قضايا وآراء

طلائع السيسي.. استنساخ مشوه لتنظيمات ناصر

قطب العربي
1300x600
1300x600
لا يخفي رجال السيسي قلقهم على النظام الذي لا يحظى بحاضنة شعبية كونه جاء على ظهر دبابة، ولم يتمكن من البقاء إلا عبر استخدام "كل القوة الغاشمة" ضد الشعب. ويبحث أولئك الملتصقون بالنظام، والخائفون على مصيرهم المرتبط بهذا النظام وجودا وعدما، عن أي أدوات جديدة لضمان استمراره لأطول فترة ممكنة. ومن ذلك ما طرحه مؤخرا الصحفي ياسر رزق، رئيس مؤسسة أخبار اليوم وأحد أبرز المقربين من السيسي، حول تشكيل "طلائع" في المدارس ومراكز الشباب من الأعمار الصغيرة (طلائع 3 تموز/ يوليو) لتكون جاهزة عند حلول العام 2030، حيث تنتهي المدة الثالثة للسيسي، ويكون هناك خطر على استمرار بقية رموز النظام.

يقول رزق في تمهيده لمشروعه: "الآن يساورنى قلق جديد لا أستطيع أن أخفيه إزاء جيل 2030!.. فالطفل الذي كان في الحادية عشرة من عمره أي في الصف السادس الابتدائي، أيام ثورة 25 يناير، صار الآن في العشرين من عمره، إما يدرس بالجامعة، أو دخل فعلاً إلى سوق العمل، أعني أن وعيه قد تشكل وتقولب في خضم تقلبات الأحداث وتجاذبات الأفكار وتناقضات المواقف، بين ثورة 25 يناير ومآلها، وحكم الإخوان ومآله، و 30 حزيران/ يونيو وتوابعها.

والطفل الذي يدخل هذه السنة عامه الثامن، سيصبح في الثامنة عشرة من عمره عام 2030، أي سيكون من حقه اختيار رئيس الجمهورية الجديد من بين مرشحين عديدين، بعد انتهاء ولاية السيسي إذا شاء الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024، واختاره الشعب.

هذا الطفل، ومعه طفل ثورة 25 يناير الذي سيبلغ سن الثلاثين عام 2030، وسيكون في الأغلب رب أسرة ومع الاثنين الأطفال الذين نشأوا بين عامي 2011 و2020، سوف يصبحون بالقطع محرك المجتمع ووقود الدولة وحملة بيارق الوطنية المصرية، وأصحاب الكلمة الفصل في صندوق الانتخاب وتقرير مستقبل البلاد!!

الأهم والأخطر، أنهم لا بد وأن يكونوا الأنساق الأولى لشعب مصر في صد الهجوم المضاد (كما أفترضه ويفترضه غيري) الذي تتهيأ له جماعة الإخوان وحلفاؤها وأنصارها لاقتحام الحياة السياسية بغية قنص لسلطة".

لا يخفي رزق قلقه من إمكان عودة الإخوان الذين (حسب كلامه) لم تنكسر إرادتهم ولا يزال لهم وجود في دوواوين العمل الرسمية، ولا يزال لهم حضور في الشارع عبر الصفوف الرابعة والخامسة، والذين يظهرون مع كل دعوة للنزول إلى الشارع، ويرى أن كسر إرادتهم لن يكون بالأمنيات أو مقارعة الأفكار، ولكن عبر الاجتثاث الأمني المباشر.

بعد هذه المقدمة التي تكشف رؤية فريق السيسي للإخوان وقلقه على مستقبل الحكم العسكري، يقترح الكاتب شكلا تنظيميا يحاول استنساخ وتطوير تجربة التنظيم الطليعي في الستينيات، وهو التنظيم السري الذي أسسه الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر داخل التنظيم السياسي الأوحد في البلاد في ذلك الوقت، وهو "الاتحاد الاشتراكي" وكان السند الرئيسي له في الحكم، والتجسس على الشعب، ولكنه يبدأ هنا في سن مبكرة (سن الطفولة) حتى يمكن تربية الأطفال مبكرا على قبول الحكم الاستبدادي العسكري والدفاع عنه في مواجه مناوئية.

يتضمن الاقتراح "إنشاء منظومة متكاملة أشبه بشجرة ذات أغصان تتعدد وتتشعب كلما ارتفعنا إلى أعلى، لكنها كلها تتفرع من ساق قوية تحملها من أسفل، حيث الأرض والتربة الخصبة. هذه المنظومة أو الشجرة أقترح لها اسم حركة 3 يوليو".

ويبدأ تنظيم طلائع 3 يوليو من تلاميذ المدارس الابتدائية والاعدادية في الحركة الكشفية، وحركات الجوالة والمرشدات لطلاب المرحلة الثانوية، وكذا طلاب الجامعات المنضوين في أسر جامعية خاصة، مع إعادة بناء الحركة الكشفية لتشارك القوات المسلحة ممثلة في إدارة الدفاع الشعبي في الإشراف عليها مع وزارتي التعليم والشباب، على أن تقتصر الانتخابات الطلابية في المدارس والجامعات على أعضاء التنظيم، وتنشأ اتحادات مماثلة على مستوى المحافظات.

ما طرحه جليس السيسي ليس قدحا من رأسه، ولكنها فكرة تهيم في أذهان رجال الحكم، خرجت عبر كاتبهم المفضل، لكن هذه الفكرة والتي تستنسخ بطريقة مشوهة تجربة التنظيم الطليعي في الستينيات، تجاهلت أهم مرتكز لتجربة الستينيات، وهو وجود مشروع سياسي (بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه) كان له أنصار مؤمنون به، ومستعدون للدفاع عنه، والتفاني في سبيله. وهذا الأمر غير قائم حاليا، فالسيسي ليس لديه مشروع سياسي، اللهم إلا إذا اعتبرنا قتل الديمقراطية وملاحقة دعاتها، وبيع الأرض والتفريط في السيادة والثروات القومية، وموالاة الصهاينة.. هو المشروع، وفي هذه الحالة فلن يجد مؤمنين حقيقيين به، مستعدين للتضحية من أجله، بل سيظل معتمدا على المنتفعين والانتهازيين. وهؤلاء يمكن أن يشكلوا تنظيما عصابيا ولكن لا يمكن أن يشكلوا تنظيما سياسيا، ولا نبالغ إذا توقعنا أن هذا التنظيم حال تأسيسه سيكون صيدا سهلا للقوى السياسية المناهضة للاستبداد، وفي مقدمتها الإخوان لاستقطاب عناصره التي حصلت على قسط من التثقيف السياسي الذي يفتح أعينها وعقولها على ما لم يقله المدربون والمشرفون في محاضراتهم وندواتهم، والذين لن يستطيعوا مواجهة تدفق المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر النقاشات الحية مع أقرانهم من الشباب الواعي.

مشروع طلائع 3 يوليو هو فكرة مكملة للبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب، والذي أنشئت من أجله أكاديمية خاصة، وتعقد له مؤتمرات الشباب في أماكن مختلفة بحضور السيسي شخصيا. وقد تم اختيار بعض خريجي هذا المشروع مؤخرا كنواب للمحافظين، لكن هذا لا يعني أن النظام تمكن من صناعة طبقة شبابية مؤمنة به، ومستعدة للدفاع عنه، ولكنه صنع طبقة من المنتفعين والانتهازيين الذين يدافعون فقط عن مصالحهم الآنية، وليس مصالح الوطن والشعب، والذين سيضعون السيسي تحت أرجلهم إذا جاء الطوفان كما فعل أسلافهم في عهد مبارك.

الاستعانة بتنظيمات مصنعة في أفران السلطة ليست جديدة على الحياة السياسية المصرية، فكل النظم العسكرية المتعاقبة جربت هذا الطريق. وباستثناء التنظيم الطليعي في الستينيات الذي ظل رجاله يديرون الدولة حتى حكم مبارك، فإن التنظيمات المستنسخة اللاحقة كان نصيبها الفشل السريع، مثل أسر حورس التي أسسها وزير الشباب والرياضة الأسبق عبد المنعم عمارة في الجامعات المصرية، وامتدت إلى خارج الجامعات لكنها لم تعد ذات قيمة، ومثل جمعية شباب المستقبل التي أسسها جمال مبارك لتكون ظهيرا له ولكنها اختفت مع سقوط مؤسسها ووالده، وبالتأكيد ستلحق طلائع السيسي بكل ذلك، فإن الله لا يصلح عمل المفسدين.
التعليقات (1)
هيمن الخطابي
الإثنين، 10-02-2020 12:15 ص
الاتحاد الاشتراكي العربي كان هو التنظيم السياسي الأوحد الذي سيطر على كل مفاصل الدولة في مصر تحت حكم ناصر، وأي نشاط حر خارجه كان يجرم فاعليه، وكتابهم المقدس كان هو الميثاق الذي خطته يد عراب النظام الأول هيكل، وناقديه ينعتون بالهرطقة، وجند الإعلام والمثقفين التابعين لتأليه مبادئه وتعظيم فلسفته، ومنظمة شبابه كانت وسيلتهم لتغييب أدمغة الشباب وتغيير عقائدهم وتعبيدهم لقادتهم، وتنظيمه الطليعي كانت الطريق للسيطرة على مفاصل الدولة والشعب، ورغم ذلك فقد تلاشى وأصبح أثراُ بعد عين في مسلسل صراع السلطة بعد تولي السادات، وانفض عنه عرابيه ومؤيديه من المتسلقين والمنافقين والمغيبين، والميثاق الذي كانوا يحفظون ويقدسون نصوصه ألقوا به في المزابل، فمثل تلك التنظيمات لا تنتج إلا مسوخ مشوهة الفكر والعقيدة تتبع كل دجال وناعق، فإن جاعوا أكلوا أصنامهم التي صنعوها بأيديهم وعبدوها، ونهايتهم كانت كنهاية حزب السادات ومبارك "الحزب الوطني الديمقراطي"، الذي استعار شعار النازية العنصرية "المانيا فوق الجميع" واحاله إلى "مصر فوق الجميع"، ومن يسيرون على دربهم اليوم من دجالي العصر والمستقوين بهم والمنفذين لأوامرهم والمستمعين لهم والمصدقين لأوهامهم، ستكون نهايتهم كنهاية من سبقهم، وما الغد عنا ببعيد، فقد ظهرت بوادره.