كتاب عربي 21

عن "شعبوية" مرزوق الغانم.. و "واقعيتهم"!

فراس أبو هلال
1300x600
1300x600

لم تهدأ عاصفة الردود من قبل "واقعيين" عرب منذ أن ألقى مرزوق الغانم رئيس مجلس النواب الكويتي أوراقا تحمل نص "صفقة القرن" في سلة المهملات وحتى الآن، بحجة أن ما قام به الغانم في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي في العاصمة الأردنية عمان هو "شعبوية" و"عنتريات فارغة" وغيرها من الأوصاف.


وكحالة كثير من نقاشاتنا، نحن العرب، في مواقع التواصل الاجتماعي خلال هذه الفترة، فقد "انتحر" المنطق في نقاش ما قام به الغانم، حيث اختلطت المصطلحات بنقيضها، وغيرت المفاهيم بتعسف شديد، يناسب المرحلة البائسة التي نعيشها.


المغالطة الأولى في هذا النقاش، هي في عدم التفريق بين عمل السياسي التنفيذي وعمل البرلماني، وفي طريقة التعامل مع الشعبوية ذاتها. فقد اتهم الغانم من قبل من يعتبرون أنفسهم "واقعيين" بأنه شعبوي، وقالوا بأنه سياسي ولا يجوز أن يتصرف بهذه الطريقة، والغريب هنا أن هؤلاء لم يفرقوا بين البرلماني والحكومي، ربما لأنهم لا يعرفون معنى البرلمانات أصلا، فالبرلماني هو ممثل للشعب، وهو متحلل من إكراهات الحكومة، وهو يفترض أن يكون أقرب إلى نبض الشعب، بما يجعله بشكل ما شعبويا. إنهم يتهمون الغانم إذن بممارسة العمل الذي يفترض أن يقوم به، وهو أن يكون ممثلا للشعب لا للحكومة.

 

ولعل إحدى المفارقات العجيبة في هذا النقاش، هي أن متهمي الغانم بالشعبوية هم غالبا من مؤيدي ترامب ومحبيه وعاشقي "طلته البهية"، وهم رغم ذلك لا ينتقدون شعبوية ترامب التي وصلت به إلى رئاسة البلد الأقوى في العالم، فهم يحبون "شعبوية" أهم رئيس في العالم والذي يفترض أن يكون أكثر حاكم في العالم واقعية واتزانا، ويكرهون في نفس الوقت "شعبوية" برلماني ليس له دور في ممارسة السلطة التنفيذية.


أما المغالطة الثانية، فهي في تعريف "الواقعية" من الفريق الذي هاجم مرزوق الغانم وطريقة رده على صفقة القرن. فالواقعية في رأي هؤلاء هي الموافقة على كل ما يطلبه ترامب، أو على الأقل عدم رفضه، وهذا وصف للواقعية لم تعرفه علوم السياسة منذ ميكافيلي إلى اليوم.


إن السياسة الواقعية هي اتخاذ القرارات بناء على حساب مصالحك وتقدير أوراق قوتك وضعفك، وأوراق قوة وضعف اللاعبين الآخرين من خصوم وأعداء وأصدقاء وحلفاء. يتخذ السياسي قراره إذن وفق ما تمليه مصلحة بلاده وشعبه، وبطريقة تحاول تضخيم المكاسب وتقليل الخسائر ما أمكن.

 

وإذا سألنا "الواقعيين العرب الجدد"، ما الذي خسرته وكسبته الكويت من موقف الغانم؟ لقد كسب الغانم احترام الشعوب العربية وتقديرهم لبلده الكويت، ومارس تأثيرا إيجابيا "ناعما" لبلاده من خلال إظهار نموذجها الخاص "بديمقراطيته" النسبية وما يمنحه هذا النموذج من مساحة للبرلماني بالتحرك في هامش أوسع من الحكومي التنفيذي خلافا لمعظم الدول العربية. وفي نفس الوقت لم تخسر الكويت من هذا الموقف شيئا، فأين الواقعية إذن بإدانة هذا الموقف؟


المغالطة الثالثة التي وقع فيها "الواقعيون العرب الجدد" -بوعي أو بدون وعي- هي الخلط بين مستويات الفعل السياسي، والنظر إلى هذا الفعل على أنه مستوى واحد فقط، وذلك من خلال السؤال الساذج الذي طرح ردا على موقف مرزوق الغانم بالقول: وهل ستحرر أفعالك الشعبوية فلسطين والقدس؟ والحقيقة أن هذا التساؤل هو جهل مطبق بالسياسة بشكل عام، وبمشروع صفقة القرن بشكل خاص.

 

فالفعل السياسي بشكل عام يتدرج من إعلان المواقف إلى الحرب وبينهما إجراءات كثيرة، وإذا كانت أي دولة لا يمكن أن تفرض رؤيتها بالقوة، وإذا كانت الدول أصلا لا تفضل الوصول إلى هذا المستوى من الفعل (وهو الحرب)، فإنها تمارس فعلا يبدأ بإبداء موقفها من الأحداث، وقد يتطور الفعل ليصل إلى إجراءات دبلوماسية واقتصادية حسب قدرتها، ولكن عدم قدرتها على تحقيق مصالحها بالحرب لا يعني أبدا أن لا تعلن موقفها بشكل واضح، ولعل المتتبع للسياسة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية يجد أن دولا عظمى وقوية جدا لا تستطيع الحصول على حقوقها بالقوة ولكن هذا لا يمنعها من التمسك بهذه الحقوق وإعلان موقفها هذا بشكل دائم.


وإذا انتقلنا من العام للخاص، فإن جوهر "صفقة القرن" هو التطبيع بين الدول العربية وبين الاحتلال، وقبل ذلك موافقة الفلسطينيين على مبادرة "ترامب-نتنياهو" كمقدمة لهذا التطبيع، فما طرحه ترامب عمليا قائم على أرض الواقع ولا يستطيع الفلسطينيون تغييره في الوقت الراهن بسبب اختلال موازين القوى الرهيب، ولكن الاحتلال يريد من الشعب الفلسطيني أن "يختم" بالموافقة على هذا الأمر الواقع ليصبح شرعيا، وشتان بين الاحتلال وبين السيطرة بموافقة الفلسطينيين.

 

ومن هنا تأتي أهمية رفض الصفقة من قبل الفلسطينيين أولا ومن العرب والمسلمين عموما، وإذا لم يرفض البرلمانيون العرب هذه الصفقة/ الفضيحة بأعلى صوتهم وأقوى تعبيراتهم فمن سيرفضها إذن؟


لقد كان موقف الغانم شعبيا بلا شك لأنه يعبر عن مشاعر غالبية الشعوب العربية، ولكنه كان واقعيا أيضا، بناء على فهم المهمة الموكلة له كبرلماني، ودوره في إظهار صورة بلاده الكويت، واستنادا على فهم الهدف الجوهري من صفقة القرن، ولكنّ "الواقعيين العرب الجدد" يبتدعون تعريفات جديدة غير مسبوقة في علوم السياسة. كيف لا، إذا كان قدوتهم في هذا هو ترامب: الرئيس الذي خرّب السياسة في بلاده وفي العالم.

9
التعليقات (9)
adem
الأربعاء، 12-02-2020 07:47 م
الشكر الموفور للأستاذ الفاضل الحلّ الجذري لمأساتنا تبدأ في تقديري المتواضع في التغيير الجذري للتعامل الإعلامي مع هذا لطابور الخامس في منطقتنا ، بدلا من الواقعيين العرب الجدد فلنقلها صراحة مدوّية مزلزلة هؤلاء جزء من منظومة وكلاء الاحتلال و الغرب بصفة عامة فلنقلب الطاولة عليهم و لنفضحهم و لنضعهم في الزاوية و في موقف الدّفاع عن أنفسهم و ليعتبر الأحرار في عالمنا الإسلامي هؤلاء نجاسة فكرية من العار الاقتراب منهم فما بالك بالانتماء إليهم .
ابراهيم
الأربعاء، 12-02-2020 04:46 م
كانت أمنيتي أن لا يقبل أي أحد أي شيء يخص فلسطين ويصدر عن غير الفلسطينيين مباشرة دون الاطلاع عليه. بحيث يبدأ الخونة في نقاش الجمل والمفردات ويفسرون حسب خياناتهم للأمة...÷ذه أمور عقدية وتاريخ ومصير شعب لا سياسة فيها ولا ديبلوماسية ولا اتيكيت ترامب يحكم ويروح وييجي تاني يحكم ويروح والشعب الفلسطيني تلك أرضه وحياته ومماته ناهيك عن أنها مهد الديانات السماوية ... فكيف تأتي عصابة جمعت جمعا بالمال والرشى والاغراء من كل العالم لتحتل فلسطين وآتي أنا الحمار أناقش احتلالها وأساليبه
جعفر عباس
الأربعاء، 12-02-2020 09:11 ص
وبالمقابل هلل أولئك الواقعيون لقيام نانسي بيلوسي زعيمة الاغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الامريكي بتمزيق خطاب حالة الاتحاد الذي قدّمه اليها ترامب وهي تقف خلفه مباشرة دون ان تقرأ حرفا منه
حائر
الأربعاء، 12-02-2020 04:02 ص
لم اقرا ولم اسمع عن تاريخ او زمن كانت فيه الامة بهذا الانحطاط والسفالة . تبا لمن اصبح يجاهر بحب العدو ويجاهر بالخيانة دون خجل . تبا لمن اصبح يعلن عن خبايا مشاعره و سفالته دون حياء . هل تغيرت المفاهيم التي تربينا عليها . اين اصبحت العزة والكرامة وما معناها .
عدنان الفندي - عربي سوري
الثلاثاء، 11-02-2020 09:06 م
لا فُضَّ فوك . أقترح على الواقعيين العرب الجدد مزيداً من القراءة والتبصر بما يقرؤون على سبيل المثال قصة الأسد والثيران . فكلما تنازلنا طمع العدو فيما بين أيدينا وهذا هو حالنا اليوم فالمبادرة العربية التي يظن كثيرون أنها تجلب السلام والوطن للفلسطينيين لم تكن في حقيقتها إلا حالةً من حالات الانبطاح والخضوع , و أما عن الذين ينادون بالتطبيع اليوم والموافقون على صفقة القرن من الحكام العرب المتصهينين فهذا واضح وجلي بأنهم يحافظون على مناصبهم أو يحاولون المحافظة عليها وأخذ مباركة صهيوأمريكية بذلك حتى لو انتفضت شعوبهم عليهم . لذلك يشغلون وسائل التواصل الاجتماعي بتفاهات يرددها أشخاص تافهين بمحتويات أتفه الغرض منها خلق حالات من الانقسام الفكري والإيديولجي في الصف الشعبي العربي.