوروبيين السوريين" على شاكلة جيل العرب الأفغان في الثمانينات من القرن الماضي.



وقالت خلف إنه مع تحول سورية إلى بوتقة صهر للجهاديين الأجانب، بات السوريون يخشون من طرح السؤال التالي:هل تحاول الحكومات الأجنبية استئناف علاقاتها مع بشار الأسد بدلا من العمل على الإطاحة به؟



وتشير الكاتبة إلى تصريح نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد لـ "بي بي سي"أن وفودا أمنية غربية زارت دمشق، وأن الدول  الأوروبية ترى في التعاون مع الأسد وسيلة لحماية أمنها القومي. وترى الصحافية أنه من الممكن حدوث محادثات مع سورية حول ملفها الكيماوي، لكن المؤسسات الأمنية تقوم أحيانا بأعمال لا تعترف الحكومات بوقوعها بسهولة، من مثل اتصالات مع شخصيات بغيضة قد تكون مصدرا جيدا للمعلومات، حسب قولها. 



وكما قال أحد المسؤولين الأمنيين فإن على الحكومات الغربية القيام بحسابات "الربح والخسارة" عندما تحاول قياس تأثيرات وجود الجهاديين الأجانب في سورية، مضيفا "أحيانا تحتاج إلى التعامل مع الشيطان أثناء القيام بهذه الحسابات".



وتضيف الكاتبة أن هناك سؤالين يجب أخذهما بعين الاعتبار في الحالة السورية، الأول إن كان يمكن الثقة بالأسد وجماعته لتقديم معلومات أمنية صادقة عن الجهاديين، خاصة وأن المعارضة تشكك بضلوع النظام في المسألة الجهادية في سورية، وتقول أن لديه عناصر داخل مجموعات بعينها خاصة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).



السؤال الثاني ما هي الرسالة السياسية التي تهدف المحادثات لإرسالها للنظام الذي طلب منه أكثر من مرة التنحي عن السلطة. 

وعلى الرغم من الجمود على ساحة المعركة، يقول الدبلوماسيون الغربيون إن الأسد حافظ على السلطة بسبب التشتت في صفوف المعارضة والاقتتال بين الجهاديين الذين انضموا للحرب، إضافة لمواصلة الضربات والقصف لمناطق المعارضة. وبحسب تصريحات الناطقين باسم النظام، فقد تعزز موقفه بعد الصفقة التي حققها بوساطة روسية التخلص من أسلحته الكيماوية. 



وترى الكاتبة إن الدول الغربية أجبرت شيئا فشيئا على التعامل مع سورية عبر منظور مكافحة الإرهاب.وقد كان هذا المنظور الأمني هو السبب الرئيسي في معارضة الدول الغربية للتدخل العسكري في سورية طوال العم الماضي. إذ أن الحكومات الغربية أدركت الارتدادات السلبية للتدخل العسكري على الغرب؛ حتى لو قاتل الغرب نفس العدو الذي تواجهه القاعدة والفروع المرتبطة بها. 



وتشير إلى أن مظاهر قلق الدول الغربية ترتبط بآثار الأزمة السورية الطويلة المدى، والخوف من تكرار تجربة أفغانستان وما أنتجته في التسعينات من القرن الماضي، حيث تشكلت القاعدة من المجاهدين الذين مولتهم السعودية وسلحتهم الولايات المتحدة في الثمانينات لمواجهة الغزو السوفييتي لأفغانستان.



وترى الكاتبة إن موضوع الجهاديين يحتل موقعا مهما في أولويات السياسة الأوروبية، خاصة في ظل تزايد المتطوعين من هذه الدول في الحرب السورية، ويقول المركز الدولي لدراسة التشدد بكلية كينغز- لندن أن عدد الجهاديين الأجانب قد ارتفع في النصف الثاني من العام الماضي، فمن مجموع 8.500 مقاتل أجنبي هناك 2000 من دول أوروبا، خاصة فرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولاندا. 



وتضيف الـ "فايننشال تايمز" أن المتطوعين الأوروبيين عادة ما يسافرون لسورية لشهر أو شهرين ثم يعودون للراحة قبل العودة مرة أخرى لساحات المعارك، خلافا لما كان يحدث في العراق، حيث كان المتطوعون يجندون لعمليات انتحارية غالبا. وتنقل الكاتبة عن خبير أمني قوله إن تداعيات الأزمة السورية على المجتمع الدولي ليست واضحة حتى الآن، متسائلا إن كان المحاربون السابقون في سوريا سيتحولون إلى الجيل الجديد من الجهاديين الدوليين ويحلون محل جيل أفغانستان.



وتقول خلف إن تصرفات الجهاديين الأجانب ستتأثر أيضا بتطورات النزاع، فقد همشت داعش المجتمعات المحلية وبقية الجماعات المقاتلة. فقبل أسبوعين قام تحالف من الفصائل الجهادية والمقاتلين المحليين بشن هجوم على شمال سورية لاستعادة مناطق سيطر عليها الجهاديون. وفي حالة نجاحهم فإنهم قد يعملون كحاجز ردع ضد تجنيد الجهاديين الأجانب.



وفي الوقت الذي يواصل فيه المقاتلون بمواجهة بعضهم البعض، تحاول الحكومات الغربية الجمع بين مكافحة الإرهاب وبناء إستراتيجية سياسية شاملة. وسيحاول الأسد الصيد في الماء العكر، إذ أن سلوك النظام يقوم على التعامل مع أي تلميح لتخفيف الضغط كرخصة للقتل. وهي نفس الإستراتيجية التي سيستخدمها في أثناء المحادثات.
التعليقات (0)