قضايا وآراء

متى كان حزب المخلوع "عفاش" مظلة لكل الشرفاء؟

محمد الصهباني
1300x600
1300x600
إن أعظم مقولة قرأتها، وأنا على وشك الانتهاء من كتابة هذه المادة، للكاتب اليمني نبيل قاسم، نشرها مؤخرا بصفحته ‏في فيسبوك: ثلاث كوارث حلت باليمن ‏منذ فجر التاريخ؛ انهيار سد ‏مأرب، ‏المؤتمر الشعبي العام، ‏حرب 94.‏

لا زلت أؤمن بأن حزب المؤتمر حزب كارثي، ظل يقبض ‏على ‏الثروة والسلطة -ولا يزال- بمساندة ‏القبيلة، ‏وبمبرر ‏الأغلبية ‏الساحقة، فأعاق تطبيق القوانين، ونحر دستور ‏البلاد من الوريد ‏إلى الوريد، وعلى وجه ‏الخصوص ‏‏(قانون ‏الأحزاب ‏والتنظيمات السياسية)، إذ عمل بشكل ممنهج ‏على تفريخ ‏الأحزاب الوطنية الأخرى، ولم ‏يتح ‏للحريات ‏الحزبية والإعلامية أن ‏تمضي في طريق بناء الوطن.‏

لقد ظل هذا الحزب يمارس سياسة التضييق، و"التطفيش" ‏على ‏نشاطات الأحزاب، ومصادرة حقوقها، ‏وبعض ‏مقراتها، ‏وأوغل ‏في احتواء الكثير من الشخصيات الحزبية المؤثرة ‏سياسيا، ‏فحول ‏الاشتراكي والناصري ‏والبعثي ‏والإصلاحي، في ظرف ‏يوم وليلة، إلى "مؤتمري"، ولم يسمح ‏لأي حزب آخر أن ‏يتجاوز ‏قاعدته ‏الجماهيرية.

سخّر المال ‏العام من أجل الحفاظ ‏على سطوته على السلطة، وخوَّن رموز ‏حركات ‏وطنية، ‏وفكرية، وسياسية، وإعلامية مناهضة له، وأفرط في ‏مضايقتها، ‏وملاحقتها، ولفّق لها تهما كيدية، وحرّض ‏ماكينته الإعلامية الرسمية وأبواقه، على تسفيه وتشويه تاريخ نضالاتها، وفبركة قصص للنيل من شرف أفراد ‏أسرتها.

مارس الترهيب والترغيب، وأقصى، وهمّش، ونكّل، ونفى، واختطف، وزج في السجون والمعتقلات، وعذّب ‏الكثير منهم، وأخفى قسريا العشرات، لا يزال مصيرهم مجهولا حتى هذه اللحظة، وتورط في تصفية ‏الكثير، ما دفع ‏بالعشرات منهم إلى الفرار خارج الوطن، بعد ‏نجاتهم من ‏الموت بأعجوبة، ومنهم من فارقوا الحياة تحت ‏التعذيب.‏

ويعرف كثيرون كيف تم بناء قاعدة حزب ‏المؤتمر، ‏سلبيا، ‏وبلطجة.‏

وغير مرة قلت؛ إننا كنا نعيش في عهد المخلوع ‏‏"عفاش" وهما ‏ديمقراطيا، ولو كان هذا الحزب ‏انتصر ‏للمنافسة ‏الشريفة، لكان ‏أكثر من حزب وطني تجاوز شعبيته ‏بالأغلبية الساحقة.‏

وتتذكرون كيف سارع أربعة منافسين للرئيس صالح، للقبول ‏بفوزه ‏في انتخابات 2006م الرئاسية، ورفض ‏نتيجتها ‏آنذاك ‏المنافس ‏الخامس الراحل المهندس فيصل بن شملان، مرشح ‏أحزاب اللقاء ‏المشترك رحمة الله عليه، ‏حيث ظل ‏على موقفه ‏الثابت ‏والوطني المشرف والشجاع، بعدم الاعتراف بنتائج ‏الانتخابات ‏الرئاسية. وكان عظيما ‏بكل ما تعنيه ‏الكلمة، بإصراره ‏حتى ‏النَّفَس الأخير من حياته، على عدم تهنئة المخلوع نتيجة ‏"فوز ‏مشبوه" أُعلن ‏عنه‎ ‎‏رسميا قبل ‏انتهاء عمليات ‏الفرز ‏النهائية، في ‏أغلب الدوائر الانتخابية، ما كان يجب ‏على ‏أحزاب ‏اللقاء ‏المشترك، أن ‏تباركه بمؤتمر ‏صحفي، لا سيما ‏أن "ابن ‏شملان" ‏خاض، آنذاك، بشجاعة المنافسة ‏الانتخابية ‏باسمها، ‏بشعار ‏"رئيس من ‏أجل اليمن، لا ‏يمن من ‏أجل الرئيس"، في ‏إشارة ‏واضحة إلى أن اليمن كان تحت قبضة ‏رئيس عصابي، ‏وزع ‏ مفاصل ‏السلطة على ‏أفراد أسرته، ‏ومقربيه، لإدارة ‏مناصب ‏مهمة وسيادية.‏

صحيح أن الأحزاب الأخرى لها سلبياتها ومساوئها، لكن ‏لم ‏تكن بدرجات جرائم حزب المؤتمر، ‏وكانت ‏مخنوقة ‏بنظام ‏بوليسي ظل يتدخل في شؤونها، ونشاطاتها ‏وسياساتها.‏

أما "المؤتمر الشعبي"، فقد كان مسنودا بالقبيلة، وبجيش ‏عرمرم، ‏ومال، وشعبية كبيرة من ‏الفاسدين ‏والمنتفعين، ‏والمخبرين، واللصوص.‏

من ثم، فإن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه بقوة: ماذا أسس ‏صالح ‏لليمن؟

بكل تأكيد.. أسس لثقافة الفساد، ‏والمحسوبية، ‏والعمالة.‏

ومن المضحك أن "العفاشيين" يفاخرون ببلاهة، بأن ‏حزبهم ‏ليس حزبا مستوردا، ولا يخجلون من أن المخلوع ‏ظل ‏أحد ‏أبرز ‏أدوات الوصاية السعودية، إن لم نقل إن أغلب ‏القيادات ‏المؤتمرية لا تزال تتسابق على تقديم ‏الولاء ‏والطاعة ‏للنظام ‏السعودي.‏

فمنذ العام 78م ظل المخلوع يدير البلاد بالأزمات ‏الاقتصادية ‏والسياسية، والنزاعات المسلحة، ‏والحروب ‏المفتعلة، ‏فأهدر ‏الآلاف من فرص النهوض باليمن، إلى ما يلبي ‏الآمال في بناء ‏دولة النظام والقانون، ‏كواجب وطني، ‏وسياسي، ‏وأخلاقي، يحتم ‏عليه المضي في ترجمة القسم ‏الجمهوري الذي أقسمه أمام نواب ‏الشعب.

‏ورغم كل هذه ‏الجرائم ‏المتوالية، لا يزال "العفاشيون" ‏يصفون هذه الجرائم ‏بـ"الأخطاء"، ليس هذا فحسب، بل ‏إنهم ‏يختصرون الأمن ‏والأمان ‏بـ"توفير الدولة للغذاء"، كمقياس ‏لوجود دولة، وهذا ليس ‏صحيحا، مقارنة بتردي ‏الخدمات، ‏وانعدام بعضها، ‏وتفشي ‏الفساد ‏الإداري والمالي، ناهيك عن ‏ازدهار الرشى في ‏كل ‏دوائرها ‏الرسمية‏، بلا ‏استثناء، مقابل ‏إنجاز ‏معاملات ‏الناس، ‏تحت مسمى ما يعرف شعبيا "حق ابن هادي".‏

وإذا ما افترضنا أن متطلبات المواد الغذائية كانت متوفرة ‏بأسعار ‏رخيصة، ما قبل 2011م، فليس منطقيا أن ‏يقال ‏اليوم "‏سلام الله ‏على عفاش"، لا سيما أن النظام ظل يشجع بشكل ‏ممنهج على ‏التلاعب بكل المتطلبات الشاملة، ‏حيث لم نسمع ‏أو ‏نشاهد يوما ‏تاجرا واحدا ‏تورط برفع الأسعار، بل كان المخلوع كلما يظهر ‏أمام شاشات التلفزة، ‏يتظاهر بأنه ‏سيحاسب التجار ‏والمتاجرين ‏بدماء ‏الناس، ارتفعت الأسعار يوما بعد آخر، أكثر ‏وأكثر.. إيه ‏والله.‏

نسبة الأمية، والفقر، والبطالة، وسوء الخدمات ‏الطبية، فضلا عن سوء التشخيص الطبي، أقل ‏ما ‏توصف بـ"المخزية".‏

أما الفساد القضائي، والشرطي، فقد كان "حديت الساعة" ‏طوال ‏حكم المخلوع، ونهب وعبث مسؤولين ‏لمليارات ‏المال ‏العام، ‏وصل إلى دهاليز الجهاز المركزي للرقابة ‏والمحاسبة، وثلاث ‏هيئات لمكافحة الفساد، حازت على ‏ثقة ‏مجلس النواب، وإلى ‏منظمات دولية، ودول صديقة داعمة ‏لعملية الإصلاح ‏الإداري ‏والمالي، وإلى مراكز دراسات ‏اقتصادية- ‏سياسية- يمنية، ‏وعالمية، وإلى كبرى دوائر الإعلام العربي،‏ والأجنبي، ورغم ‏إدانة النظام لنفسه ‏بنفسه ‏بهذه الفضائح، لم يقدم يوما ‏فاسدا واحدا ‏للتحقيق.‏

ونتذكر اليوم ما قاله الأمين العام للمؤتمر ورئيس ‏الوزراء ‏السابق، الراحل عبد القادر باجمال: "من لم يغتن ‏في ‏عهد ‏علي عبد الله صالح، فمتى سيكون ‏غنيا". وفي مناسبة أخرى قال: الفساد ملح التنمية، في إشارة ‏إلى ‏فساد ‏المخلوع ونظامه.‏

فعن أي وطن يتحدث "العفاشيون" إبان حقبة الـ33 عاما ‏من ‏حزب في شخص، وشخص في حزب؟ ولست متطرفا إن ‏قلت؛ ‏إن كل "عفاشي"، أو كائنا من كان، ‏لا ‏يفرق بين أخطاء وجرائم ‏المخلوع، هو طبل أجوف، ‏بالفطرة.‏

لقد كانت القبيلة، ولا تزال، هي من تعيق أهداف ‏وخطط ‏التنمية، ‏بعد أن تآمرت مع صالح على تصفية رمز ‏الدولة ‏المدنية، ‏الرئيس إبراهيم الحمدي، وشقيقه "عبد الله " -‏رحمهما ‏الله- عام 77، وبإشراف ودعم سعودي مباشر، وقذر.‏

هذا هو تاريخ ما يسمى "المؤتمر الشعبي العام، احتفل ‏أعضاؤه ‏وأنصاره يوم 24 من آب/ أغسطس ‏الماضي، ‏بالذكرى ‏الأربعين ‏لتأسيسه، كحزب عاث فسادا وتدميرا، وسط ‏إصرار عجيب يثير ‏الفكاهة، والسخف، على ‏أن هذا ‏الحزب "‏مظلة كل الشرفاء"، ‏فمتى كان حزبا للشرفاء؟

بالمجمل، لم يبن رئيس الحزب الحالم جيشا يدين بالولاء ‏لله ‏والوطن، ولا نظاما صحيا، ولا تعليميا، ولا اقتصادا، ‏ولا بنية ‏تحية، ‏ولا حتى نظاما مروريا، بل بنى تحالفا "عسقبليا" زيديا ‏هضبويا متخلفا، يدين ‏بالولاء، أيضا، لنظام آل ‏سعود.‏

لقد خان "عفاش" واجباته الوطنية، والوظيفية، مرارا ‏وتكرارا، ‏وقيم ومبادئ الوحدة، والجمهورية، وهذا ما ‏يجهله ‏الكثيرون.‏
التعليقات (0)