سياسة دولية

هل تتم مُحاسبة "الأونروا" بسبب موقفها من دعوى جنوب أفريقيا؟

العزة: "محاولات تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين ليست بالأمر الجديد"- جيتي
العزة: "محاولات تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين ليست بالأمر الجديد"- جيتي
اثنتا عشرة دولة، من أبرز الداعمين ماليا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، أعلنت خلال الأيام القليلة الماضية، عن إيقاف دعمها للوكالة، وذلك بعد سلسلة من مزاعم دولة الاحتلال الإسرائيلي بضلوع 12 من موظفي "الأونروا" الذين يبلغ عددهم 13 ألفا في قطاع غزة، في عمليات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ضد المستوطنات في الأراضي المحتلة.

وبحسب وثيقة عملت عليها "عربي21"، فإنه على الرغم من أن دولا عدّة، عبر العالم، تشارك في دعم هذه المنظمة الأممية، التي تُعنى بأوضاع الفلسطينيين، فإن حصة الأسد كانت تعود إلى الولايات المتحدة التي تشكل مساهما فرديا أساسيا، إذ بلغت مساعدتها المالية خلال عام 2022 نحو 222 مليون دولار.

وجاءت إعلانات الدول بإيقاف دعمها للوكالة (الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وإيطاليا وبريطانيا وفنلندا وألمانيا وهولندا وفرنسا وسويسرا واليابان والنمسا) عقب ساعات فقط من إعلان محكمة العدل الدولية في لاهاي رفضها مطالب دولة الاحتلال الإسرائيلي بإسقاط دعوى الإبادة الجماعية في غزة، وهي التي رفعتها ضدها جنوب أفريقيا، وحكمت مؤقتا بإلزام دولة الاحتلال بتدابير لوقف الإبادة وإدخال المساعدات الإنسانية.

إلى ذلك، رصدت "عربي21" حجم تمويلات الدول الاثنتي عشرة التي قامت بتعليق دعمها المادي للوكالة، لتخلص إلى أن الرقم يُمكن وصفه بـ"الصادم" بالمقارنة مع إجمالي التمويلات التي قُدّمت خلال عام 2022؛ لتكون الخسارة المرتقبة هي 552 مليون دولار، من أصل 750 مليون دولار. وذلك في حالة تعنّت الدول وإصرارها على عدم تمويلها للوكالة التي تُعنى بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين.

وفي هذا السياق، انتشر تخوّف بين الأهالي الغزّيين من أن تعليق الدول لدعمها المالي للمنظمة الأممية قد يكون معاقبة عن إعلان محكمة العدل الدولية بالقول إن الأمر سيؤدي إلى تدهور مُتزايد في الوضع المعيشي للقطاع، خاصة في ظل الأحداث الجارية، التي دمّر خلالها الاحتلال الإسرائيلي كل منابع الحياة، ولم يرحم حجرا ولا بشرا، في انتهاك صريح للقوانين الدولية الإنسانية كافة.

محاولات تصفية قضية اللاجئين
تفاعلا مع تخوّف الغزّيين، ومع مدى تأثير إعلان محكمة العدل الدولية في لاهاي عن سحب الدول لدعمها للوكالة، قال المختص في القانون الدولي، عبد القادر العزة، في حديثه لـ"عربي21"، إنهم "معنيون بحل الوكالة، وإيجاد حلول أخرى للاجئين، بعيدا عن العودة وتحقيق العدالة الدولية وقرارات الأمم المتحدة؛ حيث إن الوكالة هي الشاهد الوحيد على قضية اللاجئين الفلسطينيين".

وأوضح العزة، الحاصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق القانونية والسياسية للاجئين الفلسطينيين، أنه "بناءً على أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" تأسست بتفويض من الجمعية العامة، المنصوص عليه في القرار رقم 302، والذي يتعلق بتنفيذ القرار رقم 194 المتعلق بحق اللاجئين في العودة والتعويض، فإنها مسؤولة أمامها فحسب، وهي التي بيدها إنهاء هذا التفويض بقرار فقط". 

وتابع: "لكن بقي المتحكم بهذا التفويض الدول صاحبة التمويل الأكبر التي بيدها سياسات وخدمات الوكالة، باعتبار أن الأونروا تعتمد على تبرعات الدول المانحة في تأمين معظم ميزانيتها، وأبرز هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية".

اظهار أخبار متعلقة


وأضاف العزة في حديثه لـ"عربي21" أن "تعليق بعض الدول دعمها المالي لـ"الأونروا" يرمي إلى إلغاء قرار 194، من أجل تصفية وإنهاء دور الوكالة، عبر تجفيف الدعم للموازنة العامة ومواردها، للضغط عليها لتقليص الخدمات في مناطق عملياتها (الضفة الغربية، غزة، الأردن، سوريا، لبنان)".

وتابع: "يحاولون كذلك تصفية أعمالها، وإلحاق اللاجئين الفلسطينيين ضمن صلاحيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو نقل مسؤوليات الأونروا إلى الدول المضيفة، ضاربة بذلك عرض الحائط بكل المعاهدات والقوانين الأممية التي تنص على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها عام 1948م، وعدم الاعتراف بحق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره، وفقًا للشرعية المجتمعية والتاريخية لهذا الشعب".

إلى ذلك، أكد العزة على أن "محاولات تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين ليست بالأمر الجديد، غير أنه منذ أواخر عام 2015 اشتدت، وذلك بعد وصول الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى الحكم، وتصاعدت السياسات التقويضية الأمريكية لتصفية الأونروا، فموقف الإدارة الأمريكية الجديد ومصالحها ينسجم مع إسرائيل أكثر من ذي قبل".

واسترسل: "لقد لعبت الولايات المتحدة تاريخياً دوراً غامضاً تجاه الفلسطينيين: فمن ناحية، قدمت الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل، ومن ناحية أخرى، قدمت مساعدات إنسانية للفلسطينيين"، مشيرا إلى أن "الدعم السياسي لوكالة الأمم "الأونروا" ما زال مستمرًا من قبل المجتمع الدولي، ويُعتبر ذلك اعترافًا رسميًا بالدور والأهمية الذي تلعبه الوكالة، وعدم إمكانية التخلي عنها، خاصة في ظل التحديات السياسية والمالية التي تواجهها".

وأردف: "في الحقيقة، إن وكالة الأونروا تمر من أزمة وجودية أكثر منها مالية، فهي تعاني من أزمة مالية منذ تأسيسها"، مؤكدا على أن "حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الفردي وحق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير المصير الجماعي لا يرتبط بوجود الأونروا فحسب، أو بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194 والقرارات الأخرى ذات الصلة، إذ لم تنشئ هذه القرارات حق العودة وتقرير المصير في الأساس، بل أكدت عليه كحق مشروع لإحقاق العدالة الدولية".

تجدر الإشارة إلى أنه وفقا لبيانات الأمم المتحدة، الصادرة خلال آب/ أغسطس الماضي، فإن "63 في المئة من سكان غزة يعانون انعدام الأمن الغذائي، ويعتمدون على المساعدات الدولية. ويعيش أكثر من 80 في المئة من السكان تحت خط الفقر".

اظهار أخبار متعلقة


ومنذ انطلاق عدوان الاحتلال الإسرائيلي المُتواصل على الأهالي في قطاع غزة المحاصر، أصبحت "الأونروا" هي الجهة الأساسية التي تعمل على توفير خدمات الإغاثة لكل من اللاجئين وباقي سكان القطاع. 

وتأسّست "وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" في كانون الأول/ ديسمبر 1949، وذلك بموجب قرار أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في أعقاب الحرب الأولى، التي اندلعت غداة إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي.
التعليقات (0)