مقالات مختارة

حمدوك.. توهان وسط ركام التحديات

ياسر محجوب الحسين
1300x600
1300x600

لعل الحكم الصادر في الخرطوم الأسبوع الماضي بالإعدام شنقا على 29 من عناصر جهاز الأمن فى قضية قتل بشعة اهتزت لها البلاد في حق معلم وناشط سياسي، لا يعدو أن يكون ضوءا خافتا في نهاية نفق التحديات المعتم التي تحاصر الحكومة الانتقالية وتكاد تعصف بها عصفا.
وهذه الجريمة وقعت إبان اندلاع احتجاجات كانون الأول/ديسمبر من العام 2018 التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير في نهاية المطاف، وتعجز الكلمات عن وصف بشاعتها وذكر تفاصيلها الُمخزية، إذ إن الأمر تعدى الضرب المبرح والتعذيب الوحشي. وليس من المقبول عقلا أن ينحصر الجُرم في المجموعة المحكوم عليها فحسب، فيعفى من مسؤوليتها قادة النظام السابق بأي حال من الأحوال، إذ إنها جرت وقائعها في معتقلات أحد الأجهزة الرسمية في الدولة. ولا يعقل أن يتم -على سبيل المقال- إعدام السائق الذي قاد السيارة التي أقلت الضحية، والبواب الذي كان يقف على المبنى الذي عذب فيه القتيل، دون أن يطال العقاب كذلك كبار المسؤولين مدنيين وعسكريين.
وهناك من يرى أن القتيل لم يلتق قتلته في مناسبة اجتماعية، وأن الذين اعتقلوه وعذبوه حتى الموت لم يكونوا على خلاف مالي معه أو نحو ذلك.
بل خرج القتيل ثائرا على النظام بينما كان قتلته كجنود وضباط بجهاز الأمن، يعتقدون بأنهم يدافعون عن االبلاد كما يعتقدون خطأً، أو ربما زين لهم من هم أعلى منهم مسؤولية.
بيد أنهم كانوا أدوات فقط لنظام حاكم عجز عن تحقيق تطلعات ذلك المعلم المغدور ومعه ملايين من الشعب السوداني، نحو حكم رشيد عادل يوفر الحد الأدنى من العيش الكريم.
واليوم ينتظر الناس من الحكومة الانتقالية الكثير، لكن يبدو انتظارهم سيطول وسرعان ما يكتشفون أنهم استبدلوا طبقة سياسية فاشلة بأخرى فاشلة تحذو حذوها كوقع الحافر على الحافر، ليس هذا فحسب، بل الدولة السودانية برمتها تغالب خطر الانهيار الذي تدل عليه مؤشرات جلية وواضحة؛ فالاقتصاد يتدهور بمعدل مخيف والعملة المحلية تتراجع أمام العملات الأجنبية بشكل كارثي. فضلا عن الانفلاتات الأمنية وتفاقم النزاعات القبلية في العديد من أنحاء البلاد، مع تزايد حالات الإقصاء السياسي والابعاد والعزل للعاملين في الخدمة المدنية من خارج منظومة الأحزاب الحاكمة، وبروز خطاب الكراهية تجاه جميع مكونات الطيف الاسلامي.
في غمرة التحديات التي تواجهها حكومة عبد الله حمدوك، نسيت أن النظام السابق كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط في أيلول/سبتمبر 2013 حينما قررت حكومته رفع الدعم عن السلع الأساسية، فاشتعلت الخرطوم ومدن أخرى بمظاهرات ومواجهات عنيفة بين قوات الأمن ومتظاهرين، أدت إلى مقتل أكثر من 200 شخص وفق منظمة العفو الدولية، الأمر الذي أدى لتراجع سريع عن قرار رفع الدعم.
واليوم تريد هذه الحكومة اختبار المختبر وتجريب المجرب، والتفسير الوحيد لذلك أن كل الخيارات أمامها معدومة بسبب فشلها في طرح برنامج إصلاح اقتصادي جاد، ففي الأسبوع الماضي أجازت حكومة حمدوك موازنة العام 2020 التي تضمنت رفع الدعم، لكن مرجعيتها السياسية ممثلة في تحالف قوى الحرية والتغيير أثنتها، إلا أن البديل لم يطرح بعد.
في الوقت ذاته، لوّح وزير المالية والاقتصاد بالاستقالة من منصبه حال عدم التوافق على سياسات الدفع المباشر بديلا للدعم السلعي التي اقترحها في موازنة 2020، التي أرجئت بعد تدخل تحالف قوى الحرية. ويرى الوزير أن الدول الناجحة تجاوزت الدعم السلعي إلى الدعم النقدي المباشر للمواطن.
لا سبيل لحل الأزمة الاقتصادية دون حل الإشكالات السياسية، التي من أهمها عدم الالتزام بمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وطغيان السلطة التنفيذية على باقي السلطتين القضائية والتشريعية، وهو ما أدى إلى الإخلال بمبدأ الرقابة المتبادلة، وكلها أمراض متوارثة من الأنظمة السابقة.
ثم يأتي من بعد حل الإشكالات السياسية النظر في الإشكالات الاقتصادية، على أن ترتكز على زيادة الإنتاج والإنتاجية وترشيد الإنفاق الحكومي، ومحاربة الفساد وإعادة هيكلة الجهاز المصرفي، ووقف تعدد الرسوم والضرائب، الأمر الذي أدى إلى فقدان ثقة المستثمر الأجنبي في الاقتصاد السوداني.
إن الوضع المتأزم في البلاد يحتاج لقرارات قوية تغير النهج المتبع في إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية المتصاعدة، ولا تكفي تصريحات رئيس الوزراء -الذي يبدو تائها- التي يغلب عليها التمني أكثر من الإرادة والعزم لمعالجة هذه الأوضاع. إن عدم الاستقرار السياسي سيفضي إلى تسريع معدل التراجع الاقتصادي وهروب الاستثمارات ليس الأجنبية فحسب، بل حتى الاستثمارات الوطنية.

 

(الشرق القطرية)
0
التعليقات (0)