قضايا وآراء

هل خيّب نصر الله انتظارات المنتظرين؟.. بين الطاقة العاطفية ومقتضيات الجغرافيا والزمن

بحري العرفاوي
هل كان يُنتظر من نصر الله غير الذي أعلنه؟
هل كان يُنتظر من نصر الله غير الذي أعلنه؟
1- ملاحظات في الشكل

أ- تم الإعلان عن الخطاب قبل أيام، وفي ذلك دلالات ورسائل عديدة بأن الخطاب ليس مجرد كلام عادي وأنه حدث وليس حديثا، وأنه يستحق أن يُضرب له موعد وأن يستعد له المهتمون فيرتبون التزاماتهم بما يسمح بتخصيص وقت لسماع الخطاب.

ب- الخطاب ليس موجها فقط لجمهور المقاومة أو لأنصار الحزب أو للناس في غزة وباقي الأراضي المحتلة، إنما هو موجه للعدو ولداعميه وعلى رأسهم الولايات المتحدة.

ج- الإعلان عن موعد الخطاب كان فسحا لمجال الوساطات وتقديم العروض قبل إعلان أي التزام عسكري لن يكون ممكنا التراجع عنه حفاظا على ما يتمتع به صاحب الخطاب من مصداقية وموثوقية، فالخطاب الذي سمعناه ليس خاليا من "تعديل" على ضوء اتصالات أعتقد أنها حصلت من أجل تهدئة الأجواء في المنطقة مع تعهد تلك الجهات المتدخلة بالإسراع في العمل على إيقاف العدوان، وقد أشار الخطيب إلى الجهة المسؤولة عن الحرب محملا إياها مسؤولية إيقافها ومشيرا إلى مطالبتها هي للحزب بعدم توسيع دائرة الصراع.

2- في دلالات الخطاب
في الحروب، التهديد بسلاح أفضل من استعماله، وأكثر الحروب ربحية هي التي نحقق أهدافها دون خوضها، وهذا أسلوب يستخلصه ذوو التجارب الكبيرة من معاركهم السابقة التي خاضوها وقدموا فيها تضحيات، وهو أسلوب يوائم بين تحقيق قدر عال من الأهداف مع تخفيف حجم الكوارث والمصائب

في الحروب، التهديد بسلاح أفضل من استعماله، وأكثر الحروب ربحية هي التي نحقق أهدافها دون خوضها، وهذا أسلوب يستخلصه ذوو التجارب الكبيرة من معاركهم السابقة التي خاضوها وقدموا فيها تضحيات، وهو أسلوب يوائم بين تحقيق قدر عال من الأهداف مع تخفيف حجم الكوارث والمصائب، وهي كوارث كبرى ولكنها ستكون أكبر بدخول المنطقة حربا كبرى.

الخطيب أكد حقيقة أن  عملية "طوفان الأقصى" هي قرار حماس وتنفيذ حماس، والأرجح أنها رسالة لأطراف تبرر قبولها ذبح حماس وتدمير غزة بكون إيران وحزب الله وراء العملية. المتخوفون من حضور إيران في الطوفان هم الأمريكان والأوروبيون وأغلب حكام العرب، وقد أشار الخطيب بوضوح إلى ذلك حين قال إن المتخوفين من انتصار حماس يخشون أن يكون انتصارها انتصارا لإيران وللإخوان.

الخطيب طمأن حكام العرب بأن انتصار غزة هو انتصار للبنان ولمصر ولسوريا وللعراق وللجميع.

التحكم في منسوب الدعم تحكمه موازنات عدة؛ موازنة لبنانية حيث يعارض عدد من اللبنانيين اشتراك الحزب في حرب قد تجلب على بلدهم ويلات شبيهة بويلات حرب تموز 2006، وموازنات عربية، حيث لا يريد حزب الله ولا الإيرانيون ملأ الفراغ بالكامل في غياب عواصم عربية وازنة مثل مصر والسعودية حتى لا يجد أعداء المقاومة الفلسطينية مبررا للتحريض عليها. وقد لاحظنا تحركات وزير خارجية إيران في كل الاتجاهات واتصالاته بالمسؤولين في مصر والسعودية وتركيا إلى جانب لبنان وسوريا، وكذلك فعل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

الخطاب كانت فيه إشادة كبيرة بشجاعة المقاومة الفلسطينية وبعراقة الشعب الفلسطيني وعلو همته ووافر عطائه وعظيم صبره، وفي الخطاب تذكير بالقيم الانتصارية وبمعاني الصبر والصمود، وهي رسالة موجهةٌ لطَيْفٍ كبير من ذوي العواطف الجياشة قد يضعفون أمام مشاهد الخراب والموت والعذاب، تلك طبيعة إنسانية تجعلنا أحيانا نفقد معنى الحياة حين تتكالب علينا المصائب بما يفوق طاقتنا وصبرنا وقدراتنا، وهي حالات نحتاج فيها استمداد طاقة إضافية من عالم الغيب.

وتأكيده على أن الجبهة اللبنانية "لم تكتف" بما قدمته بداية من اليوم الثاني لطوفان الأقصى، هو ليس كلاما لطمأنة أصدقاء يعرفون ما قد يكون بينهم من اتفاق ضمني، ولكنه كلام موجه للعدو لتهديده بأن الجبهة اللبنانية ستتدخل بما يخدم الهدف من المعركة وهو انتصار فلسطين وانتصار حماس بالذات.

ذكر بأن الانتصار لن يكون انتصارا "بالضربة القاضية" لأن موازين القوى لا تسمح بذلك، وهذا لا يحتاج تفصيلا، وإنما الانتصار الممكن هو "انتصار بالنقاط"، وهذه استراتيجية الحروب الطويلة، تحتاج طول نفس وصبرا واحتسابا واستعدادا للتضحية والعطاء.

نقطة مهمة تضمنها الخطاب، وهي الذهاب مباشرة إلى "رأس الأفعى" بدل ضرب ذيلها، فقد اتهم أمريكا بكونها هي المعتدية وكونها أتت للمنطقة لتخويف الشعوب ولمساندة الكيان الغاصب، وهو يذكّرها بتفجير مقر المارينز ببيروت في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 1983؛ وقتل 300 من عناصرها، ليقول لهم إن من هزموكم يومها هم الآن معهم أبناؤهم وأحفادهم وأن الوسائل متوفرة (وهذه رسالة يفهما الأمريكان جيدا).

3- سقف الخطاب وأحلام المنتظرين

حدد الخطيب هدفين؛ هدفا عاجلا هو شرط لعدم توسع دائرة الحرب، وهدفا بعيدا رأى أن تحققه حتمي لارتباطه بأمن الجميع وخاصة لبنان ومصر وسوريا والأردن، حيث سيمنع انتصار غزة عنجهية الكيان المحتل فلا يفكر في مزيد العدوان على تلك الدول، والهدفان هما:

من يرفعون سقف الانتظارات هم من يحسنون الظن بجهة معينة، وبقدر ما تكون الانتظارات عالية تكون الخيبات صادمة حين لا نجد حدا معقولا مما انتظرناه. ولكن علينا ونحن نرسم انتظاراتنا أن نعيد النظر في المشهد لا بما هو حالة نفسية، بل بما هو واقع متحرك في الجغرافيا وفي الزمن
أ- إيقاف العدوان، وهو هدف عاجل وممكن، ومتاح حتى للدول المتراخية، إذ يمكن أن يكون لها شرف الإسهام في تحقيقه، وقد عجزت عن دعم المجهود القتالي للمقاومة. ويرى الخطيب أن الأمريكان معنيون قبل غيرهم بذلك لكونهم هم من يدير العدوان.

ب- تحقيق انتصار غزة، وهذا يترك مجال تدخل الجبهة اللبنانية مفتوحا ويبقى الاحتمال واردا في أي لحظة، وتلك رسالة واضحة لمن يشتغل على دلالات الخطاب، فالذين يعملون على إطالة أمد الحرب ويشجعون الكيان الغاصب على التمادي في العدوان عليهم أن ينتظروا تدخل أطراف عدة في المعركة وبنسق أكبر، وقد ذكر العراق واليمن.

ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي كان فيها الكثير من الخيبة، خاصة ممن كانوا شبه متأكدين من أن الأمين العام لحزب الله سيُعلن بشكل واضح عن دخوله المباشر في المعركة.

عادة، من يرفعون سقف الانتظارات هم من يحسنون الظن بجهة معينة، وبقدر ما تكون الانتظارات عالية تكون الخيبات صادمة حين لا نجد حدا معقولا مما انتظرناه. ولكن علينا ونحن نرسم انتظاراتنا أن نعيد النظر في المشهد لا بما هو حالة نفسية، بل بما هو واقع متحرك في الجغرافيا وفي الزمن. وهنا علينا الاستعانة بأهل الاختصاص في مجال الحروب وحركات المقاومة حتى يكون فهمنا أدقّ وحتى لا نشعر بالخيبة بسبب توقعات هي أقرب للأمنيات منها إلى الاستشراف.

twitter.com/bahriarfaoui1
التعليقات (0)