مقالات مختارة

هكذا يفعل الإنصات للآخر

عبد الله العمادي
1300x600
1300x600

قال الحسن البصري ناصحاً تلميذاً له: إذا جالست العلماء، فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول. وتعلم حُسن الاستماع تتعلم حُسن الصمت، ولا تقطع على أحد حديثه، وإن طال حتى يُمسك.


كلمات مختصرات يمكن اعتبارها قواعد أساسية من تلك التي ندرسها بالجامعات والمدارس ومراكز التدريب. قواعد مهمة لأجل تعلم ناجح واكتساب حكمة واحترام وتقدير الآخرين. القاعدة الأهم التي نريد التوقف عندها، والتي كررناها في أكثر من مناسبة وموقع أو موقف، تدور حول أهمية الإنصات إلى من يتحدث إليك، وليس الاستماع فحسب، سواء كان محدثك يقدم علماً أو يبدي رأياً أو وجهة نظر معينة، في مسألة أو موضوع معك وغيرك.


غالب مشكلاتنا في بيوتنا بين الأزواج أو بين الوالدين وأبنائهما، أو في أعمالنا بين الرؤساء والمرؤوسين، أو أنديتنا ومجالسنا ومنتدياتنا وما شابه -لو تبحث عن جذورها- لوجدت أن واحدة من أسبابها الرئيسية كامنة في عدم الإنصات للآخر، وبالتالي كنتيجة منطقية طبيعية، عدم فهم ما يجري ويدور أو يُقال، وبناء على عدم الفهم ذاك، تُبنى مواقف سلبية أو يتم اتخاذ قرارات جوفاء عقيمة أو غير ذلك من نتائج غير محمودة.


إن عدم الإنصات، سبب رئيس لكثير من الأزمات والعثرات في علاقاتنا الإنسانية. عدم الإنصات يعني طغيان الأنا وبقوة، ورغبته في الاعتلاء والبروز والظهور. عدم الإنصات قد يعني كذلك رغبة كل واحد منا في أي لقاء أو اجتماع على سبيل المثال لا الحصر، أن يكون له النصيب الأكبر في الحديث والناس تسمع له، وليت الأمر يقف عن ذاك الحد، إذ قد يتعداه ليكون هو الأكثر من يقاطع الآخرين بعدم الاستماع إليهم فضلاً عن الإنصات لهم، والاستمرار على المقاطعة !


من المؤكد أنك شاهدت مرة أو مرات، برنامج الاتجاه المعاكس في الجزيرة كمثال أو ما شابهه من برامج، نوضح به ما نريد الوصول إليه اليوم. إذ لا شك أنك في إحدى المرات ضجرت من بعض الحلقات، حين كان يختلط الحابل بالنابل من الأصوات وكنت تجد متحاورين يتحدثان في نفس الوقت، فيما كان المذيع القاسم يحاول التهدئة والفصل بينهما دون جدوى.. حاول أن تتذكر مشهداً من تلك المشاهد والنتيجة التي خرجت بها بعد أن يهدأ الجو.. لا شك أن الحصيلة كانت لا شيء. لماذا؟ لأن كل طرف لم يلتزم بأدب الحديث والحوار، ومن ذلك الأدب، الإنصات الذي يختلف عن السماع والاستماع..

 

نعم، كل ضيف كان يسمع الآخر، أو بالأصح كان يسمع صوت محاوره وصوت المذيع وصوته نفسه وقد اختلطت ببعض، لكن الجزئية المهمة أنه لم يكن ينصت لا للمحاور أو حتى المذيع، والمحصلة النهائية صفر. فلا هو فهم الآخر، ولا استمع للمذيع، ولا المشاهد خرج بنتيجة من تلك المعركة الصوتية.


السماع كما يقول علماء الكلام والأصوات، هو إدراك وجود أصوات أو ذبذبات حولك دون أن تفهم كنهها، بسبب أنها لا تصل إلى المخ بشكل صحيح ليتمكن من ترجمتها إلى معنى مفهوم، على عكس الإنصات الذي يختلف تماماً. حيث تذهب الذبذبات تلك عبر الأذن إلى المخ ويفسرها ويترجمها إلى معان مفهومة مقبولة، وبسبب ذلك يحدث الفهم والاستيعاب.


كيف أخرج مستفيداً من أي حوار؟


من المهم جداً وأنت تستمع إلى شخص يتحدث إليك، ألا تقاطعه أثناء الحديث، مهما كانت أهمية ما تود قوله، لأن تركيز المتحدث حينها يكون منصباً على ما يقول ويريد إيصاله إليك، إذ لن ينتبه لمقاطعتك أولاً، ومن ثم ستكون مصدر إزعاج له ثانياً، وبالتالي قد ينتج عن ذلك نفور من أي حوار مستقبلي معك..


الإنصات لمن يتحدث إليك والنظر إلى عينيه ولغة جسمه وعلى وجه أخص حين يكون الحديث ثنائياً، هو نوع من الخلق أو الذوق الرفيع. حاول مثلاً أن تضع نفسك موضع المتحدث وحاول أن تستشعر معنى أن يقاطعك أحدهم وأنت مسترسل في حديثك وتركيزك منصب على ما تقول.. لا شك أنه أمر مزعج غير مقبول البتة.


إن كنت تعاني من مشكلة مقاطعة الغير أثناء الحديث، وعدم الإنصات إليه أو لا تحسن فن الإنصات، أن تتدرب مراراً وتكراراً على:


• ضبط نفسك وأعصابك ولسانك.
• لا تتكلم قبل أن تسمع وتنصت تماماً للحديث.
• دع المتحدث ينهي حديثه بالتمام وبالكمال.
• استمع له بإنصات وتركيز وفهم قبل أن ترد وتناقش.


أليس القرآن يدعونا إلى إدراك أهمية الإنصات في قوله تعالى:" وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون" ؟ لم يقل استمعوا فقط بل مع الاستماع وجب الإنصات الذي هو الاستماع بفهم ووعي وحضور ذهن وقلب.

 

درس قرآني عظيم في أهمية الاستماع الذي يأتي بعده الإنصات، وبسببه يحصل اكتساب علوم كثيرة وفهمها بين الطالب والمعلم، وأكثر من هذا حدوث الود والألفة بين المتحدث والمنصت، وهل أحد منا لا يبحث عن تلك الألفة والود مع الغير؟

 

(عن جريدة الشرق القطرية)

التعليقات (0)