قضايا وآراء

العجارمة وإدلب وأخلاق المهنة

أحمد موفق زيدان
1300x600
1300x600
بينما كانت طائرات المحتل الروسي تنهش بلحوم أطفال إدلب، صابّةً حممها على قرية الجديدة في ريف جسر الشغور بمحافظة إدلب، فتقتل خمسة أطفال، أربعة منهم كانوا من عائلة واحدة، كانت أحلام العجارمة، مذيعة محطة تي آر تي العربية في تركيا، تنهش بمحافظة إدلب التي باتت سوريا المصغرة اليوم، بعد أن هاجر إليها ملايين السوريين من محافظات سوريا كلها بفعل تهجير عصابات المحتلين الروسي والإيراني.

كانت العجارمة تتحدث عن عصابة خطف لابنها من إسطنبول إلى إدلب، وفجأة تقدم شكرها للحكومتين التركية والأردنية على استعادته، بينما الحكومتان لم تتحدثا أصلاً وأبداً عن القصة من ألفها إلى يائها..

المثير بدايةً أن العجارمة صمتت صمت القبور على ما أطلقت عليه عملية خطف ابنها لحوالي أسبوعين، بينما المنطقي والواقعي أن يُبلغ المرء عن خطف ابنه منذ اللحظة الأولى لوقوعه، لكنها لم تفعل. وقد اعتدنا أن تُتهم الدولة المنشأ بالخطف وبوجود عصابات للخطف فيها، لا أن تتهم دولة المصبّ التي صبت فيها عملية الخطف، والمنطقي أكثر أن تقوم عصابات الخطف بخطف الأطفال من إدلب للخارج، ما دام الشعب السوري منكوبا لاثنتي عشرة سنة، ولديه من الأطفال المنكوبين ما يُغري كل عصابات الخطف العالمية، التي تتحدث عنها العجارمة.
قطعت جهيزة قول كل خطيب حين خرج زوج العجارمة السابق، وليد سقالاكي، في مقطع فيديو ليكذبها، ويؤكد أن الولد كان طوال تلك الفترة لديه، ولم يكن مخطوفاً

قطعت جهيزة قول كل خطيب حين خرج زوج العجارمة السابق، وليد سقالاكي، في مقطع فيديو ليكذبها، ويؤكد أن الولد كان طوال تلك الفترة لديه، ولم يكن مخطوفاً، وإنما سعى إلى تهريبه إلى لبنان عبر سوريا، وذلك عن طريق شخص، هو من أبلغها بالقصة، فأعاد إليها الطفل، ويجلس معها الآن، بحسب المقطع. ويؤكد وليد أنها لم تُعلم بالأمر لا الحكومة التركية ولا الأردنية، ويُذيل مقطعه بالاعتذار لأهالي إدلب فرداً فرداً، ويعد بكشف المزيد من التفاصيل لاحقاً.

ما يهمني كصحافي وإعلامي جمعتنا المهنة مع العجارمة هو أن يقف المعنيون وذوو الصلة موقفاً يخدم المهنة وأخلاقها، بعد أن ألحقت العجارمة بفعلها أشد الضرر بالمهنة، حيث الكثير من الناس سيفقدون الثقة بمهنة من المفترض أن تكون صادقة فيما تنقل عن نفسها وغيرها، فإن كانت غير صادقة فيما تنقله عن نفسها، فكيف ستكون صادقة فيما تنقله عن الآخرين.

ولذا أقول إن ثمة حق عام للصحافة وللإعلام ولكل إعلامي، ينبغي أن يدفعهم جميعاً للمطالبة به، وعلى رأس المطالبين بهذا الحق هي المؤسسة الإعلامية التي تعمل فيها العجارمة، والتي باعتقادي سبّبت لها ضرراً كبيراً على المستوى الشعبي والرأي العام ومتابعيها، فهل هذا هو مستوى الصحافيين والإعلاميين الذين يعملون في تلك المؤسسة، كما قد يخطر لمتابعي تلك المؤسسة؟! بينما نجزم أن ثمة قامات إعلامية كبيرة تعمل في تلك المؤسسة، وهي مؤسسة أثبتت مهنية عالية طوال مسيرتها الإعلامية، لتأتي العجارمة فتنال منها بهذا الشكل وبحادثة شخصية.
الطرف المهم الذي لحقه هذا الضرر وهو إدلب، حيث صوّرتها العجارمة وكأنها خارجة عن القانون، وتتفشى فيها عصابات الخطف، وهو ما يثبّت الرواية الروسية والإيرانية ومليشياتهما الطائفية. ولذا فإن الحق السوري من العجارمة سيبقى عالياً إلى أن تعتذر بالصوت والصورة من أهالي إدلب والثورة السورية

وهناك الأردن وتركيا كدولتين معنيتين بالحدث وقد تضررتا. فالأردن الذي تنتمي إليه العجارمة وتركيا التي تعيش فيها لحقهما أفدح الضرر، فرسالة العجارمة باتهام جماعات الخطف بخطف ابنها من إسطنبول جعل من الأخيرة مدينة موز تسرح وتمرح فيها عصابات الخطف، وهذا مسيء للدولة التركية ولأمنها.

وكما قال الزميل ياسر أبو هلالة في تغريدة، فإن ما فعلته العجارمة إساءة لكل أردني، ولذا لا بد من مواجهة هذا الأمر، فثمة حق عام لهذا الضرر، يؤثر على سمعة الأردن وعلى سمعة كل أردني خصوصاً في الوسط السوري اليوم.

وهنا نصل إلى الطرف المهم الذي لحقه هذا الضرر وهو إدلب، حيث صوّرتها العجارمة وكأنها خارجة عن القانون، وتتفشى فيها عصابات الخطف، وهو ما يثبّت الرواية الروسية والإيرانية ومليشياتهما الطائفية. ولذا فإن الحق السوري من العجارمة سيبقى عالياً إلى أن تعتذر بالصوت والصورة من أهالي إدلب والثورة السورية، وتوضح تفاصيل ما جرى.
تعاني مهنة الإعلام خلال السنوات الماضية، من وصول بعض الشخصيات غير المهنية، فتستغل شهرتها ووجودها على السوشيال ميديا لمآرب خاصة، ولكن الإعلامي المهني، كعادة كل مهنة، ينهار مع أول تلفيق أو كذب على الرأي العام، خصوصاً إن أصرّ على عدم تبيان الحقيقة بعد أن بانت وظهرت للرأي العام

أما الطرف الأخير في المعادلة فهي القنوات والمواقع الإخبارية التي تداولت الخبر، فعليها مسؤولية كبيرة اليوم بتوضيح المسألة عبر نقل مقطع الفيديو لزوج العجارمة الذي كذبها بشكل واضح، وكذلك بمقابلة العجارمة نفسها، واستجوابها واستنطاقها للكذب الذي روّجته على منصات إعلامية عدة، والذي سيؤثر سلباً على هذه المواقع التي تعاملت مع رواية العجارمة كمسلّم بها، دون أن تسأل الحكومة التركية أو تراجع زوجها، ونحو ذلك كما اعتدنا في أبسط أدوات التحقق من الخبر وعناصره.

للأسف الشديد تعاني مهنة الإعلام خلال السنوات الماضية، من وصول بعض الشخصيات غير المهنية، فتستغل شهرتها ووجودها على السوشيال ميديا لمآرب خاصة، ولكن الإعلامي المهني، كعادة كل مهنة، ينهار مع أول تلفيق أو كذب على الرأي العام، خصوصاً إن أصرّ على عدم تبيان الحقيقة بعد أن بانت وظهرت للرأي العام. وإلى أن يحين اعتذار العجارمة للشعب السوري والتركي والأردني وللمهنة الإعلامية، ولمؤسستها، ولكل من ألحقت بهم الضرر، فإن كل إعلامي ومؤسسة إعلامية معنية بما جرى ويجري، فكلنا سندفع ثمنه أمام محكمة الجمهور التي ستكون قاسية علينا ربما، بصمتها أكثر من حديثها العلني.
التعليقات (0)