أفكَار

"النسوية" بين تعاليم الشريعة والنماذج الغربية.. لمن الغلبة؟

هل وقفت النسوية العربية عند حقوق المرأة كما قررها الإسلام أم تجاوزتها؟ آراء خبراء  (عربي21)
هل وقفت النسوية العربية عند حقوق المرأة كما قررها الإسلام أم تجاوزتها؟ آراء خبراء (عربي21)

يسارع علماء ودعاة ومفكرون في سياق مناقشتهم للأفكار والمضامين التي تدعو إليها الحركة النسوية، المطالبة بالمساواة المطلقة بين الجنسين في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى تقرير ما أعطاه الإسلام للمرأة من حقوق، وإظهار تلك المكانة الرفيعة للمرأة في الإسلام، وهو ما يستبطن الوقوف عند ذلك الحد، وعدم تجاوزه إلى نماذج مستوردة من بيئات ومناخات أخرى. 

لكن طبيعة السجالات الساخنة بين دعاة "النسوية" والمدافعين عنها، وبين جمهور المحافظين المتحفظين على كثير من أفكارها، والمنتقدين لها، تُظهر أن النسوية العربية في مجملها لم تقف عند ذلك الحد، بل تسعى إلى استنساخ التجربة النسوية الغربية، المتجاوزة لكثير من التعاليم الدينية، والمتمردة على كل التقاليد والأعراف المجتمعية. 

وعادة ما يفرق علماء الدين ودعاته بين ما كفله الإسلام من حقوق أصيلة للمرأة، تنزلها المنزلة اللائقة بها، وتحفظ لها شخصيتها وحقوقها، وبين السائد في الممارسة الإسلامية المعاصرة التي تبتعد في كثير من تمثلاتها وتجلياتها عن تلك التعاليم، وتعطي انطباعات وتصورات سيئة، عادة ما يتكئ عليها دعاة النسوية للترويج لأفكارهم، والدعوة لمبادئهم وتصوراتهم. 

وعلى صعيد التجربة النسوية في العالم الغربي، فقد "انطلقت من كون المرأة مهضومة الحقوق أمام الرجل الذي كان يستغلها أبشع الاستغلال، فرفعت شعار المساواة والتماثل الكامل بين المرأة والرجل في جميع الجوانب وكافة المجالات، ثم انتقلت العدوى إلى البلدان العربية التي عرفت الحركة النسوية أول الأمر بمصر عام 1923 بتأسيس الاتحاد المصري" وفق الباحث المغربي الحسن شهبار.

وتابع: "وقد باركت الدول الغربية هذا المولود الجديد، وتُوج ذلك بإقامة المؤتمر النسائي العربي عام 1944م، الذي تضمنت توصياته تقييد الأحكام الشرعية المتعلقة بالطلاق، وتعدد الزوجات، والمطالبة بحذف نون النسوة، والجمع بين الجنسين في التعليم الابتدائي".

 

                              الحسن شهبار.. باحث مغربي

وقال شهبار لـ"عربي21": "وقد بارك الغرب هذا المؤتمر، وأرسلت زوجة الرئيس الأمريكي (روزفلت) برقية تحية للمؤتمر، وبعد ذلك تعددت الأحزاب والجمعيات النسائية المنتمية للحركة النسوية الغربية في الدول العربية والإسلامية، والتي ناضلت طيلة القرن الماضي في سبيل تغيير تشريعات المرأة المسلمة بتمويل ودعم من الدول الغربية". 

وعن أهم وأبرز أفكار ورؤى الحركة النسوية، ذكر أنه يمكن تلخيصها بالنقاط التالية: التضخيم والتركيز على جانب المظلومية والتمييز والاضطهاد الذي تتعرض له النساء، وافتعال الصراع والعداوة بين الرجال والنساء وربط معاناة النساء بالذكورة، وربط رد الاعتبار للنساء بالتغيير الجذري لكل المفاهيم والمسلمات الموجودة في المجتمع باعتبارها قوالب ذكورية استحدثت لإخضاع النساء وترسيخ تبعيتهم للرجال، وربط النوع الجنسي بالجانب الثقافي، تمهيدا لإلغاء مفاهيم الجنس والأبوة وقلب مفاهيم الأسرة والزواج والرعاية. 

وإجابة عن سؤال: هل وقفت النسوية العربية عند حقوق المرأة كما قررها الإسلام، وقنعت بذلك أم أنها تجاوزت ذلك بالدعوة إلى استنساخ النموذج الغربي، أشار الباحث المغربي شهبار إلى أن "المنطلق الأساس للحركة النسوية بالمغرب (كنموذج من بين النسوية العربية) هو المساواة المطلقة بين المرأة والرجل". 

وأضاف: "ولذلك خطت في برنامجها النضالي مطالب مصادمة لأحكام الشريعة الإسلامية، معرضة في نفس الوقت عن الظلم الحقيقي الذي تعاني منه المرأة المغربية اجتماعيا واقتصاديا وحقوقيا، وقصرت قضيتها فيما توهمت أن الشريعة الإسلامية انتقصت من المرأة أو هضمت حقوقها، ويشهد لهذا الأمر المكتسبات التي حققتها هذه الحركة". 

وأردف: "فقد استطاعت الحركة النسوية بالمغرب أن تحقق مجموعة من المكتسبات، وذلك من خلال المطالبة بتغيير مدونة الأحوال الشخصية، والمصادقة على عدد من القوانين ذات الصلة بالآليات الدولية لحقوق الإنسان، وكذا رفع مجموعة من التحفظات على اتفاقية سيداو". 

وواصل: "وهكذا تم اعتماد (مدونة الأسرة) عوض (مدونة الأحوال الشخصية) سنة 2004م، وقد أقرت مدونة الأسرة المغربية المساواة بين الرجل والمرأة من خلال ستة مجالات أساسية، من أبرزها: المساواة في الحقوق والواجبات بين الزوج والزوجة..، المساواة في رعاية الأسرة..، المساواة في اللجوء إلى القضاء من أجل طلب الطلاق..، المساواة بين الحفيدة في الإرث في الجد من جهة الأم.. وهو ما دفع العلماء والدعاة لمواجهتها بجد وحزم باعتبارها تجاوزات للأحكام الشرعية المقررة". 

من جهتها رأت الأكاديمية الأردنية، والنائب السابق، الدكتورة ديمة طهبوب أن "الحركة النسوية لا تراعي أي خصوصيات حضارية أو ثقافية أو دينية، وترى أن هذه مخلفات المجتمع الأبوي أو البطرياركي، وأن المرأة هي ذات المرأة في كل مكان، ولها نفس الحقوق والتطلعات والرغبات النسوية". 

 



وأضافت: "والنسوية ـ نظريا ـ ليست مدرسة واحدة، وإنما عدة مدارس بعضها مهتم بمطالبات سياسية واقتصادية واجتماعية، وبعضها متطرف يرى أن الرجل هو العدو، وأن الهياكل ومنها الأسرية التي يسمونها التقليدية من أب ذكر وأم أثنى وأطفال فيها ظلم لحرية المرأة واختياراتها". 

وقالت في حديثها لـ"عربي21": "أما أهم مطالبها فهو تحقق المساواة المطلقة بين الرجال والنساء، ومساندة تمكين المرأة في كل المجالات، وملكية المرأة لجسدها، ولا يوجد فرق بين المطالب النسوية العربية والغربية سوى أن النسوية العربية ليست بذات الوضوح مخافة ردة الفعل، وتسعى لتغيير الفكر والوعي لتحقيق الأهداف النهائية". 

وتابعت طهبوب: "وللنفاذ إلى الدين استنسخت ما يسمى بالنسوية الإسلامية، ودعت إلى مراجعة الدين والاجتهاد فيما يخص المرأة في الإسلام، ومنها حركة (مساواة) التي مارست إمامة المرأة بالرجال على سبيل المثال". 

وفي ذات الإطار أوضح الباحث الأردني المتخصص في الفقه الإسلامي وأصوله، الدكتور محمد الطرايرة أن "من أهم أفكار النسوية دعوتها إلى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، وإلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة، وهي تتبنى كل ما جاء في اتفاقيات سيداو والتي تعتبر كل تقييد أو اختلاف في الحقوق والواجبات مبني على أساس الجنس نوعا من أنواع التمييز ضد المرأة ولا بد من إلغائه والقضاء عليه". 

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "ومن يراقب مسيرة النسوية يجد أن ثمة تطورا حدث حتى على أفكار سيداو، ألا وهو الدعوة إلى استغناء المرأة عن الرجل، حيث يتم تسويق ذلك تحت عناوين ملتبسة كرفع الظلم عن المرأة، ومواجهة كل أشكال اضطهادها، ما يوجب القضاء على كل دور للرجل على المرأة، باعتباره من وجهة نظرهم يؤسس لهيمنة الرجل على المرأة، ومن ثم ظلمها واضطهادها". 

 

                 محمد الطرايرة.. متخصص في الفقه الإسلامي وأصوله

وتابع: "وهذا ما يجعلهم يصطدمون بشكل مباشر مع مفاهيم ومبادئ شرعية، كالقوامة والمهر، وولاية الأب أو الأخ.. لأنها وفق تصوراتهم تتعامل مع المرأة بقدر كبير من الدونية في مقابل إعطاء تلك الحقوق للرجل، وهذا عندهم من أشكال التمييز ضد المرأة، الذي يجب القضاء عليه".

ونبه إلى أن الفكر النسوي، الذي ينطلق من أفكار اتفاقية سيداو "يرى أن مثل هذه الاتفاقية فوق أي تشريعات أخرى، ولا تخضع للعادات والتقاليد المجتمعية" مضيفا: "قد يتذرع بعض دعاة الفكر النسوي ببعض المفاهيم الدينية الشرعية، كعمل المرأة مثلا، للترويج لأفكارهم، مع أن منطلقات الشريعة وضوابطها تختلف كثيرا عن منطلقاتهم وتصوراتهم". 

وأضاف: "ومن الملاحظ أن الترويج للفكر النسوي بات يدعو إلى مراجعة بعض المفاهيم الشرعية المقررة، كالقوامة مثلا، فهي لم تعد ملائمة لعصرنا الذي باتت فيه المرأة ممكنة اقتصاديا، تدرس وتتخرج من الجامعات، وتعمل في مراكز وظيفية مرموقة، وتتقاضى رواتب مجزية كالرجال، وتعتمد على نفسها، متسائلين: فما الداعي إلى القوامة مع أن المرأة باتت تكسب وتنفق مثلها مثل الرجل"؟

وشدد على أن "تقاطعهم مع بعض المفاهيم الشرعية، وتوظيفها لتمرير أفكارهم الخاصة بهم، لا يعني أنهم باتوا مقتنعين بأن الدين هو الحاكم والمهيمن، بل يسلكون هذا المسلك لتمرير ما هم مؤمنون به، من منطلقاتهم وتصوراتهم الخاصة، المبنية على مفهوم الجندر، وتبني كل ما جاء في اتفاقية سيداو".

وأردف: "الفكر النسوي يصطدم مع بعض المفاهيم الشرعية، بشكل مباشر أو غير مباشر، حينما تجده يصف كل تفرقة بين الرجل والمرأة على أساس الجنس، فيعدها ضربا من ضروب العنف ضد المرأة، كأحد أحكام المواريث (للذكر مثل حظ الأنثيين)، والطلاق بيد الرجل، وكتعدد الزوجات، فهذا كله يعدونه شكلا من أشكال العنف ضد المرأة".   

وأكدّ في ختام حديثه على "وجود أشكال مختلفة من الظلم وقعت على المرأة في مجتمعاتنا المعاصرة، لكن رفع ذلك الظلم، كما رفع كافة أشكال الظلم الأخرى إنما يكون بالدعوة إلى تطبيق أحكام الشريعة تطبيقا عادلا وراشدا، وليس بالذهاب باتجاه استنساخ أفكار وتصورات مصادمة لشريعتنا الإسلامية، ولا تتوافق مع أعرافنا وتقاليدنا المجتمعية المحافظة". 


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم