مقالات مختارة

انتصارٌ آخر للفلسطينيين

حسين لقرع
1300x600
1300x600

مرة أخرى، أرغم الثائرون الفلسطينيون الاحتلالَ على التنازل والتراجع عن إجراءاته القمعية التعسّفية، فبعد إجباره على سحب البوابات الإلكترونية المنصوبة أمام المسجد الأقصى المبارك، إثر انتفاضة عارمة في يوليو من عام 2017، أرغموا الاحتلال هذه المرّة على رفع الحواجز الحديدية التي نصبها أمام باب العامود بالأقصى، بعد ثلاث عشرة ليلة من المواجهات الساخنة مع شرطته ومستوطنيه العنصريين المتطرّفين الذين غزوا شوارع القدس وهم يهتفون "الموت للعرب".

هو انتصار معنويّ مهمّ للفلسطينيين بعد فترة من النكسات والخيانات وتحقيق العدوّ انتصارات سياسية كبيرة لعلّ أهمّها انبطاح أربع دول عربية له في ظرف أربعة أشهر، وذهابها بعيدا في التعاون معه إلى درجة أنّ الإمارات وقّعت عقودا مع الاحتلال تُنعِش اقتصاده بـ10 ملايير دولار، لا نشكُّ في أنّ نزرا غير يسير منها سيُخصَّص لتطوير ترسانته العسكرية، بل إنّ سفيرها بتل أبيب لم يتوان عن تهنئته بما أسماه "عيد الاستقلال"؛ وهو يوم قيام "دولة إسرائيل" قبل 73 سنة على أرض فلسطين المغتصَبة!

إمعان العرب في الخيانة والانبطاح، شجّع العدوّ على التمادي في قمع الفلسطينيين وإطلاق العنان لمستوطنيه من حركة "لاهفا" المتطرِّفة الداعية إلى بناء الهيكل، للدخول في مواجهات يومية معهم بهدف تهجيرهم من القدس، لتبقى مدينة خالصة لليهود وعاصمة موحّدة لـ"دولتهم"، لكنّ الفلسطينيين واجهوا شرطة الاحتلال والمستوطنين بكل شجاعة طيلة 13 ليلة، ودخلت غزة على خطّ المقاومة وأمطرت مستوطنات غلاف القطاع في يومين اثنين بـ40 قذيفة صاروخية لم تستطع القبة الحديدية أن تُسقِط منها سوى 7 صواريخ فقط، ما يُعدّ مؤشرا واضحا على تحسّن الدقة الصاروخية للمقاومة والفشلِ الذريع للقبّة الحديدية التي طالما كانت مدعاة فخر للاحتلال.

إجبارُ العدوّ على التراجع مهمّ من دون شكّ ويمنح الفلسطينيين جرعة أوكسجين ضرورية بعد فترة من الإحباطات، لكنّ النتيجة الأهمّ بنظرنا هي نجاح الفلسطينيين في الضفة وغزة والقدس، في تجاوز خلافات السياسيين، والتوحّد على مقارعة العدوّ، بعد أن فشلت كلّ جولات الحوار بين الفرقاء في تجاوز الانقسام الذي دام 14 سنة.. ليس هناك ما يجمع الشعب الفلسطيني ويوحِّده أكثر من المقاومة، وقد تفطّن العدوُّ إلى ذلك فسارع إلى إلغاء إجراءاته القمعية بالمسجد الأقصى حتى لا تتطور الأمور إلى انتفاضة ثالثة شاملة قد تدوم سنوات، وتُفسِد كلّ مخططاته.

لقد أكّدت هذه "الانتفاضة المحدودة" زمانيا ومكانيا، أنّ القدس هي وحدها القادرة على توحيد الفلسطينيين وإعادة قضيتهم إلى سكّتها الصحيحة، كما أثبتت مجددا أنّ مفاتيح القضيّة الفلسطينية ليست بيد الاحتلال أو أمريكا أو عرب الخيانة والهرولة، بل بأيدي الفلسطينيين وحدهم، وهم لن يسمحوا لأحد بالتحكّم في مصيرهم، أو تصفية قضيّتهم العادلة، ولن يتوانوا عن تقديم التضحيات في الوقت المناسب ومتى شعروا بأنّ هناك خطرا ماحقا يهدد القدس والأقصى، فتحيَّة إكبار وتوقير لكلّ الفلسطينيين المحاصَرين المضطهَدين الذين يدافعون عن المقدّسات نيابة عن 1.7 مليار مسلم، يتحدّون بكلّ بسالة وشجاعة جبروت العدوّ.. هم تاج فوق رؤوسنا جميعا، ولهم منّا كلّ التقدير والتبجيل.

(نقلا عن صحيفة الشروق الجزائرية)

0
التعليقات (0)