كتاب عربي 21

إجراءات مصرية متشددة لمواجهة ارتفاع الأسعار

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
اتخذت الحكومة المصرية نفس الأساليب التقليدية لمواجهة الارتفاعات الحادة لأسعار السلع الغذائية، والتي صاحبها مزيد من السخط الاجتماعي، ظهر جانب منه على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم الرقابة المشددة من جانب الجهات الأمنية على مضمون ما يتم بثه على تلك المواقع، ومعاقبة بعضهم بعقوبات تصل إلى الحبس.

واستخدمت السلطات المصرية ما لديها من منافذ لبيع السلع الغذائية بالمجمعات الاستهلاكية والتابعة لوزارة التموين، بالإضافة إلى منافذ البيع لنفس السلع التابعة لكل من الجيش والشرطة، ووزارة الزراعة الأقل في عدد المنافذ، إلى جانب توسع وزارة الداخلية في إقامة السرادقات بالشوارع والميادين لنفس الغرض، ووجود منافذ متنقلة محمولة على سيارات تابعة للجيش والشرطة للوصول إلى الأحياء والقرى الرئيسة.

وبجانب ذلك أعلنت عدة جهات منها صندوق تحيا مصر ووزارة الأوقاف ووزارة الداخلية، عن توزيع حقائب رمضان المجانية على المحتاجين، في صورة عبوات غذائية صغيرة تشمل عددا من السلع مثل الأرز والزيت والمكرونة والسكر والشاي.

وأعلنت الغرفة التجارية أسعارا استرشادية للسلع الغذائية، أي غير إجبارية ولكنها بمثابة مؤشر للجمهور حول متوسطات أسعار السلع، وتبكير إقامة معارض بيع السلع المعتادة قبيل شهر رمضان من كل عام. كما منعت وزارة التجارة تصدير عدد من السلع الغذائية لضمان توافرها محليا، وقام المصرف المركزي بالإعلان عن تيسيرات لاستيراد السلع الغذائية الرئيسية، بإعفائها من بعض نظم الدفع.
هناك نهج متشدد هذه المرة تمثل في مداهمة المحلات، والتوسع في عمل قضايا تموينية للتجار بحجة القيام بتخزين السلع، رغم أن الكميات المضبوطة التي تتم مصادرتها صغيرة، وتكاد تكفي استهلاك تلك المحلات لفترة قصيرة، كما لا يوجد قانون يمنع تخزين السلع

وكل ما سبق هى إجراءات روتينية تقوم بها السلطات بالمواسم وعند ارتفاع الأسعار، إلا أن هناك نهجا متشددا هذه المرة تمثل في مداهمة المحلات، والتوسع في عمل قضايا تموينية للتجار بحجة القيام بتخزين السلع، رغم أن الكميات المضبوطة التي تتم مصادرتها صغيرة، وتكاد تكفي استهلاك تلك المحلات لفترة قصيرة، كما لا يوجد قانون يمنع تخزين السلع.

العودة للتوريد الإجبارى للقمح

وتوسعت وسائل الإعلام في تحميل التجار مسؤولية ارتفاع الأسعار، وهو ما يتعجب له التجار مع ارتفاع الأسعار خارجيا ولدى الموردين. كما أصدر وزير التموين بعض القرارات التي نصت على حبس مخالفيها، مثل قرار حظر تداول السلع الغذائية مجهولة المصدر، أي التي لا توجد فواتير لها لدى التجار، بعقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبالغرامة المالية وضبط تلك السلع ومصادرتها.

وكان القرار الأخطر لوزير التموين هو الخاص بالتوريد الإجبارى لحوالي ثلثي إنتاج القمح من قبل المزارعين، بالمحصول الجديد الذي يبدأ توريده أول الشهر القادم، حيث ألزم القرار المزارعين بعدم بيع باقي كميات القمح المتبقية بعد توريد الحصة المقرر عليهم، إلا بعد الحصول على تصريح من الوزارة، وكذلك عدم جواز نقل القمح إلا بتصريح من الجهات الحكومية التي تتولى استلام القمح.

وحدد القرار عقاب من لا يقومون بالتوريد الإجبارى للقمح بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين بالإضافة إلى الغرامة المالية، مع ضبط كميات القمح ومصادرتها. ولم يقتصر العقاب على المزارع بل شمل كل المشاركين في بيع هذا القمح من بائعين أو مشترين أو وسطاء أو ممولين، بل وصل العقاب إلى وسائل النقل التي قامت بنقل القمح بالحكم بمصادرتها. وهو أمر يتنافى مع مبدأ حرية السوق وحرية المزارعين في توريد القمح، والذي تم تطبيقه منذ عام 1977 (أي قبل 45 عاما)، إضافة إلى الاستناد في العقوبات إلى قانون التموين الصادر عام 1945 (أي قبل 77 عاما)، وهو ما يتوقع أن يكون له أثر سلبي سواء على التزام المزارعين بالتوريد، أو على إقبال المزارعين على زراعة القمح بالموسم الجديد الذي يبدأ في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، خاصة وأن السعر الذي حددته الحكومة لبيع القمح لها في الموسم الحالي يقل عن تكلفة زراعته في رأيهم، كما يقل كثيرا عن الأسعار العالمية الحالية للقمح، وأن من زرعوا برسيما في نفس الموسم الشتوي الذي زرعوا فيه القمح حققوا مكاسب أكبر مع زيادة أسعار الأعلاف.

مسكنات لا تحل جذور المشكلة

ويظل السؤال: هل تنجح تلك الإجراءات في تحجيم صعود الأسعار؟ مثلما نجحت في تحجيمها ورقيا من خلال إصدار معدلات تضخم رسمية تقل كثيرا عما يشعر به المواطن من غلاء، حيث ذكر جهاز الإحصاء الرسمي أن معدل التضخم في المدن المصرية بلغ 8.8 في المائة خلال شهر شباط/ فبراير الماضي، والذي شهد الأسبوع الأخير منه تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا.
الإجراءات التي تمت تعد بمثابة مسكنات، تكرر استخدامها خلال السنوات الأخيرة وظلت ارتفاعات معها مستمرة بالصعود، حيث أن هناك مشاكل جوهرية مزمنة تؤدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية، أبرزها نسب الاكتفاء الذاتي المنخفضة لغالب السلع الغذائية، من قمح وذرة وفول وزيوت وعدس ولحوم وأسماك

وتظل الإجابة بأن الإجراءات التي تمت تعد بمثابة مسكنات، تكرر استخدامها خلال السنوات الأخيرة وظلت ارتفاعات معها مستمرة بالصعود، حيث أن هناك مشاكل جوهرية مزمنة تؤدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية، أبرزها نسب الاكتفاء الذاتي المنخفضة لغالب السلع الغذائية، من قمح وذرة وفول وزيوت وعدس ولحوم وأسماك.

وبينما يتم الحديث عن توسع الدولة في زراعة القمح بمساحات ضخمة، كشفت صحيفة المال الاقتصادية اليومية أن شركة الريف المصري المالكة لمشروع استصلاح 1.5 مليون فدان والذي بدأ عام 2015، لم تزرع قمحا في الموسم المنقضي سوى مساحة ألف فدان فقط، وأنها تتجه لزيادة تلك المساحة إلى عشرة آلاف فدان بالموسم المقبل.

والمشكلة الثانية ارتفاع نسب الفاقد بالمحاصيل الزراعية خلال عمليات التداول، كذلك عشوائية التجارة الداخلية وتعدد حلقات الوسطاء حتى تصل السلعة إلى المستهلك النهائى محملة بأرباح كل تلك الحلقات من الوسطاء، أيضا الاحتكار الموجود في عدد من السلع الرئيسية سواء في الاستيراد أو التوزيع، وبالتالي فمع وجود تلك المشاكل فستظل المشكلة قائمة ومرشحة للظهور مرة أخرى.
منافذ الجيش والشرطة لم تنجح في إحداث التوازن بالأسعار رغم ما تتمتع به من مزايا في الانتشار وفي توقيتات الدفع للموردين وفي عدم دفع تكاليف عديدة للمرافق والعمالة، حيث يمكنهما إقامة فروعها في الميادين والحدائق العامة في أي مكان يريدانه، وهو أمر غير متاح للقطاع الخاص

استمرار مزاحمة القطاع الخاص

فالأسعار الاسترشادية تبناها وزير التموين أبو شادي الذي تولى الوزارة بعد استيلاء الجيش على السلطة في تموز/ يوليو 2013، ولم تحل المشكلة مما دعا للتخلي عنها، ومنافذ الجيش والشرطة لم تنجح في إحداث التوازن بالأسعار رغم ما تتمتع به من مزايا في الانتشار وفي توقيتات الدفع للموردين وفي عدم دفع تكاليف عديدة للمرافق والعمالة، حيث يمكنهما إقامة فروعها في الميادين والحدائق العامة في أي مكان يريدانه، وهو أمر غير متاح للقطاع الخاص.

بل إن القطاع الخاص لا يستطيع إيقاف عربات لبيع السلع الغذاية بأسعار مخفضة في أماكن التجمعات مثل أبواب المساجد عند صلاة الجمعة، بينما مسموح لسيارات بيع السلع التابعة للجيش والشرطة بالوقوف في أي مكان وفى أي وقت. ولم تكتف الداخلية بمنافذ أمان التابعة لها وسرادقاتها ومنافذها المتنقلة على سيارات، بل إنها اتخذت لها أماكن في 993 مولا تجاريا في المحافظات لبيع سلعها.

وبالطبع لا يستطيع أحد من هؤلاء الامتناع عن ذلك، بل إنه مجبر على وضع لافتة على مقره تشير لوجود منفذ بيع الداخلية داخله! كما تستمر المزاحمة في النشاط حيث أدخلت منافذ أمان التابعة للداخلية بيع الخبز ضمن نشاطها للمرة الأولى، فأصبحت تنافس محال البقالة ومحلات الخضر والفاكهة والجزارة والمخابز وغيرها.
بينما تكيل وسائل الإعلام الاتهامات للقطاع الخاص بالمسؤولية عن رفع الأسعار، بزعم أنها تبيع مما لديها من مخزون قديم قبل وصول السلع المستوردة بالأسعار الجديدة. فقد فعلت وزارة التموين نفس النهج مع زيادتها لأسعار الزيت التمويني، كما زادت أسعار الدقيق الفاخر للمخابز، ورفعت أسعار السجائر، وكذلك رفعت سعر البتوجاز الذي تحتكر توزيعه

أيضا فإن موجة الغلاء المرتبطة بآثار الحرب الروسية الأوكرانية ليست قاصرة على السلع الغذائية، بل تتخطاها لسلع عديدة أخرى منها مواد البناء كالأسمنت وحديد التسليح وغيرها، مما دفع المطورين العقاريين بمنطقة القاهرة الجديدة لرفع الأسعار بنسبة 30 في المائة على الوحدات السكنية والتجارية التابعة لهم، كما طال الغلاء المعادن من حديد وألومنيوم ونيكل وغيرها خاصة المعادن النادرة، مما أثر على الصناعات المعدنية والورق والأسمدة والصناعات الورقية وقطاع السيارات والبلاستيك والفحم وغيرها.

الأغرب من ذلك أنه بينما تكيل وسائل الإعلام الاتهامات للقطاع الخاص بالمسؤولية عن رفع الأسعار، بزعم أنها تبيع مما لديها من مخزون قديم قبل وصول السلع المستوردة بالأسعار الجديدة. فقد فعلت وزارة التموين نفس النهج مع زيادتها لأسعار الزيت التمويني، كما زادت أسعار الدقيق الفاخر للمخابز، ورفعت أسعار السجائر، وكذلك رفعت سعر البتوجاز الذي تحتكر توزيعه سواء للمنازل أو للمحلات والمطاعم أو للشركات، مما يزيد من التكلفة على تلك المنشآت التجارية والصناعية.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (0)