حقوق وحريات

كيف عاشت أسر المعتقلين والمختفين في اليمن أجواء الأعياد؟

عائلات مختفين في اليمن يرفعون صورهم في فعالية للمطالبة بالإفراج عنهم- جيتي
عائلات مختفين في اليمن يرفعون صورهم في فعالية للمطالبة بالإفراج عنهم- جيتي
عاشت مئات الأسر في اليمن، عذابات غياب أحد أفرادها، وقد يكون "أبا أو أخا أو زوجا أو ابنا" عن أطباق العيد لسنوات متتالية، حيث تتذكر تلك الأسر أحباءها المحتجزين والمخفيين قسريا في سجون مختلفة في البلاد.

ومع حلول مناسبات الأعياد وقبلها شهر رمضان، يتضاعف ألم ومعاناة الأسر، على غياب أحد أفرادها عن موائد الأعياد والإفطار والسحور، لطالما مثلت هذه الليالي والأيام مواسم تلتقي فيها الأسرة بكامل أفرادها، للاستمتاع بأجوائها الروحانية والفرائحية.

وتقول شقيقة مختطف لدى جماعة الحوثي في العاصمة صنعاء التي يسيطرون عليها منذ سنوات، إنه لا حدود ولا وصف، يمكن أن يحكي ما نعانيه، إذ لم يبرح اسم شقيقي عن ذكره، لا سيما في المناسبات.

اظهار أخبار متعلقة



ومرت سنوات عدة، على غياب المئات من المختطفين والمخفيين قسريا عن عائلاتهم في سجون الحوثيين وقوات "الحزام الأمني" التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بانفصال جنوب اليمن عن شماله، وسط غياب أي معلومات لكثير من الأسر عن مصير أبنائها، وهل ما زالوا على قيد الحياة أم فارقوها تحت سياط التعذيب داخل أسوار تلك السجون؟

"دموع ووجع وحنين"

وأضافت شقيقة المختطف (وهو شاب في الثلاثين من العمر) لدى الحوثيين منذ عام 2015، لـ"عربي21"، رفضت الكشف عن هويتها وهوية شقيقها، "عندما نجتمع في المناسبات الدينية وخصوصا الأعياد وشهر رمضان على أطباق الحلوى وموائد الإفطار أو السحور، نرى وجهه في مخيلتنا، لقد حرمونا منه، لا تمر لحظة في هكذا مناسبات دون تأوه ودون أن يفتت غيابه أكبادنا".

وتابعت بتنهيدة: "تختلط دموعنا بأطباق حلويات العيد وقبلها أطباق الإفطار في رمضان، رغم أننا نحاول أن نطبع حياتنا ونقاوم هذا الوجع، مثل بقية الناس، لكن قوانا تخور أمام هذا الغياب لشقيقي".

"وأكثر الأمور قسوة، أن مرارة الفقد والحنين والاشتياق تسبق أي قطعة حلوى أو لقمة طعام نتناولها، خاصة عندما نتمكن من زيارته، نحاول جاهدين أن نعيش مع هذا الواقع المر، ونقوم بإعداد نفس الأطباق التي تناولها، ونحدث أنفسنا، أننا ناكل وإياه من الطعام ذاته"، بحسب شقيقة المختطف في سجون الحوثيين.

وقالت بصوت يحمل بحة الحزن ولا تخفي مشاعرها المرتبكة عندما تبدأ الحديث عن مدى حبها لشقيقها: "لا نستطيع، في الحقيقة، تضميد جرحنا، وشوقنا العاصف له، فعندما نعود من زيارته، نعود مكسوري الخاطر، ودموعنا تسبق مقل عيوننا التي ترقب السجن وأسواره".

وأضافت: "نرقب تلك البوابات التي تحول بيننا وشقيقنا، أثناء مغادرتنا، وسط آمال جارفة بالمغادرة يوما بصحبته، كي ننسى هذا الكابوس الذي كدر حياتنا".

"وضع صعب"

أما زوجة مخفي قسريا لدى قوات "الحزام الأمني" بالعاصمة المؤقتة، عدن، جنوبي اليمن، فتقول إن أصعب شيء، هو أن يكون هناك مكان فارغ في المنزل، ويكون هذا الفراغ موحشا في مناسبات كالأعياد ورمضان، ناهيك عن أن هذا الفراغ هو لكبير الأسرة.

وأضافت زوجة المخفي قسريا لـ"عربي21"، طالبة عدم ذكر اسمها أو اسم زوجها المخفي في سجون الانفصاليين بعدن: "لقد سرقت منا أجواء الفرح في العيد وروحانية رمضان منذ سنوات".

و تابعت: "منذ أعوام نعيش في حزن، بسبب تغييب رب الأسرة ومعيلها منذ العام 2016".

وعلقت بحرقة وحزن: "أصبحت أسرتنا بلا معيل، إذ لم نعد نستطيع توفير احتياجاتنا، كون زوجي المخفي في سجون قوات الحزام، هو العائل الوحيد للأسرة".

وأشارت: "وبسبب غيابه تتفاقم معاناتنا، ويزداد وضعنا صعوبة ووحشة، ونتمسك بعودته ورجوعه لبيته، رغم غياب أي معلومات عن مصيره على مدى 8 سنوات".

وفي حزيران/ يونيو 2018، كشفت وكالة "أسوشتيد برس" في تقرير لها، تفاصيل صادمة عن سجون إماراتية جنوبي اليمن، من بينها "العنف الجنسي" الذي اعتبره التقرير الوسيلة الرئيسية لممارسة الوحشية على المعتقلين وانتزاع اعترافات منهم.

اظهار أخبار متعلقة



ويعد سجن "بئر أحمد" واحدا من 5 سجون سرية في مدينة عدن، حيث وقعت فيه انتهاكات فظيعة قبل سنوات، بعد إعلان السجناء الإضراب عن الطعام احتجاجا على اعتقالهم وعدم توجيه أي تهم لهم، وفقا لتقارير منظمات ووكالات دولية.

ويوجد سجن ثان، كما تشير التقارير، في قاعدة البريقة، حيث مقر القوات الإماراتية، شرقي عدن، وهو واحد من 8 سجون تديرها وتشرف عليها "أبوظبي" جنوبي اليمن، حيث يقبع فيه عشرات المعتقلين والمخفيين قسريا.

فضلا عن سجن ثالث في منزل شلال شايع، مدير أمن عدن السابق، والمتحالف بشكل وثيق مع الإمارات، بينما السجن الرابع في ملهى ليلي تحول إلى سجن يعرف بـ"وضاح".

"مرافق غير رسمية"

وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في بيان لها عام 2018، إن "العديد من مرافق الاحتجاز غير الرسمية والسجون السرية (لم تحدد عددها) توجد بمحافظة عدن".

وأضافت أن تلك السجون تخضع لـ"إجراءات أمنية تمنع أهالي المعتقلين من زيارة أبنائهم، وتكتم كبير من الأجهزة الأمنية في عدن حول أعداد المسجونين وأماكن احتجازهم".

"معاناة تتجدد"

من جهتها، قالت أمة السلام الحاج، رئيسة رابطة "أمهات المختطفين والمخفيين قسريا" في اليمن: تتجدد أحزان أسر المختطفين وذويهم، كل سنة في المناسبات، وبالأخص منها الأعياد ورمضان، حيث تتذكر كل أسرة "ابنها أو قريبها أو ربها"، وكثير من الأسر يموت بعض أفرادها وهو منتظر خروج قريبه من السجون أو أي معلومة تفصح عن وضعه هناك خلف القضبان.

وأضافت الحاج لـ"عربي21" أن شعور أمهات المختطفين والمخفيين قسريا في سجون جماعة الحوثيين والمجلس الانتقالي، مؤلم جدا، حيث تنقل عن إحدى الأمهات قولها: "لا رغبة لي ولا شهية لأطباق الطعام، ولم أعد أحس بأي نعمة، ما دام ابني داخل السجن يعذب بعيدا عني".

وأوضحت رئيسة رابطة الأمهات والمخفيين (منظمة إنسانية حقوقية غير حكومية، تأسست قبل أكثر من 7 سنوات)، أن الزوجات أيضا، يعشن حالة من الترقب الممزوجة بالألم الشديد في انتظار شركاء حياتهن المغيبين في أقبية السجون، دون ذنب أو أساس قانوني.

وأكدت على أن هناك كثيرا من الأسر، لا تعلم أي شيء عن ذويها المخفيين قسريا في السجون، ولذلك مأساتها كبيرة.

"زنازين مظلمة"

وروى عصام بلغيث، تجربته في سجون الحوثيين المختلفة في صنعاء وقال: "هناك آلاف من المدنيين الذين غيبوا في سجون الحوثيين لسنوات عدة، ومنهم من لديه زوجة وأبناء وهو المعيل الوحيد لهم".

وقال بلغيث (32 عاما) والذي أفرج عنه في العام 2020 ضمن صفقة تبادل أسرى مع الحوثيين لـ"عربي21" إن "المناسبات الدينية والأعياد، كانت تمثل موسما لاستهداف المختطفين والتضييق عليهم في السجون، بدءاً من اقتحام الزنازين ومصادرة الأدوات الخاصة والملابس، وكذلك يقومون بإعادة التحقيقات كجانب من التعذيب النفسي".

وأضاف الصحفي اليمني: "كذلك، يتم المنع من الزيارة في أيام العيد ومنع دخول أطباق الطعام"، مشيرا إلى أن الناس يعيشون فرحة العيد إلا المختطفين وأسرهم، يعيشون لحظات ألم وأسى.

وقال بلغيث: "كم كانت المعاناة تكبر وتشتد وطأتها علينا في السجون، في الأعياد، عندما كان كل واحد منا يتذكر أسرته، وحالها، ومدى شوق كلاهما لبعض".

وتابع: "حلت الأعياد وقبلها شهر رمضان لسبع سنوات، وأنا في الزنازين المظلمة أعيش مع أشباح السجانين وعذاباتهم".

اظهار أخبار متعلقة



وأشار بلغيث إلى أنه ورفاقه خلال فترة سجنهم تنقلوا بين ستة سجون كان أسوأها، على حد قولهم، سجن الأمن السياسي أو ما يعرف الآن بجهاز الأمن والمخابرات.

وأكمل حديثه: "لاقينا سوء المعاملة في تلك السجون جميعها وتعرضنا للتعذيب والحرمان من الطعام والإيهام بالتصفية الجسدية".

وقال: "هذه كانت عادات وطقوس عيدية ورمضانية قضوها في سجون الحوثي، معاناة وألم وقلق وخوف وترقب وانتظار"، وكنا نأمل أن تأتي مناسبة دينية كرمضان أو الأعياد وتقرر الجماعة الإفراج عنا لكن ذلك لم يحدث.

والصحفي بلغيث من بين عشرة صحفيين، اختطفوا من قبل الحوثيين في صيف 2015، ثم حوكموا بتهمة "التخابر مع العدو" و"نشر أخبار مغرضة" تزامنا مع بدء عمليات التحالف العربي الذي تقوده السعودية على الجماعة.
التعليقات (0)