قضايا وآراء

تجربة الكويت مع الإخوان وغيرهم

عبد العزيز محمد العنجري
تجرى في الكويت انتخابات يشارك فيها مختلف التيارات- جيتي
تجرى في الكويت انتخابات يشارك فيها مختلف التيارات- جيتي
رغم تاريخ طويل من الوفاق بين الإخوان المسلمين ونظم الحكم في الخليج منذ الستينات، وصولاً إلى الألفية الجديدة، إلا أن تجربة تأسيس نظام سياسي جديد في مصر بعد ٢٠١١ أثارت مخاوف بعض دول الخليج. وقد عبرت هذه المخاوف عن نفسها في نماذج مختلفة في التعامل مع الإخوان المسلمين في الخليج؛ كان أبرزها الإمارات التي يبدو أنه أزعجها تزايد التجارب الديمقراطية في المنطقة، وكان مجرد فتح هذه النافذة ولا يزال سببا لإثارة كثير من المخاوف لديها، فلجأت لاتخاذ خطوات صارمة ضد الجماعة وتصنيفها إرهابية.

وفي المقابل قدمت الكويت نموذجا مختلفا للتعامل مع الإخوان، يمكن وصفه بالاحتواء بدلا من الإقصاء، حيث لم تلجأ السلطات لإظهار عداء تجاههم، بل على العكس، واصلت احتضان مؤسساتهم التي تقوم بأنشطة خيرية وإنسانية في الداخل والخارج، إلى جانب مؤسسات كويتية أخرى تتبع تيارات فكرية مختلفة، وجميعها تحظى بمتابعة دقيقة من السلطات الكويتية. كما شارك ممثلو الحركة الدستورية الإسلامية، الجناح السياسي للإخوان في العمل السياسي في الكويت، ولهم ممثلون في مجلس الأمة (البرلمان) طوال السنوات الماضية.

وفي تفسير التمايز الكويتي في التعامل مع الإخوان، نجد أنه من الناحية السياسية تحظى الكويت بنظام دستوري يسمح بهامش عال من حرية التعبير والصحافة وإقامة التجمعات، بالإضافة لوجود صلاحيات محدودة ولكن حقيقية لمراقبة أداء الحكومة من قبل أعضاء البرلمان، وهو ما يعزز ملامح الديمقراطية نسبياً ويمنع -بشكل طبيعي- ظهور تيارات سياسية عنيفة في المجتمع، ولذلك لم تجد تنظيمات مثل القاعدة وداعش بيئة صالحة لها للعمل داخل الكويت.

تحظى الكويت بنظام دستوري يسمح بهامش عال من حرية التعبير والصحافة وإقامة التجمعات، بالإضافة لوجود صلاحيات محدودة ولكن حقيقية لمراقبة أداء الحكومة من قبل أعضاء البرلمان، وهو ما يعزز ملامح الديمقراطية نسبياً ويمنع -بشكل طبيعي- ظهور تيارات سياسية عنيفة في المجتمع

ومن الناحية الاجتماعية، تسود الكويت ثقافة التسامح والتعايش بين مختلف فئات المجتمع، ويعيش فيها مواطنون من خلفيات متنوعة ويتقبلون بعضهم البعض. ونظراً لهذا الوضع السياسي والاجتماعي الفريد، فإن الحكومات الكويتية المتعاقبة لم تجد نفسها في حاجة إلى اتخاذ أي موقف حاد تجاه الإخوان المسلمين أو غيرهم من التيارات، حيث تزخر الكويت بديناميكية مجتمعية فيها علمانيون وليبراليون واشتراكيون جنبا إلى جنب مع تيارات إسلامية فاعلة من السلفيين والإخوان بالإضافة لتيارات شيعية. وفي كثير من الأحيان، نجد بينهم تعاوناً وتوافقا في إطار المصلحة الوطنية رغم بعض الخلافات والاختلافات.

وفي الواقع، ومن خلال نقاشي من بعض الخبراء، يمكن تقييم النموذج الكويتي في التعايش والمشاركة والاحتواء بأنه نموذج ناجح، يساهم في تعزيز التعاون والتفاهم بين مختلف طوائف المجتمع والتيارات الفكرية والسياسية، كما يمنح المواطنين شعورا بالانتماء لعملية صنع القرار. وعلى الرغم من أن زيادة هامش الحريات والتعبير والصحافة قد يؤدي إلى ارتفاع الأصوات وتداخلها مما قد يوحي بوجود مشكلات، إلا أن هذه الظاهرة إيجابية. فالتنفيس عما في داخل الصدور بصورة مفتوحة أصح للمجتمعات من كتمان الآراء في داخل الفرد، حيث يمكن أن تتحول تلك البراكين المكتومة إلى ثورات عنيفة ومتفجرة.

فسياسات القمع والتضييق على الحريات قد تظهر هدوءا فوق السطح، لكنه هدوء مصطنع، ولا يمكن إخفاء الحقيقة الواضحة، وهي أن جذور الثورات العربية والأفكار المرتبطة بتغيير النظم لا تزال متجذرة وممتدة تحت سطح المنطقة، مهما أصاب التربة من جفاف، وستظل هذه الجذور حية، طالما أن الأسباب التي أدت إلى وجودها لم تتغير.

ما الذي يمنع التفكير الجاد في الاستفادة من محاسن التجربة الكويتية نحو توسيع هامش الحريات والتعبير لتعزيز مزيد من الاستقرار والتوافق في المجتمعات العربية والإقليمية؟

إذا، ما الذي يمنع التفكير الجاد في الاستفادة من محاسن التجربة الكويتية نحو توسيع هامش الحريات والتعبير لتعزيز مزيد من الاستقرار والتوافق في المجتمعات العربية والإقليمية؟

وختاما، اليوم ونحن على أعتاب انتخابات برلمانية جديدة في الكويت، يرى بعض المتابعين لشأننا المحلي أن التجربة الديمقراطية لم تحقق القفزات التنموية المطلوبة، وترتفع أصواتهم بالنقد اللاذع لتجربتنا، ونحن نتفق معهم في أجزاء من هذا النقد. ومع ذلك، نحن متمسكون بهامش الحرية الواسع الذي تتيحه الكويت، والممتد بظلاله ليجعل الآخرين قادرين على نقدنا دون خوف أو وجل في وقت يعجزون فيه عن نقد مسؤول صغير في بلدانهم.

وهذا يذكرني بنكتة قالها الرئيس الأمريكي السابق ريغان في أحد خطاباته عن جدال بين روسي وأمريكي، قال الأمريكي: يمكنني أن أدخل إلى البيت الأبيض وأضرب بيدي على مكتب الرئيس وأقول له: "سيدي الرئيس، لا أحب الطريقة التي تدير بها البلد". فقال الروسي: "وأنا يمكنني فعل ذلك أيضا في روسيا.. يمكنني أن أدخل إلى مبنى الكرملين وأذهب إلى مكتب الأمين العام. وأقرع بيدي على مكتبه وأقول له: "سيدي الأمين العام، أنا لا أحب الطريقة التي يدير بها ريغان بلاده".
التعليقات (1)
عبدالله
السبت، 06-05-2023 05:06 م
اتفق معك تماما اخي عبدالعزيز في توصيفك للحالة الكويتية، وهي استثناء في دول الخليج.. لكني لا أجد تفسيرا معقولا لضخ حكومة الكويت مليارات الدولارات لإسناد دكتاتور مصر السيسي وذبح الشعب المصري، ثم تسليمها لمعارضين مصريين بشبهة الانتماء للإخوان ليتولى السيسي وزبانيته تغييبهم في السجون وتعذيبهم وإصدار أحكام قاسية عليهم..فأي مصلحة تحققت للكويت من وراء ذلك؟ وبأي ذنب يقتل المصريون بدعم كويتي؟