صحافة دولية

كيف تعرّض الأزمة الصحية بسبب كورونا حريات الشعوب للخطر؟

قررت الحكومة الإسرائيلية الاعتماد على تقنيات وأساليب التجسس والمراقبة التي يقدمها جهاز الأمن العام (الشاباك)- جيتي
قررت الحكومة الإسرائيلية الاعتماد على تقنيات وأساليب التجسس والمراقبة التي يقدمها جهاز الأمن العام (الشاباك)- جيتي

نشر موقع "إنسايد أوفر" في نسخته الإيطالية تقريرا سلّط فيه الضوء على التهديد الذي يشكله تطبيق تدابير احتواء وباء كورونا على الحريات في العالم.

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن أزمة تفشي الوباء قد أبرزت نقاط ضعف النظام الليبرالي، الذي بات هشا أمام مكافحة الجائحة.

 

وتتمثل الطريقة الوحيدة للحد من استمرار انتشار الوباء في إنشاء أنظمة مراقبة جماعية لدعم دوريات القوات المسلحة في المناطق الحضرية، ومساعدة الأجهزة الأمنية على مراقبة الهواتف المحمولة ووسائل الاتصال.

مما لا شك فيه أنه من شأن هذه التدابير أن تساهم في كبح انتشار الفيروس، وتعمل كحافز إضافي للناس للامتثال والالتزام بتدابير الطوارئ المتعلقة بتقييد الحركة. ولكن يكمن الخطر في إمكانية استمرار حالة المراقبة حتى بعد انتهاء الأزمة.

كاميرات مراقبة وأجهزة تحديد المواقع وأجهزة المخابرات

أشار الموقع إلى أن روسيا تستمر في تصدر ترتيب الدول الأقل تأثرا بالوباء. ويعود ذلك إلى قرارها إغلاق الحدود مع الصين عندما لم يكن هناك أي حديث عن خطر جائحة عالمي، إلى جانب إطلاق إجراءات رقابية ضد المواطنين الصينيين المقيمين في البلاد.

 

لكن استخدام الكاميرات المزودة بتقنية التعرف على الوجه، التي تم تركيبها في كل مكان، في الحافلات ومحطات المترو والساحات هو الذي سمح للكرملين بمحاربة الفيروس.

وأوضح الموقع أن هذه الكاميرات الذكية التي مكنت السلطات من المتابعة الحينية لـ "المشتبه بهم"، تسببت في خلافات مع بكين على ضوء شكاوى السياح الصينيين من عمليات التفقد المفاجئة في الحافلات أو في الشوارع.

 

كما تُستخدم الكاميرات الذكية للتثبت من مدى التزام الشخص بالحجر الصحي، وذلك بفضل الأجهزة المزودة بتقنية التعرف على الوجه.

 

اقرأ أيضا : الغارديان: هذه تفاصيل طرد مصر لمراسلتنا بسبب تقرير عن كورونا

 

وفي شباط/ فبراير، سمح جهاز المراقبة للسلطات الروسية باكتشاف انتهاك 88 سائحًا للحجر الصحي، مما أدى إلى طردهم الفوري.

من جانبها، قررت الحكومة الإسرائيلية الاعتماد على تقنيات وأساليب التجسس والمراقبة التي يقدمها جهاز الأمن العام (الشاباك)، التي طورتها وطبقتها على مر السنين في حروبها.

وذكر الموقع أن كوريا الجنوبية ركزت بشكل كبير على استخدام أجهزة تحديد المواقع لإنشاء خريطة معقدة وغنية ومفصلة للأماكن التي زارها المصابون، أطلق عليها اسم "خريطة كورونا".

 

وبفضلها أعاد المحققون بناء تحركات المصابين بالتفصيل، ويمكن فهمها بوضوح من خلال إلقاء نظرة سريعة عليها، وهي تشير بدقة إلى اللحظة التي حدثت فيها الزيارة.

وبتعلة الحماية الجماعية، قامت السلطات برعاية ابتكار العديد من التطبيقات للأجهزة المحمولة، التي تعتمد دائمًا على نظام تحديد المواقع، وتقوم بتحذير المستخدم عند عبور مكان يمر فيه أشخاص مصابون بالعدوى، كما تتبع أيضًا سجل الدفع ببطاقات الائتمان.

ونوه الموقع بأن النموذج التايواني هو الأكثر إثارة للقلق، وذلك بعد أن دفعت الموارد البشرية والاقتصادية المحدودة السلطات إلى تحويل هواتف الخاضعين إلى الحجر الصحي إلى معدات مراقبة حقيقية، باستغلال اتصالها بالشبكة لإنشاء "أسوار إلكترونية" خاصة لتتبع تحركاتهم.

 

وعندما يغادر الشخص المنزل مصحوبا بهاتفه، ستتلقى الشرطة على الفور إشعار إنذار، وفي غضون 15 دقيقة قد يتلقى المشتبه فيه مكالمة من الضابط.

وأورد الموقع أن النموذج الآسيوي ترسخ أيضا في الاتحاد الأوروبي. قبل بضعة أيام، أطلقت الحكومة البولندية تطبيقا للهواتف الذكية تحت اسم "حجر صحي في المنزل"، وجعلت تنزيله إلزاميًا لجميع المصابين بالفيروس والعائدين من الخارج.

 

وبمجرد تنزيله، يقوم المستخدم بالتسجيل، ويقوم بالتقاط صورة خاصة له، ويتم الاتصال به بشكل منتظم ودوري من قبل الشرطة، التي يرسل لها صورة في غضون 20 دقيقة، تحت طائلة زيارة منزلية.

ماذا يحدث في إيطاليا؟


أشار الموقع إلى أن وزارات التنمية الاقتصادية والابتكار التكنولوجي والرقمنة، والتعليم العالي والبحث أطلقت مؤخرا دعوة "ابتكر لإيطاليا"، التي تقدم رسميا على أنها "مبادرة للشركات والجامعات والهيئات العامة والخاصة ومراكز البحث والجمعيات والتعاونيات والاتحادات والمؤسسات والمعاهد التي يمكنها، من خلال تقنياتها، أن تقدم مساهمة في مجال أجهزة الوقاية والتشخيص ومراقبة الاحتواء ومجابهة انتشار فيروس كورونا على كامل الأراضي الوطنية".


اقرأ أيضا :  إيكونوميست: كورونا زاد من قمع الأنظمة العربية وتجسسها


وبعد ساعات قليلة من افتتاح الدعوة، تلقت الحكومة 270 اقتراحًا لتطبيقات الهاتف المحمول على النموذج البولندي، ومن المعقول توقع أنه في ضوء هذا العدد الكبير، سيجد البعض منهم تسويقًا فعالًا، مما يسهل جدول أعمال احتواء الفيروس بالنسبة للحكومة.

وأكد الموقع أنه بصرف النظر عن التطبيقات، فإن استخدام المراقبة أمر واقع بالفعل. ولعدة أيام، تم السماح باستخدام طائرات من دون طيار مزودة بكاميرات للمراقبة والتأكد من أن المواطنين يقيدون فعليًا تحركاتهم في الأماكن العامة في العديد من البلديات الإيطالية.

 

وتعد قضية استخدام تقنيات المراقبة لرصد الامتثال للحجر الصحي في صميم أحدث المراسيم التي قدمتها الحكومة، التي أرست الأسس لتطبيقها على الأراضي الوطنية، ودعوة "ابتكر لإيطاليا" ليست إلا جزءا من هذا السياق.

المجهول ما بعد الأزمة

أوضح الموقع أن هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، دليل على الكيفية التي يمكن بها للسلطات أن تستغل خطورة الحالات الاستثنائية لبلورة تدابير ذات طابع استثنائي بصورة دائمة، أو بشكل شبه دائم، من خلال تعويد المواطنين على التعايش مع المراقبة باعتبارها حالة اعتادوا عليها باسم الأمن القومي والصالح العام.

وأشار الموقع إلى أن قانون باتريوت، الذي دخل حيز التنفيذ بعد يوم من أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، يتم تمديده بانتظام على الرغم من حقيقة أن خطر الإرهاب على الأراضي الأمريكية قد تضاءل بشكل كبير.

 

وبمرور الوقت، تم استخدام مجموعة القوانين لوظائف أخرى، مختلفة تمامًا عن الوظائف الأصلية، مما يمهد الطريق للمراقبة الجماعية، وإضفاء الشرعية على المراقبة للمواطنين العاديين. والآن، بعد أن مرت 20 سنة تقريبًا، أصبحت حالة الاستثناء هي القاعدة.

واعتبر الموقع أن الوباء أبرز قدرة السلطات على تنفيذ ضوابط واسعة النطاق على شعوبها، وأحيانًا بالتعاقد مباشرة مع الأجهزة الأمنية، باستخدام التكتيكات المستخدمة عادة في مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب.

 

ولكن من الصعب تصديق أنه في فترة ما بعد الأزمة، سنشهد تفكيك كاميرات المراقبة في موسكو أو نزع الشرعية عن أجهزة تحديد المواقع غير المرخص لها في الدول الغربية.

وفي الختام، نوه الموقع بأن تطبيقات المراقبة عن بعد تزدهر وتنتشر، من كوريا الجنوبية إلى بولندا مرورًا بإيطاليا، ومن المحتمل جدًا أن يُحدث فيروس كوفيد-19 ثورة في سوق منتجات المراقبة وما يرافقها من آثار سلبية على الحريات والخصوصية.

 

التعليقات (0)