أخبار ثقافية

مسلسل "You".. من الحب ما قتل!

مسلسل يو
مسلسل يو

ثمة طرح مباغت في المسلسل الأمريكي الشهير "You" (تُرجِم عنوانه إلى "أنت"). 


يستند المسلسل إلى رواية ذائعة للكاتبة الأمريكية كارولين كيبنس، صدرت سنة 2014، وترجمت إلى 19 لغة. كان الجزء الأول من المسلسل من إنتاج قناة "لايف تايم"، ثم استحوذت نتفليكس على حقوق ملكيته وأنتجت الجزء الثاني.


تتمحور أحداث المسلسل حول "جو غولدبرغ"، مدير مكتبة في نيويورك. ومن هنا تبدأ المباغتة! فهو قارئ مثقف للغاية، مفتون بالكتب؛ بقراءتها وبيعها وصيانتها وتقدير قيمة طبعاتها القديمة والنادرة.. هو شاب وسيم، معجون بالثقافة.


لكنه ذو قدرات أخرى استثنائية. يكتشفها بالتوازي مع قصة حب تبدأ بدخول "بيك" إلى مكتبته. هي كاتبة شابة مغمورة، تدرس الكتابة الإبداعية، موهوبة غير أنها تحيط نفسها بعوامل الفشل؛ تسعى لأن يحبها الناس وأن تجد وظيفة جيدة وتطور موهبتها. هذا المزيج الهائل يثقل كاهلها.


يكتشف جو موهبته الأخرى التي سرعان ما تقود الأحداث؛ قدرته على التلصص ومتابعة أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي لحبيبته بيك، ولكل من حولها؛ عاشقها الثري القاسي، صديقاتها التافهات.. من هنا تبدأ قائمة ضحاياه.


نعلم أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تستهلك الكثير من وقتنا ومشاعرنا، فمن الطبيعي أن تعالجها أعمال السينما والتلفزيون، غير أنني ألاحظ أن مسلسل "يو" قد يكون أهم الأعمال التي عالجت دور وسائل التواصل في حياتنا، وكيف يمكن لمتلصص مثقف، ماهر، أن يتتبع مسيرة إنسان ما، ويكتشف عنه الكثير من المعلومات الخاصة، التي ينثرها هنا وهناك، دون وعي بأنّ متلصصا ما يتسقّطها ليربط خيوطها، راسما صورة وافية عن ضحيته، بل يعرف أحيانا تفاصيل عن عملها وأماكن وجودها.


كلنا نستخدم وسائل التواصل، دون أن نفكر في المدى الذي نكشف به أنفسنا لمن يرغب في تتبعنا. لعل تلك الفكرة من أهم ما عالجه المسلسل، باعتبارها مدخلا ذكيا لتأمل فكرة التواصل الاجتماعي بحد ذاتها؛ مدى صدقها وتمثيلها لحقيقتنا. 


من حيث المبدأ، يلجأ الناس لوسائل التواصل للسبب الذي شرحه جو متحدثا عن محبوبته بيك: "هي بحاجة إلى أن يراها الناس". نحن بحاجة إلى أن يعبّر لنا الآخرون عن الاهتمام، الحب، الاحترام، وهي ضمن احتياجات هرم ماسلو. ربما بسبب ذلك، نميل إلى تقديم أنفسنا بالصورة الأقوى جاذبيةً، وهو ما يصنع الفجوة الواسعة بين بوستات الفيس أو صور الإنستجرام من جهة، وبين واقعنا من جهة أخرى.


يعادل ذلك، موضوعيا، المونولوج الطويل بين البطل جو وذاته. كأنه يخوض مكاشفة ما تقابل الصورة المزيفة لوسائل التواصل، فهو يُحَدِّثُ نفسه، يناقشها، يوبخها أحيانا أو يثني عليها. على أن هذه المكاشفة تضيف الكثير للمسلسل، لأنها الأداة الأساسية لكشف طبيعة البطل، الذي يتحول بالتدريج من عاشق إلى مريض نفسي، سيكوباتي، متجبر، مستعد لاقتراف أي جريمة في سبيل حبيبته بيك.


لكن صُنّاع المسلسل أذكياء، لا يقدمون حلولا مريحة. لا بد أن نتساءل كثيرا هل جو إنسان طيب يفعل أي شيء لإنقاذ حبيبته، أم أنه محض مختل شرير؟ هل نصدق نظرات حبه الساحرة وملامحه الرومانسية الآسرة، أم نصدق دم ضحاياه؟ ليست ثمة إجابة نهائية، ففي أثناء حبس ضحاياه في القفص السري ببدروم المكتبة، لا يميل إلى تعذيبهم، بل يسعى مخلصا إلى الاتفاق على حل منصف للتوفيق بينه وبينهم. في إحدى المرات أطلق سراح أسيره بعد أن ارتاح إلى صدقه ورغبته في سلام حقيقي معه.


لا نكاد نقطع برأي في ذلك المثقف – العاشق – الوسيم - المهووس بحماية معشوقاته – غير المتورع عن القتل وتقطيع جثث ضحاياه للتخلص منها. فالقصة بالغة القوة والثراء، تتشابك خيوطها كاشفة طبيعة الشخصيات؛ فجو يرعى الطفل البائس باكو، ابن جارته التي يضربها عشيقها مثلما يضرب باكو المسكين. وعلى طول الخط يسعى جو لحمايته، وصولا إلى قتل عشيق أمه.


في الجزء الثاني يمضي هذا الخط إلى نهايته، فجو يزرع برنامجا للتلصص على هاتف المراهقة إيلي ليحميها من ممثل مشهور يخطط للاعتداء عليها جنسيا، ومرة أخرى ينقذها جو في اللحظة الأخيرة، لكن الثمن، مرة أخرى أيضا، هو قتل ذلك الممثل والتخلص من جثته.


هل يمكن أن يكون جو عاشقا حقيقيا يتورط في أفظع الجرائم دفاعا عن حبه؟


تمتلئ الحلقات بالمفاجآت، بعضها منسوج بتأنٍ واضح، حتى إننا نجد حبيبة جو السابقة تظهر ظهورا سريعا غامضا في بداية الجزء الأول من المسلسل، ثم تفاجئنا بالظهور، في نهايته، ظهورا يقلب الموازين، ويضطر جو إلى الفرار منها واختراع حياة جديدة لنفسه في لوس أنجلوس، معاهدا نفسه، بإصرار، على التوقف عن القتل والحب معا.


تستمر المفاجآت وظهور الشخصيات التي تقود الأحداث إلى تطورات مفاجئة، مع جرعات قوية من الاختلالات النفسية، سواء في حبيبة جو الجديدة لاف، أو شقيقها فورتي كوين أو إيلي المراهقة المضطربة تحت وطأة وسائل التواصل وأحلام الشهرة.


على أن صناع المسلسل اعتمدوا، في تقديري، على ملمح المباغتة، وحققوا ذلك ببراعة. فعلى مدى حلقات طويلة تبدو شخصيةٌ ما طيبةً وديعةً، ثم تقع جريمة دموية، نظل نبحث مع أبطال المسلسل عن مرتكبها، فإذا بنا نكتشف، على نحو صاعق، أن القاتل هو تلك الشخصية الطيبة. 


مثلا ظلت لاف طيلة الجزء الثاني تجتهد في الدفاع عن حبها البريء لجو، ورعاية أخيها المضطرب فورتي كوين، دون أن يبدر منها ما يوحي بقدرتها على القتل، ثم نكتشف أنها ذبحت الصحفية التي اختطفها جو، وكان يخطط لإطلاق سراحها بعد هروبه من لوس أنجلوس، نظل تائهين: كيف تتحول لاف الملائكية إلى سفّاحةٍ قديرة؟


إذا اعتبرنا لاف نموذجا للكيفية التي يباغتنا بها المسلسل، فينبغي أن ننوّه إلى أن الشخصية أخذت حقها في التطور، بحيث إذا فكرنا في أسباب ارتكابها جريمة القتل، فسوف نعثر على مبررات القتل ومظاهر الإجرام، تنمو في شخصيتها وتتطور منذ بداية الجزء الثاني، فهي تتجذّر، بهدوء تام، في شخصيتها منذ الطفولة.


ثمة قدرية غريبة تأخذ الشخصيات من أعناقها إلى مصائر لا تستحقها، بمن في ذلك جو الذي عذّبه صاحب المكتبة منذ طفولته، حين عمل صبيا مساعدا في أعمال المكتبة التي أدارها في شبابه. دائما هناك مصائب يتورط فيها جو بحسن نية، وبينما يعالجها، تقوده إلى كوارث أفدح، لم يكن يتخيلها، لكن لا بد من مواجهتها، مما يقود إلى الأفدح منها، وهكذا. 


يبدأ المسلسل اجتماعيا، رومانسيا، ثم ينقلب مشوّقا يقطع الأنفاس في سراديب الجريمة، فاتحا أبوابا متعددة لتأمل حياتنا وأحلامنا.


 
التعليقات (1)
insaniyat
الأحد، 29-03-2020 05:03 م
بين مسلسل لإهانة الحب و معرض لإهانة الكتاب .. رسائل سلبية وراء مسلسل لإهانة الحب و كثيرا ما يطلق على بعض المسلسلات اسم المسلسل الاجتماعي الواقعي ، أي الذي يعكس الواقع بكل مصداقية و شفافية ، و الكثير يتابع هذه الأعمال التلفزيونية ببراءة و دون الانتباه إلى الأبعاد و الرسائل السلبية غير المباشرة التي قد تقدمها بعض الشخصيات في بعض المسلسلات .. معرض لإهانة الكتاب ! كان البيت جميلا… لكنه كان فارغا جافا، لا دفء فيه. كان الأثاث باذخا… لكنه بارد. مبعثر. غير منظم. كأن تصل لمتحف جميل… ثم تفتقد أبسط تفاصيل التجوال فيه أو التعرف على تفاصيله…. تضيع في أروقته بلا دليل، فلا تذكر منه إلا الطاقة السلبية التي شحنتك زيارته بها .. كان الرواق جميلا أنيقا. لكن، غاب التنظم… بل وغاب الكتاب أحيانا.. فوجئ عدد من الكتاب بعدم وجود كتبهم نهائيا في المعرض… بينما المفترض أننا، بالأساس، كنا في معرض للكتاب .. لكنك في النهاية تستطيع، بفضل عبقرية مغربية قحة، بفضل الاستثناء المغربي البديع، أن تشارك في معرض الكتاب وأن تشارك في ندواته… ثم يسألك الزوار عن كتبك لتكتشف أنها غير موجودة أساسا أو مخبأة، بشكل ما ولأسباب لا يعرفها إلا أصحابها، في كراتين تحت الطاولات أو في مخزن الرواق، بحيث لا يصادفها زوار الرواق .. ( من بروكسيل، سناء العاجي ) .