قضايا وآراء

كيف أصبحت "لا تحزن" بيعًا للوهم؟!

عدنان حميدان
1300x600
1300x600

 التجارة بالدِّين مسألة عمت بها البلوى هذه الأيام، فالمشروع التجاري البحت يغلف بكلمة إسلامي أو حلال للتربح منها -ولا نعمم-  ولكن الإساءات في هذا المضمار بالغة السوء. 

 

صاحبنا كاد يشك في إيمانه وتدينه لأنه حزين على ما يجري حوله وأحدهم يحاضر به مستشهدا بالآية الكريمة التي  تقول "لا تحزن إن الله معنا" ويتناسى ذلك التاجر الآيات والأحاديث الأخرى بالسياق نفسه لأنها لا تخدم سلعته! 


التكسب على مآسي الناس ومخاوفهم والصعوبات التي يمرون بها أصبح رائجا، ولكن المصيبة الكبرى تكمن في لصق ذلك بالدين ولي أعناق النصوص لخدمة مراد ذلك التاجر أو المدرب أو المؤلف.


هل الحزن مرفوض حقا؟ وهل يتعارض مع الدين؟! ماذا عن قوله صلى الله عليه و سلم "إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وَإنَّا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون"! لو كان الحزن مرفوضا لما أقر به النبي الكريم.


الحزن بمعنى الاستسلام للابتلاء والانبطاح أمام المصيبة هو المرفوض، أما تلك المشاعر الإنسانية النبيلة في الفراق والوجد و الافتقاد و الحزن فمطلوبة و من لا يملكها يحتاج لمراجعة إنسانيته. 


وبالنسبة لما ذكره  ابن القيم رحمه الله: «ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيًّا عنه، أو منفيًّا، فالمنهي عنه كقوله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا)، وقوله: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ)، وقوله: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، والمنفي كقوله: (فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).


فيتعلق بذلك النوع من الحزن الذي يصرف المرء عن السير إلى الله أو هو بعبارة اخرى وصف حالة الحزن والفرح يوم القيامة وليس في الدنيا .


وفي الحديث: «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا سَقَمٍ، وَلَا حَزَنٍ، حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ، إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ» فالحزن فرصة لتكفير الخطايا .


وبالتأكيد هو قدر يأتي وحده ولا يطلبه أحد ولكن إن جاء فمجيئه طبيعي والصبر فيه ضروري.
يعقوب عليه السلام تصرف بطبيعته البشرية (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ). 


ومن الخطأ تفسير قوله تعالى (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون) بالحياة الدنيا، وإنّما الحديث عن المصير الأخروي الذي ينتظر أولياء الله بلا خوف أو حزن. 


أظهرت دراسةٌ نُشرت في مجلة تدعى "توجهات حديثة في العلوم النفسية"، أن الإنسان عندما يكون في مزاجٍ سيءٍ لديه قدرةٌ أفضل على الاهتمام بالتفاصيل، و تتحسن قدرته على إيصال المعلومات الدقيقة للآخرين، و يظهر رغبة عالية في الوصول للحق و العدل خلال النقاش معه. 


دراسة علمية أخرى أكدت ان للحزن فوائد اهمها انتعاش الذاكرة أي كلما زاد حزنك زادت عملية التذكر لديك بالاضافة الى ارتفاع معدل القدرات العقلية مثل التفكير والاستنتاج. 


في اليابان افتتحوا مطعما مخصصا لتفريغ الحزن،  يحتوي على  مناديل ومناشف، يدخل فيه الزبون في مكان مثل غرفة شبه مغلقة للبكاء فقط.


لا شك أن المبالغة بدعوات رفض قضايا مرتبطة بطبيعة الإنسان مثل الحزن والضعف والخوف الخ ، له آثار سلبية تنعكس على الشخص الخاضع لواحدة من هذه الأمور سلبا وتجعله يشعر بالنقص وأن أولئك الوعاظ والمدربون و من شابههم من كتّاب و معلمين أفضل منه و قد ينتابه شعور أنه شخص مليء بالعقد والمشاكل، مقارنة بهم ، وهذا غير صحيح البتة. 


وكما ترجمت قبل شهور  الكاتبة سوسن جرودي في صحيفة  عربي21 مقالا للكاتب غرانت برينر فإنه ومع إقرارنا بأن قمع مشاعر الحزن يمنعنا من التفكير في الأمور الرهيبة والمؤذية أو استرجاع الذكريات المؤلمة، ولكن  التنفيس عنه قد يشعرنا براحة نفسية كبيرة واسترخاء عميق وتفريغ للمشاعر  السلبية التي كانت تستنزف طاقاتنا العقلية.   


ولو عدنا لسيرة النبي الكريم لوجدنا عاما كاملا من حياته سمي " عام الحزن " بفقد زوجته خديجة وعمه أبو طالب في العام العاشر للبعثة. 


على طريقة البعض علينا أن نسمي ذلك العام عام الفرح و نغير برمجة الدماغ من الحزن الطبيعي لفرح اصطناعي! و العاقل بغنى عن هذا الكذب على نفسه و إنما يعلم أن كل أمر بمقدار وأن الحزن له نسبة طبيعية لو زدنا عليها لأصبح وبالا على صاحبه ولو تجاهلناها ستبقى مكبوتة في دواخله.


الخلاصة لك أن تقدم مشروعك التجاري وبرنامجك التدريبي و كتابك الفلسفي كما تريد ولكن لا تضفي لنفسك مشروعية دينية من حيث الألقاب والمسميات أو حتى الاقتباسات لتوهم الناس بها وكأنّ ما تقوله أو تقدمه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وما يفعله غيرك حرام.

2
التعليقات (2)
محمد قذيفه
الأربعاء، 18-12-2019 06:17 م
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله ـ ـ ـ )
Yider fatima
الأربعاء، 18-12-2019 01:30 م
كثيرة هي الايات التي يستشهد بها الكثيرون في قضايا مختلفة ولكنهم للأسف يوظفونها بشكل خاطئ وكل إنسان في هذه الحياة معرض للحزن كما الفرح وكل حالة على المرء أن يعيشها بقدر أهميتها فهما معا من خصائص تكويننا قرأت كتاب عن النبات كونه أيضا يسعد ويتألم فكيف لا يحق للإنسان ذلك وكل مايجري حولنا يدعو للحزن أكثر من الفرح شكرا على المقال