اقتصاد عربي

دول الربيع العربي تستقبل 2014 بإرث اقتصادي ثقيل

أعلام دول الربيع العربي (أرشيفية) - ا ف ب
أعلام دول الربيع العربي (أرشيفية) - ا ف ب
تودع دول "الربيع العربيمصر وسوريا واليمن وليبيا وتونس عام 2013، لتستقبل العام الجديد، بإرث من الأزمات، بعد تحقيقها نتائج اقتصادية متردية إثر اضطرابات أمنية وسياسية متواصلة.

وتعاني دول عديدة في المنطقة العربية، من أزمات مالية جراء ما تعيشه من أحداث متوترة، لكن الأضواء لا تزال مُسلطة بشكل أكبر على بلدان ثورات "الربيع العربي"، التي انتفضت شعوبها على أنظمة حكم تطالها اتهامات بالفساد والاستبداد، للمطالبة بالتغيير إلى الأفضل.

لكن الأفضل لم يأت بعد.. مصر التي مرت بثلاث مراحل انتقالية منذ ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 ، سجلت مؤشراتها الاقتصادية خلال العام 2013 تراجعًا ملحوظًا بضغوط من الأوضاع السياسية والأمنية، التي ازدادت وتيرتها بعدما قام الجيش المصري بانقلاب عسكري إلى الرئيس المنتخب محمد مرسي، مبررا ذلك بالاستجابة لما وصفها بـ"الإرادة الشعبية".

وكشفت مؤشرات الاقتصاد حدوث تراجع ملحوظ لسعر صرف الجنيه المصري، مقابل العملات الرئيسية، وتراجع إيرادات السياحة، وازدياد معدلات البطالة.

وارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي من مستوى 6.42 جنيها مصريا بنهاية عام 2012، إلى نحو 6.92 جنيها بنهاية تعاملات شهر كانون أول/ ديسمبر.

وشهدت حركة السياحة في مصر تراجعًا ملحوظًا بنهاية عام 2013، بعد أن كانت قد استعادت جزءا كبيرا من عافيتها خلال النصف الأول من العام.

وتسببت التظاهرات التي أيدها الجيش وأدت للانقلاب على مرسي من الحكم، وما تلاها من اضطرابات سياسية وظهور عمليات عنف في سيناء وبعض المحافظات، في هبوط معدلات السياحة لمستويات قياسية.

وبحسب البنك المركزي المصري، فإن الإيرادات السياحية بلغت نحو 931.1 مليون دولار في الفترة من تموز/ يوليو وحتى أيلول/ سبتمبر، مقابل 2.6 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي.

ووفقا لتصريحات سابقة لوزير السياحة المصري هشام زعزوع، فإن الإيرادات السياحية من المتوقع أن تتراجع بنحو أربع مليارات دولار خلال 2013 ، لتصل إلى 6.5 مليار دولار، مقابل 10.5 مليار دولار عام 2012 ، بانخفاض تبلغ نسبته 38%.

ومع الضغوط التي رفعت من فاتورة الاستيراد وتكلفة الخدمات في البلاد، سجل الاحتياطي النقدي الأجنبي بالبنك المركزي المصري نحو 17.7 مليار دولار بنهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، مقابل نحو 15 مليار دولار بنهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 ، لكن تلك الزيادة يرجع معظمها إلى مساعدات مالية حصلت عليها الحكومة الحالية من دول السعودية والإمارات والكويت بعد الانقلاب على مرسي، حسب محللين ماليين.

وأعلنت الإمارات والمملكة العربية السعودية والكويت منذ تموز/ يوليو الماضي عن تقديم مساعدات لمصر تصل إلى 15.9 مليار دولار.

وسجلت معدلات البطالة في 2013 نحو 13.4%، مقابل 12.4%، حسب إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي.

خسائر سوريا تصل إلى أكثر من 200 مليار دولار

وفي سوريا لا تزال الحرب مستعرة بين قوات الأسد والمعارضة المسلحة فيما يتهاوى اقتصاد البلاد يوما تلو الآخر مع تزايد خسائره إلى أكثر من 200 مليار دولار، منذ اندلاع الثورة، بحسب تقديرات غير رسمية.

ورغم توقف عجلة الإنتاج وتقلص إنتاج آبار النفط، التي تسيطر المعارضة على معظمها، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، أكبر موازنة في تاريخ البلاد لعام 2014، بلغت 1390 مليار ليرة ( 906 مليار دولار)، مقابل 1383 مليار ليرة لعام 2013 ، تهدف في معظمها إلى دعم الجيش النظامي في مواجهة معارضي النظام.

وأثارت معدلات التضخم في سوريا الشكوك حول طبع الحكومة الأموال دون غطاء نقدي مقابل نقص المعروض من السلع والخدمات لتوقف الإنتاج وشلل عجلة الاقتصاد وارتفاع وتيرة التهرب الضريبي، إضافة إلى انخفاض قيمة الليرة السورية إلى مستويات كبيرة، حيث يتراوح سعر الدولار الأمريكي في السوق السوداء بين 144 و145 ليرة سورية، بينما سعره الرسمي 140 ليرة.

يقترب اقتصاد اليمن من حافة الانهيار

وفي اليمن، اقترب الاقتصاد من حافة الانهيار، بعد تدهور الأوضاع الأمنية وانتشار مسلحي القاعدة في البلاد، حيث تعرضت خطوط أنابيب النفط والغاز اليمنية لهجمات متعددة من مسلحين، ما أضر بصادرات البلاد من النفط الذي تعتمد عليه بنحو 60% من ميزانيتها السنوية.

ولم يتحسن الاقتصاد اليمني خلال العام الماضي على الرغم من حصول البلاد على مساعدات بلغت أكثر من ملياري دولار، من إجمالي وعود بمنح ومساعدات قدرها 7.9 مليار دولار من دول وجهات بينها السعودية، وصندوق النقد العربي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والبنك الدولي.

وتشير التوقعات إلى أن اليمن سيضطر إلى اقتراض 550 مليون دولار من صندوق النقد الدولي مطلع 2014 لتخفيف الضغوط الاقتصادية التي تفاقمت مؤخرا بفعل ارتفاع معدل التضخم السنوي الذي بلغ نحو 14.5%، وانخفاض احتياطي النقد الأجنبي.

وقلّت عائدات اليمن من صادرات النفط إلى مستويات كبيرة بسبب تراجع الإنتاج خلال الفترة بين كانون ثاني/ يناير، ويوليو/ تموز 2013 إلى 14.4 مليون برميل من 18.2 مليون برميل في الفترة نفسها من العام السابق بانخفاض بلغ 3.8 مليون برميل، وذلك بسبب أعمال العنف التي شهدتها البلاد.

وأجبر الوضع السابق الحكومة على استيراد مشتقات نفطية بمبلغ 1.594 مليار دولار خلال الفترة من كانون الثاني/ يناير إلى تموز/ يوليو من 2013 لتغطية عجز الاستهلاك المحلي في البلاد.

واليمن منتج صغير للنفط ويدور إنتاجه حاليا بين 280 و300 ألف برميل يوميا بعد أن كان يزيد على 400 ألف برميل يوميا في السنوات السابقة.

وتشكل حصة صادرات الخام التي تحصل عليها الحكومة اليمنية من تقاسم الإنتاج مع شركات النفط الأجنبية نحو 70% من موارد الموازنة العامة للدولة و63% من إجمالي صادرات البلاد و30%من الناتج المحلي الإجمالي.

وقال ناصر صالح الخبير الاقتصادي اليمني، إن اليمن يعاني من زيادة الأعباء على كاهله وغارق في فقر مدقع وسوء تغذية في بعض المناطق.

وأضاف صالح، في تصريحات لوكالة الأناضول، أن مؤشرات الفقر في اليمن ارتفعت إلى نحو 35% بالإضافة إلى معاناة نحو 3.5 مليون يمني من سوء التغذية وارتفاع مستوى البطالة إلى نحو 47%.

أكثر من سبعة مليارات دولار خسرتها ليبيا

ليبيا، لم تكن أحسن حالا من بلدان الربيع العربي الأخرى، فقد نال من اقتصادها تفكك القوى الثورية والانفجارات والهجمات المسلحة في العاصمة طرابلس، وبنغازي، وهي العاصمة السابقة المؤقتة للمجلس الوطني الانتقالي الليبي.

مصرف ليبيا المركزي توقع نمو الاقتصاد الليبي بمعدل طفيف، إذا لم تستطع البلاد التي تعتمد على صادرات النفط إنهاء الاحتجاجات.

وبحسب وزارة النفط الليبية خسرت البلاد أكثر من سبعة مليارات دولار وتواجه منافسة جديدة من الجزائر ونيجيريا في أسواق النفط بسبب وقف صادرات الخام نتيجة الاضرابات في حقول النفط والموانئ.

وتسيطر مجموعات مسلحة ورجال القبائل على معظم موانئ وحقول النفط للمطالبة بمزيد من السلطة السياسية أو زيادة الرواتب ما أدى إلى وقف تصدير النفط الذي يمثل شريان الحياة لليبيا.

وتواجه ليبيا عضو منظمة "أوبك" اضطرابات حيث تبذل حكومة رئيس الوزراء علي زيدان جهودا مضنية للسيطرة على عشرات المجموعات المسلحة التي ساعدت في الإطاحة بمعمر القذافي قبل عامين لكنها ترفض إلقاء السلاح.

تونس تشهد تقدما طفيفا في الاقتصاد

وفي تونس أيقونة الثورات العربية، فقد شهد أداءها الاقتصادي تحسنا طفيفا خلال 2013 ، مقابل العام السابق له على الرغم من خلافات حادة بين الحزب الحاكم والقوى السياسية تجلت في عدم الاتفاق لفترات طويلة على شخص رئيس الحكومة إضافة إلى الخلل الأمني الذي لحق بالبلاد إثر اغتيال رموز من المعارضة.

وبحسب المعهد التونسي للإحصاء، نما اقتصاد البلاد بنسبة 2.4%، خلال الربع الثالث من هذا العام، ليبلغ النمو خلال الأشهر التسعة الأولى من 2013 نسبة 2.8%، كما تراجعت معدلات البطالة بنسبة 0.2% في الربع الثالث من العام إلى 15.7% مقارنة بـ15.9 في المائة في الربع الثاني، وبالرغم من ذلك فمن المتوقع أن يصل عجز الموازنة العامة للدولة نحو 7.4%.

ومن المتوقع أن يصل حجم الموازنة العامة لتونس خلال العام المقبل إلى 28.3 بليون دينار (17.687 مليار دولار)، وبزيادة تقدر بنسبة 2.2% بالمقارنة مع حجم موازنة العام الجاري.

وبهدف ترشيد الإنفاق الحكومي وزيادة الإيرادات تسعى تونس خلال عام 2014 إلى الزيادة في المشاريع التنموية بالإضافة إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية وسلسلة من الإجراءات لتحسين إيراداتها من الضرائب منها سن قانون جديد ينص على فرض ضريبة بنسبة 35% على كل من يتجاوز دخله السنوي 40 ألف دينار (25 ألف دولار).

وحول قطاع السياحة كشفت وزارة السياحة التونسية أن إيرادات القطاع السياحي بلغت 2.33 مليار دينار أي ما يعادل 1.42 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري.

وبلغ عدد السياح الذين زاروا تونس منذ بداية العام الجاري إلى نهاية أيلول/ سبتمبر، 4.950 ملايين سائح، وأكدت الوزارة ارتفاع إيرادات السياحة في تونس بنسبة 2.7% في الأشهر التسعة الأولى من عام 2013 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، دون أن تصل إلى مستويات ما قبل الثورة (أقل بنسبة 6.7% من إيرادات الفترة المقابلة من عام 2010).

ويعد قطاع السياحة في تونس، من أهم ركائز الاقتصاد، ويساهم بـ 19% من الناتج المحلي ويمثل 60% من موارد البلاد من العملة الصعبة كما يعمل به نحو 400 ألف شخص.

دول الربيع العربي تستقبل العام الجديد بإرث ثقيل

وتقول راندة الزغبى، مدير مركز المشروعات الدولية المتخصصة بالقاهرة، وهو مركز تابع لغرفة التجارة الأمريكية بواشنطن، إن بلدان الربيع العربي تعاني ظروفا اقتصادية صعبة لا تتوقع التخلص منها قريبا بسبب استمرار الاضطرابات الداخلية.

وأضافت الزغبي أن بلدان الربيع العربي ستستقبل العام الجديد بإرث ثقيل من المشكلات الاقتصادية لكن بعضها التي تعتمد على النفط بنسبة كبيرة في اقتصادها مثل ليبيا وسوريا قد تشهد تحسنا اقتصاديا، إذا انتهى النزاع المسلح فيها واستؤنفت عمليات تصدير النفط، لكن الدول الأخرى مثل تونس ومصر واليمن، والتي تعتمد على اقتصاد متنوع تحتاج إلى توافق داخلي بين طوائفها المختلفة حتى تعيد دورة الإنتاج الاقتصادي مرة أخرى.
التعليقات (0)