قضايا وآراء

يوم الأرض الباقي والمختلف!!

نزار السهلي
1300x600
1300x600
إحياء يوم الأرض الفلسطيني في الثلاثين من آذار/ مارس كل عام، تأكيد وتذكير من أهلها أن التاريخ والجغرافيا والتراث والفلكلور وكل ما يتصل بذلك، هو عرضة للسلب والنهب والتزوير والطمس والتهويد، وأن لهذه البلاد شعب ما زال يحفظ مكوناته ويدافع عنها ويعلق أجراس المخاطر كل يوم وكل لحظة على مدار سبعة عقود.

المناسبة ليست احتفالية ولا خطابية، كما درجت عادة بعض السياسات العربية الفلسطينية بخطف هذا اليوم وتحويله لمادة استعمالية في الخطاب السياسي والدعائي المرافق لمناسبات وطنية أو "ثورية موسمية" تقام كل عام وتقدم من على منابر مختلفة.

يوم الأرض متصل مع من صمد من أهلها في فلسطين التاريخية عام 48، ومع نسلهم المتشظي في اللجوء والمنافي، ومع القرى والمدن التي تعرض أهلها لأبشع عملية تطهير عرقي واستعماري منتصف القرن الماضي حتى يومنا هذا، إذ يعتبر من هم لاجئون امتدادا لمن هم باقون في أرض الآباء والأجداد، وهم الجذر الممتد في الأرض التي يعتبرها الفلسطينيون عنوان ومنتهى الصراع. ومن المؤكد أن الشعارات المنطلقة من حناجر الفلسطينيين احتفالا بيوم الأرض، تستدعي برامج عمل تتجاوز الحالة الاحتفالية لأداء السلطة الفلسطينية، بعدما أصبحت تواريخ وأحداث الصراع مرتبطة بزمن احتفالي تقيمه السلطة والفصائل داخل حدودها الإدارية، ولا يصل فعلها لمساحة الأرض التي تتحدث عنها احتفاليتهم.

الأرض ليست اسماً نتداوله، دون الدلالة على من سكن وأقام وزرع وحرث ونظم لحناً وحاك ثوباً وتناسل فوقها منذ مئات السنين، ثم هُجر وأصبح مطارداً فوقها وفي المنافي، وسبغته المفردات العنصرية لعقلية صهيونية تتشارك مع عقلية رسمية عربية بأوصاف تنال من حقه وتتشارك في تزوير تاريخه؛ عن "بيعه لأرضه"، لتتطور في جرأة من وحشية فريدة فتكت بنسل اللاجئين في سوريا الذين تركوا جذورهم في الطيرة وبلد الشيخ وكوكب أبو الهيجا ويازور وحيفا وصفد وعكا وإجزم، وحملوا معهم كواشين الأرض ومفاتيحها، وحملوا في ذاكرتهم كل التفاصيل عن التلال والجبال والسهل والساحل..

احترقت كواشين الديار من براميل الأسد المتفجرة، وانصهرت مفاتيح البيوت من طائرة الميغ فوق مسج "عبد القادر الحسيني" في مخيم اليرموك، وتمزقت أجساد اللاجئين في "فرع فلسطين" الأسدي، ليبقى أشقاؤهم في لبنان يرزحون تحت وطأة عنصرية لا تنتهي بل تتطور منذ سبعة عقود.

مع ما تمثله معركة الأرض من قيمة نضالية، لا رمزية أبدا، تزايدت في سنوات ما بعد أوسلو حدة المعركة حول هوية الدولة والأرض، التي تسعى إسرائيل إلى اتشاحها باليهودية النقية، لكن بقي الهدف الأساس لعرب 48 إظهار التناقض التام بين صفتي اليهودية والديمقراطية التي تتشدق بهما المؤسسة الصهيونية، وكان للمعركة التي يخوضها الفلسطينيون في الـ48 الأثر البالغ في فضح وانكشاف الحرب التي تخوضها مؤسسة "الديمقراطية" الإسرائيلية ضدهم وضد رموز الحركة الوطنية والإسلامية في الداخل، فكثفت المؤسسة الصهيونية مجموعة القوانين العنصرية الموضوعة ضمن سلسلة تهدف من ورائها التسريع في ابتلاع الأرض وطرد سكانها التي ترى في مستقبلهم الديمغرافي والسياسي خطرا يتهدد وجودها، لتقدم "صفقة القرن" بين ترامب ونتنياهو البيان والمغزى لبند تبادل الأرض والسكان.

نفضت السياسة الفلسطينية الرسمية يديها من قضية الأرض التاريخية لفلسطين، واعتبُر ما يتعرض له أصحاب الأرض "مسألة إسرائيلية داخلية"، وتماهت سياسة رسمية عربية مع هذا الطرح باستخدام قضية أصحاب الأرض كمنافذ للتطبيع مع المحتل، وأخرى تستخدمه كحالة استعمالية للتستر على ممارسات تحاكي ممارسات العقلية الصهيونية في التعاطي مع اللاجئين أبناء وأشقاء أصحاب الأرض التاريخيين.

المختلف في إحياء يوم الأرض، رفع وتيرة التصعيد ضد الفلسطينيين، لاجئين وصامدين داخل أرضهم، فبعد أن كرس المفاوض الفلسطيني انفكاكه عن الأرض التاريخية وعن سكانها الباقين رغم أنف النكبة فوق الأرض، توغلت المؤسسة الصهيونية في إجراءات ابتلاع الأرض بعد أن أصبح الفلسطيني فوق أرضه مصدر إزعاج مزدوج للقيادات السياسية للسلطة ولإسرائيل في آن معا، على اعتبار أن كل الحركة النضالية للفلسطينيين داخل ما يسمى الخط الأخضر شان إسرائيلي لا يعني السلطة الفلسطينية ولا منظمة التحرير.

المعركة التي تخاض من قبل الفلسطينيين في الـ48 وفي اتجاهات متعددة تتعلق بالانتماء ومقاومة الأسرلة والتهويد والحفاظ على الأرض، تؤرق بالطبع استكانة عقل المفاوض العقيم نحو دولة مقطعة أرضها بأوصال الاستيطان، لتكريس حالة جمالية للأرض كمفهوم مرتبط بالحلم غير "الواقعي" في ظل اختلال موازين القوى لجعل الأرض مفهوم احتفاليا وجماليا نحتفي به مع باقي المناسبات المتعلقة بالنكبة والقدس والأسرى والجرحى والاستيطان والشهداء.. الخ.

الأرض باقية، لكن أصحابها وأشقاءهم تعرضوا لمذابح في سوريا على أيدي نظام استخدم شعارات الأرض لارتكاب فظاعات ضد شعبها، ويتعرض جزء واسع لسياسات القتل والقمع والاستيطان والأسرلة والتزوير لا من قبل المؤسسة الصهيونية فقط، بل بتشارك سياسة عربية مؤازرة وبقوة للعقل الصهيوني.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل