قضايا وآراء

الثورات العربية وسليماني وتركيا

عزة مختار
1300x600
1300x600
لست أبالغ حين أقول إن أنظمة كثيرة تابعت اجتماع مجلس النواب التركي يوم الخميس الماضي، منها عربية وأخرى غربية، هذا إلى جانب الشعوب العربية المتعطشة للبطولة ولمن ينصفها وينحاز لجانب الحق والشرعية الناتجة عن جولات الربيع العربي الذي ما زال يصارع من أجل الاستمرار.

وللحق، فإن أداء مجلس النواب التركي أبهر الكثير من العرب الذين حرموا من مثل تلك المجالس الحرة والتي تمثل شعوبها بحق، سواء أداء الأغلبية التي تشكل حكومة البلاد، أو المعارضة المحترمة التي عارضت القرار بشراسة وساقت الأسباب التي تدفعها لرفض قرار إرسال مساعدات عسكرية لحماية الشرعية في ليبيا، ليسفر القرار بالموافقة بالأغلبية لصالح إرسال تلك المساعدات.

ويرى البعض أن النظام التركي بذلك يخوض الخيار الصعب، ويصعد من الاحتقان في منطقة المتوسط، خاصة مع مصر التي يقوم نظامها بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المنقلب على النظام الشرعي في البلاد.. دعم يصل لإرسال الجنود والعتاد ليصير الشرق الليبي ملغما وغير آمن، وتتعرض فيه المدن الآمنة والمناوئة للانقلاب للقصف ومقتل العشرات من الأبرياء بشكل ممنهج وبمساعدة النظام المصري. وعلى الجانب الآخر وجدت تركيا أن حقوقها في المتوسط تتعرض للخطر، فكان لزاما على أردوغان أن يحفظ حق بلاده في المياه الدولية والتي تنازل عنها النظام المصري في مقابل الحصول على شرعية دولية تضمن له بقاءه على سدة الحكم برعاية دولية.

اشتعال الخليج ومقتل السليماني

في اليوم التالي لقرار البرلمان التركي الذي أثار حفيظة مصر ودفع خارجيتها لإصدار بيانات شديدة اللهجة تحذر فيها تركيا من مغبة الاستمرار في تنفيذ القرار وإرسال قوات تركية لدعم حكومة الوفاق المعترف بها دوليا منذ سقوط القذافي، يتم تصفية القائد الإيراني قاسم سلماني في العراق، بأمر مباشر من الرئيس الأمريكي، وتتصاعد وتيرة الغضب الإيراني لتهدد باستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة، وقتل المزيد من الأمريكان في الشرق الأوسط، مما يخفف الضغط الإعلامي على قرار الرئيس التركي وبرلمانه، ويشتعل الموقف وتتباين ردود الفعل حول مقتل سلماني بالتأييد المطلق، والرفض المتحفظ لتصاعد الصراع الإيراني الأمريكي.

واتخذت الولايات المتحدة قرارا بإرسال ثلاثة آلاف جندي للعراق لتعزيز الوجود الأمريكي وحماية المواطنين الأمريكيين بالمنطقة. ودعت الولايات المتحدة مواطنيها المتواجدين للحذر تحسبا لأعمال عنف قد تقوم بها طهران ردا على مقتل سليماني، للخروج من حالة الحرج التي وضعتها فيها أمريكا.

وتثار الكثير من التساؤلات حول العلاقة الأمريكية الإيرانية في المنطقة، حيث تدار السجالات بين الدولتين دوما خارج حدودهما، فالقتل والانتقام والتصعيد والوعيد دائما يكون فوق أراضي الغير، وكأن المقصود أن تحافظ الدولتان على بقاء تلك المنطقة مشتعلة وتحت التهديد وساحة للمعارك الدائرة بينهما.

وأؤكد من خلال تلك المعطيات المتكررة أن الردود الإيرانية على عملية اغتيال قائدها لن تخرج إلا بمزيد من العنف في المناطق ذات الغالبية السنية، في سوريا والعراق. وأؤكد أيضا بناء على نفس المعطيات أن العملية تلك ما كانت إلا لإعاقة الثورة العراقية المتفجرة، والتي استطاعت أن توحد بين السنة والشيعة في العراق ونبذ الخلافات المذهبية بينهم على حساب إيران، لدرجة أن من حرق المؤسسات الشيعية الإيرانية هم من الشيعة العراقيين، مما يثير تساؤلات أخرى ليست بريئة، منها على سبيل المثال: ما هو كنه العلاقة الأمريكية الإيرانية؟ وإلى أي حد تتشابك المصالح بينهما؟

وما يحسبه المتابع أنه اشتباك قد يحرق الخليج كله؛ هو في باطنه توازن مصالح، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه في العراق من صراع مذهبي دام، وإعطاء مبرر للقوات الإيرانية لتوجيه غضبها تجاه من يعملون على المصالحة العراقية الداخلية، أو على سيطرة الثوار وطرد إيران من البلاد.

وليس هناك مانع لدي الطرفين أن تكون هناك عدة تصفيات لرجال أدوا ما عليهم وتم حرقهم، لتكون بداية من جديد أكثر شراسة وعنفا لقتل المزيد من السنة في سوريا والعراق، وعمل تغيير ديموغرافي يتم على قدم وساق منذ بداية الثورة السورية.

إذن فالثورة العراقية والوحدة المذهبية كانتا الهدف الأول المطلوب إفشاله من تلك العملية، والهدف الثاني هو تجديد العنف الإيراني وإعطاؤه المبرر لتهديد المنطقة من جديد، ومن ثم يتم الضغط على النظام السعودي الذي توقف عن دفع ثمن حمايته منذ شهور.

أين الثورة المصرية بين تلك الفخاخ الدولية

تتزامن تلك الأحداث مع دعوات نشطاء مصريين في الخارج للشعب المصري للنزول في ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير، ويخرج الفنان والمقاول محمد علي بوثيقة تتضمن مبادئ مرحلة ما بعد السيسي. ولأول مرة منذ الثالث من يوليو 2013، يتوافق على وثيقة ما أو مبادرة ما هذا العدد من شركاء ثورة يناير، بمن فيهم الإخوان المسلمون الذي أعلنوا أن الشرعية بعد رحيل الرئيس محمد مرسي تؤول إلى الشعب، ومن حقه وحده أن يختار من يحكمه.

ومن الصعب أن نفصل اليوم بين أحداث عالمية تدور على أراضينا، وبين المشكلات الداخلية والقضايا المصيرية داخل حدود الوطن، بمعنى أنه يمكن الربط بين ما يدور في الخليج، وما يدور في ليبيا، وما يرنو إليه المصريون داخل بلادهم. ولا أستطيع فصل كل ذلك عن أحداث الثورة الجزائرية والتي انتهت بانتخابات ما زالت تثير الجدل ولا اتفاق عليها، ولا ما يحدث في تونس، أو ما يدور في المملكة السعودية وتورطها في اليمن.. لا نستطيع أن نفصل بين كل ذلك بينما العالم صار كالقرية الواحدة، فكيف بنا داخل حدود بلاد العرب الساخنة؟

فبالنسبة للثورة المصرية أعتقد أنه يمكن للشعب المصري أن يصنع من الأحداث الحالية موجة ثورية يستطيع من خلالها أن يسقط الانقلاب، بينما النظام في أعلى درجات الارتباك والخوف من التدخل التركي الذي يقضي على أطماعه في ليبيا، ويضعه في ورطة التخلص من القوات المرتزقة التي عبرت الحدود الليبية عبر مصر، بعدما هدد السودان تلك القوات إذا اقتربت من حدوده الشمالية مع ليبيا، وصارت السواحل الليبية محاصرة بالبحرية التركية. فلا ملاذ إذن لحفتر وجنوده إلا مصر، وهي ورطة بالنسبة لنظام السيسي. ومن ناحية أخرى فقد استنجد السيسي بأمريكا للضغط على تركيا، وهو لا يعلم أن لعبة المصالح قد تقتضي أن تترك أمريكا لتركيا مساحة في ليبيا للتغاضي عن الوجود الأمريكي لرعاية مصالحه في الخليج، وخاصة أيضا بعد مقتل قاسم سلماني الذي كان ينفذ الاستراتيجية الأمريكية بدقة رغم الخلاف الظاهري، غير أن تاريخ الصراع بينهما في المنطقة يكشف تلك العلاقة المعقدة، وتاريخ الاغتيالات الأمريكية يؤكد أنها قد تقتل رجالها إذا خرجوا عن الخط المرسوم، أو إذا حاولوا الاستقلال بإرادتهم ومصالحهم.

فالخط الأمريكي بالنسبة للنظام المصري في هذه الفترة مشغول بلعبة أخرى، هذا غير الخليج الذي توقف تمويله وأصبح لزاما على النظام المصري أن يبحث عن ممول آخر، فتوجه إلى روسيا. وعلى ما أعتقد، فالدب الروسي لن يضحي بعلاقاته التركية رغم أطماعه المعلنة في ليبيا، ومن هنا يصبح الانقلاب المصري محاصرا بشكل كبير إذا أضفنا إليه السودان الذي صوت لصالح ليبيا وتركيا في اجتماع الجامعة العربية الأخير.

فالظروف الدولية والأحداث المتسارعة تصب في نهاية المطاف لصالح الثورات العربية، بدءا من العراق المهدد بأن يصبح ساحة لصراع كبير ضد السنة، وفي اليمن بعدما صار الحليف الإيراني يملك الفرصة للانتقام والتصعيد ردا على حادث الاغتيال، وأحسبها سوف تستهدف مصالح أمريكية داخل الأراضي السعودية، ولتكون إيران بذلك قد صوبت تجاه عدة عصافير بحجر واحد، فهي توسع دائرة نفوذها في الخليج من جهة، وتضغط على النظام السعودي من جهة أخرى، وهو أمر لصالح ترامب، إلى جانب تحجيم الثورة العراقية التي نراهن في استمرارها على وعي الشعب العراقي من الأساس.

وبالعودة لوثيقة محمد علي، نجد أن إعلانه المتكرر عن موقف الإخوان المسلمين منها، ما هو إلا رسالة ليس للداخل المصري، وإنما لجهات خارجية بعينها.. رسالة طمأنة لتلك الجهات بأن الإخوان المسلمين لن يكونوا في المشهد القادم، وأن الليبراليين أو جانبا كبيرا منهم هم جزء أصيل في الوثيقة، فيطمئن المعني كما قلنا ويرفع يد الدعم عن حليفه في مصر، فينفرد به الشعب، ولا يفقد هذا الحليف مصالحه في البلاد باكتفاء الإخوان المسلمين بخروج المعتقلين والمشاركة كمعارضة، وهم الذين يستخدمهم النظام كفزاعة للغرب ليظل مدينا له بإبقائه على الكرسي.

إن الأحداث الدولية المتشابكة، والمصالح المعقدة تستدعي من الشعوب العربية أن تخرج من دائرة المحلية، وتنتفض لتصير انتفاضة عربية موحدة تحطم كافة الأسوار التي وضعها الاستعمار وحرص على بقائها، لتفرض واقعا جديدا سوف يجبر العالم على احترامه وتقديره ووضعه في الحسبان. فهل تفعلها الشعوب في الأيام القليلة المقبلة؟ هذا ما ننتظره، وما ذلك على الله ببعيد.
التعليقات (1)
مصري جدا
الثلاثاء، 07-01-2020 07:39 م
لو كان الأمر بهذه البساطة ما كانت كل هذه الكوارث ،، المشروع الصهيوامريكي استخدم الاخوان بمنهجهم المعتدل السلمي كجدار عازل حماية للأنظمة المستبدة من الكيانات الإسلامية الو تحياه المسلحة وعاش الاخوان الدور باخلاص يحسدون عليهه ،، عاشوه إيمانا بالمنهج وليس من باب العمالة ولا التمثيل ،، وبعد ثورات الربيع العربي ظهر جناح جديد من الوكلاء للمشروع الصهيوامريكي لا يعتبرون السياسة ولا النضال السياسي للمعارضة لكن يعتبرون القوة الغاشمة والرصاصة القاتلة ،، لم يعودوا بحاجة لصناديق التصويت حتى المزورة واستبدلوها بصناديق الذخيرة المدمرة ،، هكذا تعامل جنرالات العسكر في مصر واليمن وسوريا والعراق وليبيا واليمن ،، لذا قالها السيسي بكل اعتزاز ،، انا مش سياسي ،، انا مقاتل ،،،انتهى كلام السيسي ،، ولا أدري أين قاتل غير في ميدان رابعة والنهضة والحرس الجمهوري ومن قبلهم محمد محمود ،،، رسائل الاخوان للغرب او الشرق رسائل متأخرة في الوقت والمكان الخطأ ،، الغرب حين وجد الوكلاء الجدد ،، وكلاء البندقية وصناديق الذخيرة وضع الاخوان في مكانهم الذي يؤمن به ،، وهو أنهم حزام حامل للإرهاب والتطرف ،،، هذه خلاصة تقارير بريطانية وأمريكية ،،، على الاخوان ان يرسلوا رسائلهم أولا إلى شعوبهم ،، رسائل الدعوة والتربية والأخلاق والبناء ، وعلى الاخوان ان يراجعوا عملهم في مجال السياسة ،، وعليهم أن يقاطعوا بالكلية الصراع على السلطة ،،، بناء الأجيال والشعوب هو مهمة الاخوان وغيرهما ضياع كالذي تعيشه الجماعة وتحياه ،،