قضايا وآراء

ماذا بعد الإعلان عن صفقة القرن؟

حازم عياد
1300x600
1300x600
لم تتبلور بعد صورة واضحة للمشهد الإقليمي المتوقع أن يتشكل بعيد إعلان دونالد ترامب خطته لتصفية القضية الفلسطينية المسماة صفقة القرن؛ فلم تتضح بعد المسارات التي ستعايشها المنطقة العربية، ولم تتبلور خطة عمل واضحة لدى الفلسطينيين لمواجهة المشروع الأمريكي والإسرائيلي المشترك، ولم تتضح دوافع وتداعيات ردود الفعل العربية والدولية الباهتة والمتواطئة إلى حد كبير مع الإعلان الأمريكي.

رغم الغموض في المواقف الدولية والعربية، إلا أن الإعلان حرك المياه الراكدة في الساحة الفلسطينية؛ دافعا طرفي الانقسام الفلسطيني إلى اتخاذ خطوات من الممكن أن تسهم في التقارب بين السلطة في رام الله ممثلة بحركة فتح والمقاومة في قطاع غزة وعلى رأسها حركة حماس. فالرئيس عباس أشرك ممثلين من الجهاد وحماس في اجتماع القيادة في رام الله، وتواصل هاتفيا مع إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، وأرسل وفدا إلى قطاع غزة؛ خطوات واعدة وذات دلالات مهمة على الصعيد الفلسطيني ستبقى محل شك ومراقبة لوقت طويل إلى حين تبلور موقف فلسطيني ورد ميداني واضح.

فالمسارات المتوقع أن تتطور ضبابية في الساحة الفلسطينية، إذ تتحكم فيه العديد من المعطيات المحلية والإقليمية الدولية؛ ذلك أن المشهد الفلسطيني الداخلي محكوم بالعديد من الاعتبارات، وعلى رأسها الاستحقاق البيولوجي الذي تحدث عنه الرئيس عباس، وأكد فيه أنه يعيش خريف عمره، في حين أن البدائل الفلسطينية الداخلية لم تتبلور، ما سيفتح الباب على مصراعيه لتصارع إقليمي ودولي لتحديد طبيعة القيادة المقبلة للشعب الفلسطيني؛ صراع من الممكن أن يمتد إلى دول الجوار والخليج العربي المنخرطة بشكل أو آخر في الملف الفلسطيني ليعزز من مستوى الانقسام العربي، ويفعّل دور اللاعبين الإقليمين والدوليين الطامحين في المنطقة؛ خصوصا وأن بعض الأطراف العربية ستتحرك بوحي من صفقة القرن بحثا عن أدوار سياسية واقتصادية تبقيها على رادار الاهتمام الأمريكي.

فالفلسطينيون مقبلون على مرحلة حرجة ومعقد وتحتاج إلى حوار معمق، وليس مجرد إجراءات سطحية استعراضية لتحقيق التوازن الداخلي المدعوم بتوازن إقليمي تشكل على وقع تصاعد مكانة كل من تركيا وإيران في الإقليم، وهما أبرز الأطراف الرافضة للصفقة في غرب آسيا.

فالأسئلة المتعلقة ببلورة مسار فلسطيني داخلي وآخر إقليمي تزداد صعوبة عند الحديث عن مواقف الدول العربية الخليجية، والتي شارك بعضها في حفل الإعلان عن الصفقة (الإمارات العربية وسلطنة عمان والبحرين) التي يبحث بعضها عن مبررات لدعم الخطة الأمريكية؛ مستعينا باللغة الغامضة التي قدمها ترامب ووعد فيها بإقامة عاصمة دولة فلسطين منزوعة السلاح في القدس الشرقية (شعفاط)، مقابل إبقاء القدس موحدة تحت سلطة الكيان الإسرائيلي، فاتحا الباب للضغط على الأردن للعب دور من خلال بوابة الحفاظ على "الستاتيكيو" في الأماكن المقدسة، شارعا الأبواب لعملية تفاوض تمتد أربع سنوات تزيد المشهد العربي تعقيدا وتنافسية وتصارعا وانقساما.

قدم ترامب وعودا اقتصادية بمعايير فضفاضة تتيح للدول الداعمة لإدارة ترامب والراغبة بالانفتاح والتطبيع على الكيان الإسرائيلي؛ مجالا واسعا للمناورة وخلق جبهة للدفاع عن المشروع الأمريكي والضغط على الدول الرافضة للشروع، على أمل تفكيك المشهد العربي المفكك أصلا؛ ذلك أن الإشارة إلى دولة وعاصمة ورفاه اقتصادي يفتح الباب لبعض الدول العربية لمحاولة تبرير لحاقها بالركب الإسرائيلي وتبرير الشراكات مع الكيان، وعلى راسها التجمعات الإقليمية الاقتصادية، كمنتدى غاز المتوسط المتوقع أن يحل مكان الجامعة العربية كمنظمة إقليمية تسمح للكيان بتوسيع نفوذه الجيوسياسي في المنطقة العربية.

عوامل التوتر وعدم اليقين والسيولة المقضية إلى الاستقرار تتوافر لدى كافة الأطراف، بما فيهم الكيان الإسرائيلي الذي سيواجه المزيد من التحديات الداخلية، وعلى رأسها الانقسام الداخلي وتشكيل حكومة جديدة الذي سيتحول إلى استحقاق بعد شهر؛ فهل سينجح نتنياهو أو غانتس في تشكيل حكومة، أم أن الملف سيبقى عالقا لمزيد من المناورات والفوضى؟

الحال في الولايات المتحدة الأمريكية لا يختلف كثيرا؛ فالرئيس الأمريكي يواجه التحديات بمزيد من الاندفاع نحو مشاريع كبرى مشكوك في قدراته على استكمالها، دون فتح أبواب من الممكن أن تورط الولايات المتحدة في حروب خارجية في الخليج العربي وبحر الصين وغيرها. فقدرة ترامب على حسم الملفات بالتفاوض والمساومات مشكوك فيها في حقبة رئاسته الثانية؛ المتوقع أن تشهد تصاعد المعارضة المناهضة لرئاسته الثانية، في حين أن خليفته ومنافسه في حال فاز في الانتخابات الرئاسية سيعمد إلى مراجعة الكثير من استراتيجيات ترامب، وهو أمر سيربك كافة الحلفاء المتورطين مع الإدارة الأمريكية الحالية.

ختاما: المسارات كافة؛ الممكن اشتقاقها من الخارطة الأولية لآلية التعاطي الإقليمي والدولي والعربي مع صفقة القرن، تؤكد على أن الانقسام في الساحة العربية سيزداد حدة ومرشح لأن يتحول إلى انقسام يسوده التوتر؛ ترتفع سخونته تدريجيا حاله كحال الساحة الفلسطينية المتوقع أن تشهد أحداث أكثر درامية بفعل الاستحقاقات الداخلية في الساحة الفلسطينية، وبفعل العربدة الإسرائيلية المتوقعة وتداخل الملف الفلسطيني مع العديد من الملفات الإقليمية. فهل ستنجح جبهة المطبعين العرب في قيادة المشهد العربي، أم أنها ستواجه مقاومة شرسة من الممكن أن تفلت من عقالها لتتحول إلى صراع إقليمي أسئلة كبيرة؛ تؤكد المؤشرات الأولية فيها أن المنطقة على موعد مع موجة من انعدام الاستقرار والفوضى التي يصعب التحكم أو التفرد فيها مستقبلا من طرف دولي أو إقليمي بشكل منفرد.
التعليقات (0)