قضايا وآراء

هل اقتربت نهاية ديكتاتور مصر؟

جمال حشمت
1300x600
1300x600
اعتمد النظام الانقلابي الحاكم في مصر من بعد 3 تموز/ يوليو 2013 على خمس ركائز لتوطيد حكمه ومن ثم الاستمرار فيه:

1- الاعتماد علي منظومة بث الرعب والخوف في نفوس المصريين منذ أول أيام الانقلاب والسيطرة على - بل منع - أي حراك في الشارع المصري باستعمال القوة المفرطة ومجموعات البلطجة التي تديرها المخابرات والأجهزة الأمنية.

2- ولاء قيادات القوات المسلحة الشخصي له، وهو ما أدى إلى إقالات وتغييرات كثيرة في مؤسسة الجيش والمخابرات بشكل دوري كلما شعر بخوف من معارضة أو خيانة.

3- استمرار الدعم الإعلامي له بالكذب والتلفيق وتشويه الخصوم وشيطنتهم، وذلك بعد أن نجح في السيطرة على مصادر الإعلام والإعلاميين بالترهيب والترغيب.

4- استكمال السيطرة على منظومة القضاء بعد التعديلات الدستورية الأخيرة، بتعيين كل رؤساء الهيئات القضائية ومنحهم مزيد من المنح والمكافآت المالية على فترات متقاربة، مثلما فعل للجيش والشرطة.

5- الدعم الذي تلقاه من الظهير الإقليمي والدولي ماديا وسياسيا، ونقصد أمريكا وإسرائيل والسعودية والإمارات بشكل أساسي.

وقد استمر هذا الحال طوال السنوات السبع الماضية، في ظل انتظار المصريين لتحقق وعود الاستقرار والأمن وحق الحياة الكريمة وتوفير فرص للعمل، خاصة بعد المبالغ الوفيرة التي تلقاها من الدول الداعمة ولم تغير من حال المصريين، وأنفق بعضها في مشاريع كبيرة لا مردود لها سوى الرغبة في تخليد إنجازات عملاقة بلا فائدة محققة لحياة المصريين. فلا استثمار ولا مصانع ولا مدارس ولا مستشفيات ولا ثقافة، ولا حتى ترك المصريين على حالهم، بل زادت عمليات القهر والملاحقة، وضاقت مساحة الحرية والرزق واتسعت رقعة البطالة.

لقد كان لثورة يناير تأثير قوي غير متوقع على كل من شعب مصر ودول ومؤسسات الخارج، فشعب مصر وجد نفسه فجأة يمكن أن يملك وطنه ويحكمه بإرادة حرة، وأن يتمتع بخيرات بلاده وثرواتها بعيدا عن أولئك الذين نهبوا مصر منذ عشرات السنين.

وكان نفس التأثير على دول وأنظمة ومؤسسات وبنوك وجدت نفسها فجأة في مواجهة شعب مصر الحقيقي لأول مرة، بدلا من الوسطاء الذين كانوا يمثلون احتلالا وطنيا لصالح الخارج، فلم تدر ماذا تفعل وهي لا تملك أي تصور أو أي خبرة سابقة ولا أي توقع عما يمكن أن يحدث في مصر في ظل هذا التغيير غير المتوقع.

لقد تولدت في مصر عقب ثورة يناير 2011 ثورتين ضدها الأولى تلك هي الثورة المضادة من الدولة العميقة، وكل من تضررت مصالحه أو تهددت بعد قيام الثورة، والثانية تلك هي ثورة التوقعات من أبناء الشعب المصري نفسه الذي كان يتعجل قطف ثمار الثورة قبل نضجها، بعد أن عانى الحرمان والقهر طوال عشرات السنين.

السؤال الآن بعد استعراض هذه البديهيات في الأزمة المصرية: هل فعلا اقتربت نهاية الدكتاتور في مصر؟ وما شواهد أو حيثيات ذلك؟ نقول سريعا وقد يحتاج الأمر لتفصيل أكثر مع مرور الوقت:

أولا: أثبتت المظاهرات التي خرجت على قلة أعدادها وصغر مساحتها أن عنصر الخوف والردع الذي تم نشره وسط الشعب المصري عقب الانقلاب العسكري قد اهتز كثيرا في نفوس المصريين، حتى الذين لم يشاركوا بالفعل، لكن انتشروا على السوشيال ميديا ينتقدون الحالة المزرية التي أوصلنا إليها نظام الانقلاب العسكري. ولعل تساوي الحياة والموت عند المصريين بعد حالة الخوف والفزع والفقر والإهانة والقهر والحرمان التي رسخها النظام؛ كان من ضمن أسباب الخروج لفئات لم تكن لتخرج من قبل مثل الفلاحين وعمال التراحيل والأطفال، وهذا وضع لن ينجح السيسي في تفكيك أسبابه، بل الشواهد تقول إنه ما زال مستمرا في نفس الطريق وكل تنازلاته وقتية.

ثانيا: أزمة الإعلام المصري تتصاعد وسط أداء مترد؛ من عدم المصداقية والكذب والتلفيق وتكرار التعليمات التي تصلهم من المخابرات الحربية، مما أساء لهم جميعا كإعلاميين خاضعين لنظام السيسي. ولعل الحرب المعلنة الآن على وزير الإعلام من الإعلاميين بسبب تصريحه حول فشل الإعلام المصري وانصراف المصريين عنه لحساب إعلام المعارضة في الخارج والسوشيال ميديا؛ لهي دليل على فشل أحد أهم الركائز التي تروج لنجاحات نظام السيسي الوهمية.

ثالثا: تأثر الدعم الإقليمي والدولي للنظام بعد سبع سنوات لم تحظ فيه مصر باستقرار أو تنمية حقيقية، رغم كل ما تم إنفاقه على النظام من مليارات تحول بعضها إلى حسابات خاصة وبعضها إلى مشاريع لا مردود لها على الشعب أو التنمية الحقيقية، وكانت إنجازاته فقط في بناء السجون وتأميم الحياة الاقتصادية لصالح الجيش ومؤسساته، فزاد السخط وهدد بثورة جديدة تفقدهم كل مكتسباتهم، لذا فهو لم يعد مرحبا به لولا أنهم يفتقدون إلى البديل المناسب بنفس المواصفات!

أضف إلى ذلك الخلافات التي ظهرت بين السيسي والإمارات، مما أدى إلى اعتقال رجالها في مصر (أحمد شفيق وصلاح دياب)، وضابط مخابرات إماراتي كان في مهمة تجارية بمصر، إضافة إلى خسارة ترامب معركة الرئاسة، وهو الداعم الأول للدكتاتور، والضغوط المتوقعة والمعلن عنها من جانب الرئيس المنتخب بايدن، والتي أسفرت دون تعليمات عن الإفراج عن أكثر من 450 معتقل، بينهم أهل محمد سلطان المعتقلين تعسفيا انتقاما منه لرفع قضية ضد حازم الببلاوي( رئيس وزراء مذبحة رابعة) في أمريكا! كل هذا يلخص الخلل الحادث الذي يهدد استمرار الدكتاتور.

رابعا: أثبتت المظاهرات الأخيرة أن قوات الشرطة المصرية شعرت بأن هناك من ورّطها وحدها في مواجهة الشعب، بالقهر وإساءة المعاملة والتعذيب وقتل الأبرياء وتنفيذ الإزالات، دون مشاركة واضحة أو دعم من قوات الجيش التي قرر وزير الدفاع ألا تشارك القوات المسلحة في ذلك، وهذا يسبّب رعبا لوزارة الداخلية بأكملها، فلو حدثت مواجهات فلن يكون هناك من يقف في ظهرها ويدافع عنها.

أخيرا، فإن ما يحدث يؤكد أن المعركة مع الانقلاب العسكري في مصر هي بالنقاط وليست بالضربة القاضية، وما يحدث يمثل نزيفا للنقاط والارتكازات التي يملكها النظام في مواجهة الشعب المصري.. خسائر في الداخل رغم قوة القهر وتمام السيطرة، وخسائر في الخارج تفقده الدعم الإقليمي والدولي خاصة مع ظهور بديل.

لا أحد يعرف متى تزداد النقاط لصالح الشعب المصري لإعلان نهاية دكتاتور لم يحترم قانونا وضعه، ولا صديقا دعمه، ولا شعبا قبل به أملا في حرية أو كرامة أو حياة كريمة، لكن عسى أن يكون قريبا.
التعليقات (0)