اقتصاد دولي

كيف تسببت الحرب على العملات المشفرة في حدوث أزمة مصرفية؟

المجلة قالت إن شركات التشفير المصرفية لم تكن محظورة بل جُعلت مكلفة للغاية ومحفوفة بالمخاطر- جيتي
المجلة قالت إن شركات التشفير المصرفية لم تكن محظورة بل جُعلت مكلفة للغاية ومحفوفة بالمخاطر- جيتي
نشرت مجلة "كاونتر بانش" الأمريكية تقريرًا تحدثت فيه عن كيفية تسبب الحرب على العملات المشفرة في حدوث أزمة مصرفية.

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن خبيري العملات المشفرة كيتلين لونج ونيك كارتر يقران بالصلة بين العملة المشفرة والأزمة المصرفية الأخيرة والتهديدات التي انجرّت عنها، ولكنهما قدما حجة مقنعة: إن مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية وهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية والاحتياطي الفيدرالي هي التي تسببت في انهيار البنوك من خلال "الحرب على العملات المشفرة" المنسقة وغير القضائية التي منعت هذه الصناعة من الحصول على الخدمات المصرفية التي تحتاجها.

اظهار أخبار متعلقة


الحرب على العملات المشفرة
في مقال نُشر في شباط/ فبراير 2023، أوضح كارتر أن الحكومة الفيدرالية كانت تحاول حظر العملات المشفرة. وفي هذا الصدد، خضع البنكان الأكثر تركيزًا على العملات المشفرة، وهما "سلفرغيت" و"سغنتشر"، للتصفية والحراسة القضائية على التوالي. وينضاف إلى ذلك الخسائر التي سجلاها نتيجة "الرهانات السيئة" والفشل في التعامل مع المودعين المتعثرين. وتشير معظم الأدلة العامة إلى أن بنكي "سيلفرغيت" و"سيغنتشر" لم يكونا المسؤولين عن انهيارهما، بل كان هناك من يقف وراء ذلك.

في كانون الثاني/ يناير 2023، لاحظ البعض في مجال التشفير نشاطًا منسقًا للغاية بين البيت الأبيض والمنظمين الماليين والاحتياطي الفيدرالي بهدف ثني البنوك عن التعامل مع عملاء التشفير، مما يجعل من الصعب جدًا على الصناعة العمل في تجاوز صارخ لصلاحيات السلطة التنفيذية المعتادة.

وأوردت المجلة أن شركات التشفير المصرفية لم تكن محظورة بل جُعلت مكلفة للغاية ومحفوفة بالمخاطر فيما يتعلّق بالسمعة، من خلال دفن البنك في الأوراق والاستجوابات غير السارة من المنظمين. وأوضح بنك الاحتياطي الفيدرالي أيضًا أنه سيتم رفض المواثيق المصرفية الجديدة التي تركز على التشفير.

لقد توقف بنكا "سيلفرغيت" و"سيغنتشر" عن العمل، ويهرع المودعون حاليا إلى أكبر المؤسسات المصرفية، أو صناديق أسواق المال، أو يحتفظون ببساطة بسندات الخزانة مباشرة. وسواء كانت هذه السياسات متعمّدة أو لا، فإنها ستؤدي إلى انهيار البنوك الصغيرة مما سيجعل الائتمان أكثر ندرة، ويحد من القدرة التنافسية في قطاع البنوك، ويسهل وضع السياسة عن طريق حشد عدد قليل من البنوك الكبيرة لتحقيق أهداف سياسية.

لاحظ كارتر أن الأزمة المصرفية كانت ناجمة عن محاولة بنك الاحتياطي الفيدرالي عكس الآثار التضخمية للإنفاق الحكومي الزائد، لا سيما معالجة آثار جائحة كوفيد-19، عن طريق رفع أسعار الفائدة. ونتيجة لذلك، انخفضت قيمة محافظ السندات الحكومية مما تسبب في خسائر غير محققة بقيمة 620 مليار دولار أمريكي للبنوك الأمريكية بشكل جماعي.

وكتب كارتر أن "معظم البنوك تتكبد حاليا خسائر كبيرة في محافظ سنداتها، لكنها لا تواجه تهافتًا من عملائها. لقد انهار بنك "سلفرغيت" لأنه تم تملق المودعين المتبقين وتعرضوا للتخويف لسحب أموالهم". وقرار الاستحواذ على بنك "سيغنتشر" أكبر دليل قاطع على ذلك، حسب كارتر.

أشار كارتر إلى أن صناعة التشفير وجدت حليفًا غير متوقع وهو بارني فرانك، الرئيس السابق للجنة الخدمات المالية في مجلس النواب، وقانون "دود فرانك"، وعضو مجلس إدارة بنك "سيغنتشر". زعم كارتر أنه كان بإمكان البنك إعادة فتح أبوابه وأن القيادة صدمت عندما وُضع تحت الحراسة القضائية. وفي مقابلة مع مجلة "نيويورك"، لم يترك فرانك "أي شك على الإطلاق في أن الإغلاق كان بمثابة مهمة سياسية ناجحة، مدفوعة في المقام الأول بالرغبة في بعث رسالة إلى صناعة التشفير".

إن المعاملة المتباينة الممنوحة لبنك "سيغنتشر" مقارنة ببنك "باك ويست" أو "فيرست ريبابليك" معبرة للغاية. كان كلا البنكين في وضع مالي مماثل أو أسوأ، ومع ذلك مُنح كلاهما الوقت لإنقاذ نفسيهما، في حين تم الاستحواذ على بنك "سيغنتشر" مباشرة بعد انهيار بنك وادي السيليكون.

وأشارت المجلة إلى أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن عمليات الاستحواذ على بنكي "سيلفرغيت" و"سيغنيتشر" تمثل حالة من انعدام القانون المرتبط بالأنظمة الاستبدادية. ففي المجتمع القانوني، لا يتم الاستحواذ على البنوك الميسرة من قبل الحكومة لمجرد أن عملاءها محبطون سياسيا. ونتيجة لذلك، سيتوجه مبتكرو العملات المشفرة إلى الخارج. وهذه الخطوة تحدث بالفعل.

اظهار أخبار متعلقة


إزالة بنك "كوستوديا": قضية حقوق الدول
يتمثل الدليل القاطع الثاني على أن الأزمة المصرفية مدبّرة في رفض مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية التأمين على بنك "كوستوديا"، الذي كان لديه نموذج أعمال احتياطي بنسبة 100 بالمئة ولم يكن سيكلفها شيئًا ولا يشكل أي خطر على الجمهور. كان هدف بنك "كوستوديا" مجرد توفير ضمان آمن من الدولارات إلى العملات المشفرة.

وفي الواقع، لم يكن بنك "كوستوديا" بحاجة إلى ضمان ودائعه، لأنه لم يكن سيقدم قروضًا منها بل كان سيبقيها في الاحتياطي للمودعين. وقد احتاج البنك فقط إلى تأمين من مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية لأنه بدونه رفض بنك الاحتياطي الفيدرالي منح بنك "كوستوديا" حسابًا رئيسيًا، وهو أمر ضروري للمشاركة في نظام الدفع الوطني.

من جانبها، تجادل كيتلين لونج بأن هذه القاعدة المفروضة حديثًا تشكل انتهاكًا غير دستوري لحق الدول القديم في تأجير بنوكها الخاصة. وفي مقال نُشر في 17 نيسان/ أبريل بعنوان "لماذا يعتبر الدفاع عن حق الدول في تأجير البنوك دون إذن فيدرالي أمرًا بالغ الأهمية"، ذكرت لونج أنه قبل عقد من الزمان، لم يكن يُسمع عن أن البنك سيتوقف عن خدمة مجموعات كاملة من العملاء أو الأشخاص في الصناعات المشروعة. ولم يُسمع أيضًا عن أن البنوك سيتم حظرها من الوصول إلى أي من المرافقين الفيدراليين في الصناعة المصرفية، والتي تشمل تأمين الودائع ونظام الدفع بالدولار الأمريكي.

وحسب المجلة، يُظهر التاريخ التشريعي أن الكونغرس بذل جهودًا كبيرة للحفاظ على السير الطبيعي لهذين المرفقين وفصلها تمامًا عن سلطة البنوك المستأجرة. وكوسيلة للتحقق والموازنة، أراد الكونغرس أن تشرف الولايات أو مكتب مراقب العملة - الوكالة الفيدرالية الوحيدة التي يمكنها تأجير البنوك - حصريا على جميع أعمال التأجير. وكان الوصول إلى هذين المرفقين تلقائيًا بالنسبة للبنوك المؤهلة، وإن كان ذلك مع أقساط التأمين الخاصة بالبنك وقيود السحب على المكشوف.

ذكرت المجلة أن النظام المصرفي المزدوج - الفيدرالي والولائي - يعود إلى أيام أبراهام لنكولن، عندما تم تمرير قانون البنك الوطني. وقبل ذلك، كانت البنوك المستأجرة من الدولة تُصدر عملاتها الخاصة كسندات إذنية ورقية تحمل أسماءها عليها، وهو نظام غير مستقر. وقد وحّد قانون البنك الوطني البلاد تحت عملة ورقية واحدة، الدولار الأمريكي، من خلال فرض ضريبة بنسبة 10 بالمئة على السندات الإذنية الأخرى الصادرة عن البنوك. ومع تأسيس الاحتياطي الفيدرالي في سنة 1913، أصبح الدولار الأمريكي بمثابة مذكرة الاحتياطي الفيدرالي. وتم إصدار العملة الوطنية فيدراليًا لكن الولايات احتفظت بالحق في استئجار البنوك، بينما لا يتمتع بنك الاحتياطي الفيدرالي ولا مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية بحق النقض على قرارات الدولة.

اظهار أخبار متعلقة


البنوك العامة ولغز مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية
تتجه حركة البنوك العامة بشكل خاص نحو التنمية الاقتصادية المحلية. ويعتبر بنك "نورث داكوتا" النموذج الممتاز والوحيد في الولايات المتحدة، الذي تم تأسيسه في سنة 1919 عندما كان المزارعون المحليون يفقدون مزارعهم بسبب حجوزات الرهن من قبل كبرى البنوك خارج الدولة.

وأوضحت المجلة أن البنوك المحلية في الولاية محمية أيضًا من قبل بنك "نورث داكوتا"، الذي يُحظر التنافس معه. بدلاً من ذلك، يشارك معهم ويساعد في السيولة والرسملة. وقد أطلق على بنك "نورث داكوتا" اسم "بنك الاحتياطي الفيدرالي المصغر" للدولة وبنوكها. ويساعد ذلك في تفسير سبب وجود عدد أكبر من البنوك المحلية للفرد في ولاية نورث داكوتا، في وقت كانت فيه الولايات الأخرى تخسر البنوك بسبب عمليات اندماج البنوك الكبرى، مما تسبب في انكماش عدد البنوك الأمريكية بشكل جذري.

نشر البروفيسور البريطاني ريتشارد ويرنر مؤخرًا مذكرة إعلامية تدعم قضية أحد البنوك العامة. وتم إعداده لولاية تينيسي، التي تفكر في إنشاء بنك دولة ذات سيادة على نموذج داكوتا الشمالية، لكن الحجج تنطبق على جميع الولايات. وتشمل الفوائد التي تمت مناقشتها أرباح الأسهم، وزيادة الإيرادات الضريبية على مستوى الولاية، وخلق المزيد من مواطن الشغل، وتعزيز الاستقلالية المحلية والقدرة على الصمود أمام الصدمات، والمزيد من الخيارات لتمويل اقتراض القطاع العام وصناديق التقاعد الحكومية، وحماية حرية المعاملات المالية وخصوصيتها.

ونبهت المجلة إلى أن الاستحواذ الفيدرالي للوائح المصرفية الحكومية لا يؤدي إلى دفع مبتكري العملة المشفرة إلى الخارج فحسب، بل يقوّض أيضًا الابتكار في التمويل الاقتصادي المحلي من النوع الرائد في نورث داكوتا.
التعليقات (0)