كتاب عربي 21

الصحافة ليست جريمة!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
لم يعد الصحفي يحتكر الصحيفة، ولم يعد الإعلامي يحتكر الشاشة!

فمن فوائد الاعلام الجديد، أنه قضى على احتكار الصحفيين لوسائل الإعلام، فقد ولى هذا الزمن الذي كان فيه الكاتب يطل على قرائه من برجه العاجي، كمرسل لمتلق قد يختلف مع ما يطالعه، فلا يجد أمامه من سبيل إلا التسليم بالأمر الواقع؛ فالصحفي صحفي، والقارئ قارئ، ولا تبادل للأدوار!

ومع هذا فإن مهنة الصحافة بقيمها وتقاليدها والمعروف منها بالضرورة، تكاد تنقرض مع انتهاء هذا الاحتكار لوسائل الإعلام من قبل العاملين فيها، فإذا كانت قد أصبحت مهنة من لا مهنة لهم، في فترة من الزمان، فإنها الآن انهارت إلى حد أن صار المرء يدهشه أن يجد نفسه مطالباً بالحديث عن بديهيات هي من "لوازم المهنة". فربما تجاوز القيم والمعايير المهنية أصبح هدفا في زمن الإعلام الجديد، لتصبح مهنة بسيطة يمارسها، أو يدعي ممارستها كل من له صفحة على "فيسبوك"، فوجد من يضعون "لايك" لما تجود به قريحته. و"اللايك"، صار جزءا من الواجبات الاجتماعية، كتأدية واجب العزاء وافتعال الحزن على ميت غير معلوم، تماهياً مع حالة أهل الفقيد ومعارفه!

المحاكمة:

لقد عملت في مهنة الصحافة منذ ثلاث وثلاثين عاماً ولا أعرف مهنة سواها، وأجريت العديد من المقابلات الصحفية مع عدد من الشخصيات، والمقابلة الصحفية هي فن من فنون الصحافة. وإذ مارست خلال هذه الفترة من عملي الصحفي كثيرا من فنونها، من أول الإخراج الصحفي، إلى العمل مندوباً للأخبار، وإجراء التحقيقات الصحفية، فقد أجريت عشرات الحوارات التي أعتز بها، وحرصت على الانتقال من مدرسة جذب الاهتمام بالشخصية التي أحاورها وبكلامها، بالاعتماد على لفت الانتباه بالسؤال أيضا، صياغة وموضوعا، ومن هنا فقد اعتمدت في الإبراز على فكرة الإثارة بما أطرحه على من أسئلة وإبرازها في العناوين، بطريقة: قلنا له.. فقال.. وسألناه. فأجاب. وواجهناه .. فرد.. وهكذا!

وكانت أسئلتي مع كثير من الشخصيات التي حاورتها تقوم على فكرة المحاكمة، وكثيراً ما كانت تنتهي بقول المحقق القانوني: "هل لديك أي أقوال أخرى"؟

سألت الدكتور فرج فودة من أين يعيش الآن ومكتبه لا يعمل وقد انقطعت صلته بالتدريس بالجامعة، وسألت المستشار سعيد العشماوي عن سر احتفاء الجامعات الغربية به لتستدعيه محاضرا فيها، وسألت المرشد العام لجماعة الإخوان حامد أبو النصر عن قوله في ما ذكره المؤرخون من أن الإخوان المسلمين عقدوا مؤتمرهم العام الرابع من بند واحد، هو الاحتفال بتولي جلالة الملك فاروق عرش مصر، وما هو تفسيره لواقعة تاريخية تمثلت في أن الشعب عندما خرج في مظاهرات تهتف: "الشعب مع النحاس"، خرجت مظاهرات الإخوان حول قصر عابدين تهتف: "الله مع الملك"!

وقلت لفريد الديب المحامي، وأنا أحاوره: أنت متهم بالدفاع عن الجواسيس، بعد قبوله الترافع عن عزام عزام المتهم بالتخابر لصالح إسرائيل!

وفي قضية ممدوح الليثي، وعندما وجهت له النيابة خمسة وثلاثين اتهاما، أحالته بمقتضاها للمحكمة، وقال هو إنه لم يواجه في التحقيقات بأي اتهام من هذه الاتهامات، ألقيت عليه الاتهامات، وناقشته في دفوعه!

ولم أتعال على مهنتي يوماً، فعندما كنت رئيساً للتحرير، كنت أمارس المهنة كما لو كنت محرراً، ينتظر التعيين، واستدعيت بعض الشخصيات إلى مكتبي، لأحاورها بنفسي!

ولم تكن طريقتي في الحوار تزعج من أحاورهم، بل كانوا يجدونها فرصة تدفع القارئ لمطالعة حوار مقروء، وليس لتسويد الصفحات، وكانت تعجبهم الأمانة في النقل. وهناك شخصيات كانت تحجم عن أي مقابلات تلفزيونية ولو كانت مدفوعة الأجر، لكنها كانت تقبل على الفور طلبي للحوار، من أجل المهنية في الطرح والأمانة في العرض!

ولا أتذكر أن أحداً اعترض على حوار بعد نشره سوى الدكتور عبد الغفار عزيز، الأستاذ بجامعة الأزهر، والذي هاتفني بعد النشر منزعجاً، فلما سألته إن كان يشكو من أنني غيرت شيئاً، أو زيفت كلامه، او نقلت عنه ما لم يقله، نفى وقال: المصيبة أنك لم تفعل شيئاً من هذا، ولم أنتبه إلى الإثارة في كلامي إلا بعد نشره. وكنت أعتبر هذا سحر الكلمة المكتوبة.

انزعاج الشيخ كشك:

وأذكر أن أحد الصحفيين الإسلاميين، ذكر لي ضاحكاً كيف أن الشيخ كشك انزعج للغاية عندما أخبر الزميل بأنني أجريت معه حوارا بالأمس، وأراد الزميل أن يمزح معه، فسأله: كيف قبلت الحوار مع صحفي ليبرالي، لا يرتاح للإسلاميين؟ فخشى الرجل من أن أعبث بكلامه، لكنه استراح عندما قال له إنني في هذه الناحية أمين. وعندما نُشر الحوار قال الشيخ للزميل بأسلوبه الفكاهي: "طيب يا خويا ياريتكم ليبراليين".

ولم يخلُ حواري معه من توجيه اتهامات رائجة حول اتهامه بأنه يعتمد السب في خطبه ولا يدعو إلى الله بالحسنى، وكيف أنه يضع العراقيل حتى لا يعود لمنبره لأنه ارتاح للوضع الحالي وخوفا من الاستدعاءات والاعتقالات ووجع الدماغ!

لقد ضاع القصد وراء السرد، ونسيت ذكر "أصل الحكاية"؛ فلأنني مهموم سياسياً بفترة حكم الرئيس محمد مرسي والتي انتهت بضياع الثورة، ولأن هناك أسئلة تحتاج إلى إجابات، ولأن المعلومة ضالة الصحفي، فقد أجريت مقابلات صحفية مع عدد من الشخصيات التي كانت قريبة من دوائر الأحداث.. لا يغير من طبيعة الأمر وجود كاميرا تلفزيونية، فهو حوار صحفي، كالذي كنت أقوم به في السابق، في وجود جهاز كاسيت، فلم أقدم على هذه الخطوة كمذيع، فلست مذيعاً، ولم أسع يوما لأن أكون، وكل ميسر لما خلق له، غاية ما في الأمر أنني استخدمت التطور الحاصل في عالم الصحافة، بعد مرحلة الصحافة الورقية.. وكلها أدوات لخدمة الصحفي!

وعند بداية بث هذه اللقاءات، إذا بي أتعرض وضيوفي لحملة لا تبقي ولا تذر، لتجعل من شعار "الصحافة ليست جريمة" ليس موجها لأنظمة الطغيان العربي، ولكن أيضاً لكل المستبدين الذين يريدون تأميم الصحفي، ليكون مجرد أداة مهمتها الدعاية، ومن تنظيمات فشلت في مجال الإعلام، وكان فشلها واضحاً للعيان. والإعلام كان أداة في الإيقاع الهزيمة بنظام الرئيس محمد مرسي، لكن القوم لا يتعظون!

ومما قيل، إنني جئت بضيوف على مقاسي، وأنني حاصرتهم بأسئلة معينة بهدف الحصول على إجابات بعينها ولحاجة في نفس يعقوب قضاها، فالاحتجاج أيضاً على نوعية الأسئلة، ونوعية الموضوعات!

إنني في حل من أن أقول إنني عرضت الأمر على شخصيات أخرى، لكنها اعتذرت وبعضها تهرب، وهو تهرب له مبرره، فقد كانوا جزءا من عملية الفشل، ولا بد من أن يجعلوا الطابق مستورا، لكن اللافت أنهم يتصرفون كما لو كنت بصفتي الصحفية لا زالت أحتكر النشر، مع أن أي إنسان يستطيع الآن أن يقوم بالكتابة على السوشيال ميديا، أو بالبث المباشر، فيقول الحقيقة بدون الحاجة لإذن الصحفي. لكنهم يستهدفون القمع، ويجعلون من ممارسة الصحفي لمهنته جريمة.

الصحافة ليست جريمة.
التعليقات (3)
محمد قذيفه
الأحد، 29-12-2019 07:55 م
كانت الصحافة مثقفة للشعوبة وناقلة للاخبار والمعلومات المتنوعة لكن الصحافة جريمة وجريمة كبيرة فهي من تزور الحقائق وتسود الابيض ووتبيض الاسود وتبيع ولاءها لمن يدفع او الاقوى طبعا ليس كل الصحافة لكن الاغلبية وخاصة في مصر فعمرو اديب انت تشوف سيارة زرقاء يقول لك انها سوداء انت ناقص نظري اشتري نظاهة انظر جيدا معي هاك تشوف انها سوداء والا اتهمك بعمى الالوان على قول الشهيد القذافي رحمه الله معزة ولو طارت اللهم اوطاننا من اصناف هذه الصحافة الكاذبة المزورة للحقائق
طارق حسن
السبت، 28-12-2019 11:07 ص
يعجبني في كتاباتكم البحث عن أيات قرأنيه أو إستخدام جُمل تحمل كلمات قرأنيه وهذا ربما يعني حفظاً جيداً للقرأن.. أما عن الإخوان ومرحلتهم فلماذا تكاتف الكل داخلياً وخارجيا من أجل إفشالهم هل لدورهم القديم في محاصرة اليهود في القدس قبل أن يأتي عبد الناصر ليحل محلهم.. هل هذه اللحظه تحديداً جعلت اليهود يألبون عليهم الدنيا ؟ أم هم قوماً سُذج عاشوا ثمانون عاماً يعملون تحت الأرض فلما صعدوا للوقوف فوقها أعماهم النور فعموا وسقطوا ؟ تحديدا لماذا تكاتفوا ضدهم بدوائر قريبه وبعيده.. إسرائيل.. الخليج بعمائمه التي تدلت فوق العيون.. أوروبا وامريكا.. ( لم أقابل في حياتي إخوانياً وليس هذا دفعاً لتهمه ولكن لتجريد السؤال من الظنون ) تحياتي وأنا من المعجبين بكتاباتك وأثق فيما تكتبه
مصري جدا
الجمعة، 27-12-2019 05:49 م
هنيئا للسيسي قاتل المصريين بمعارضة تقاتل نفسها بكل إخلاص ودآب ،، المعارضة تترنح ،،،