حول العالم

لماذا لا يعترف كثير من الناس أبدا بأنهم مخطئون؟

هؤلاء الأشخاص يبحثون عن مبررات للاعتقاد بأن الخطأ لم يكن خطؤهم
هؤلاء الأشخاص يبحثون عن مبررات للاعتقاد بأن الخطأ لم يكن خطؤهم

نشرت مجلة "رينكون دي لا بسيكلوخيا" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن السبب الذي يدفع الكثير من الأشخاص إلى عدم الاعتراف بأخطائهم.

وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه لا يوجد أحد معصوم من الخطأ، وفي بعض الأحيان نرتكب هذه الأخطاء ولا نود الاعتراف بها، حيث يعد البعض منها صغيرة وغير منطقية، على غرار عدم شراء حليب لأننا متأكدين أنه لا يزال لدينا ما يكفي المنزل. وهناك أيضا أخطاء أكثر أهمية، من قبيل نسيان وقت القيام بمقابلة عمل وتضييع هذه الفرصة. كما نجد أيضا أخطاء أخرى يمكن أن تكون سبب في إحداث تغيير في مجرى حياتنا، كأن نفقد شريك حياتنا بسبب التخوف من الالتزام.

ثلاث طرق للتعامل مع الأخطاء


أوردت المجلة أنه لا يحب أحد أن يكون مخطئا. وفي الواقع، عادة ما نعيش الأخطاء كتجارب عاطفية غير سارة. ومع ذلك، لا يعد الخطأ المهم في الأمر وإنما كيفية تفاعلنا عندما ندرك أننا مخطئون. لذلك، ماذا نفعل على سبيل المثال عندما نتأخر عن مقابلة العمل ونضيّع هذه الفرصة؟ في هذا الصدد، يعترف البعض ببساطة أنهم كانوا مخطئين قائلين "لقد نسيت وقت الموعد، في المرة القادمة يجب عليّ كتابته في الأجندة الخاصة بي". في الواقع، هذا هو رد الفعل الأكثر نضجا لأنه لا ينطوي فحسب على الاعتراف بالمسؤولية وإنما أيضا اتخاذ التدابير الضرورية لمنع حدوث ذلك مرة أخرى. كما أن قبول أخطائنا والتعلم منها يتيح لنا الدخول في دوامة من التطور.

ونقلت المجلة أن هناك بعض الأشخاص الذين يعترفون بأنهم كانوا مخطئين لكن دون الاعتراف علنا بخطئهم، حيث صرحوا قائلين: "لو لم يكن ذلك بسبب حركة المرور لكنت وصلت في الوقت المحدد، في المرة القادمة سأضطر إلى الخروج من المنزل في وقت مبكر". وفي هذه الحالة، على الرغم من عدم تحمل المسؤولية بشكل مباشر إلا أن هذا الشخص تعلم الدرس على الأقل. في المقابل، يرفض أشخاص آخرون رفضا قاطعا الاعتراف بخطئهم، بل يحمّلون الآخرين المسؤولية أيضا، حيث أفادوا قائلين: "يجب على المشرفين على مقابلة العمل أن يتوقعوا أي تأخير محتمل، من الغريب أنهم لا يمنحوننا فرصة ثانية!"

في هذه الحالة، لم يقع رفض المسؤولية الشخصية فحسب، بل أيضا إلقاء اللوم على شخص آخر بسبب ما حدث، ويمكن لهذا الشخص حتى إنكار الحقائق أو تشويهها لتناسب رؤيته الشخصية. لكن لسائل أن يسأل، لماذا يتصرف بعض الأشخاص بهذه الطريقة؟

"الأنا" الهش، الأخطاء بمثابة تهديدات


أوضحت المجلة أنه منذ السنوات الأولى من حياتنا، نعتقد أن الخطأ له دلالات سلبية. كما أن التربية التي تعتمد بالأساس على مكافأة النجاحات ومعاقبة الأخطاء سيكون له تأثير سلبي في المستقبل، مما يجعل بعض الأشخاص يحاولون تجنب الوقوع في أخطاء بكل الوسائل الممكنة، وهو أمر مستحيل. ويقتنع هؤلاء الناس بأن الأخطاء تجعلهم بلا قيمة وتعرضهم للإهانة أو الرفض الاجتماعي.

في الواقع، كشفت دراسة أجريت في جامعة ستانفورد أن الألم الاجتماعي ينشط دوائر الدماغ نفسها تماما مثل الألم البدني. ونتيجة لذلك، يفسر الدماغ أي هجوم على "الأنا"، من النقد الخفيف إلى الرفض المباشر، مثل الألم البدني. لذلك، سيولد الخوف من رد الفعل الاجتماعي مقاومة للاعتراف بالأخطاء.

وأشارت المجلة إلى أن الأشخاص الذين يخشون رد الفعل الاجتماعي يعانون من "الأنا" الهشة. إلى جانب ذلك، غالبا ما يرى الأشخاص الذين لا يشعرون بالثقة في أنفسهم ويعتمدون على موافقة الآخرين، أن الأخطاء بمثابة تهديد عميق بالنسبة لهم. وبالنسبة لهؤلاء الناس، يعد الاعتراف بالخطأ بمثابة ضربة قاسية لتقديرهم لذواته. كنتيجة لذلك، وضعوا آلية دفاعية تقودهم إلى تشويه الواقع بحيث تتكيف مع أفكارهم.

غالبا ما يكون هؤلاء أيضا أشخاصا صارمين للغاية، أي لا يتراجعون عن ذرة من أفكارهم ولا يدركون أنهم ارتكبوا أخطاء حتى في مواجهة حقائق لا يمكن دحضها. لا تعد هذه الصلابة النفسية مرادفة للقوة، كما يعتقدون، وإنما للضعف. بالإضافة إلى ذلك، لا يصر هؤلاء على رؤيتهم للحقائق عن اقتناع، وإنما لحماية "الأنا"، لأن من لا يعترف بخطئه هو شخص هش نفسيا.

حلقة مفرغة أم دوامة تطور؟ أنت من تقرر


أوضحت المجلة أن الاعتراف بالخطأ يمكن أن يشكل ضربة قاسية "للأنا". كنتيجة لذلك، من الضروري أن يكون لديك الكثير من القوة العاطفية واحترام الذات القوي للاعتراف بأخطائك وتحمل المسؤولية. لكن إذا لم نتمكن من الاعتراف بذلك، فلا يمكنك تصحيحها. كنتيجة لذلك، ستغرق في حلقة مفرغة محكوم عليها بالتعثر إلى أجل غير مسمى بالحجر نفسه، وهو أسوأ ما قد يحدث.

وتجدر الإشارة إلى أن علماء الأعصاب في جامعة ولاية ميشيغان أثبتوا أنه عندما نرتكب خطأ ما، يقع إنشاء إشارتين سريعتين في المخ. وتشير الاستجابة الأولية إلى حدوث خطأ ما بينما يشير الرد الثاني إلى أننا نحاول تصحيح الخطأ. ويتمثل الشيء المثير للاهتمام في أن أدمغة الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يستطيعون التعلم من أخطائهم يتفاعلون بشكل مختلف.

وأضافت المجلة أن الإشارة الثانية تعني أن عقلك يعمل بجد لتصحيح الخطأ من خلال إيلاء مزيد من الاهتمام له. وفي هذه الحالة، لا يُظهر لدى الأشخاص الذين لديهم عقلية صارمة ولا يعترفون بأخطائهم هذا المستوى من التنشيط الدماغي، وهو ما يعني أنهم لا يصححون الخطأ. ونتيجة لذلك، يكون أداؤهم أسوأ لأنهم يخطئون باستمرار. ويجب أن نعلم أن الاعتراف بالأخطاء ليس شعورا لطيفا، وقد نشعر بشيء غريب لكن ذلك فيه حكمة. وعموما، اكتشف علماء الأعصاب في جامعة ولاية أوهايو أن الأشخاص الذين يفكرون في الفشل فحسب، كانوا يميلون إلى البحث عن الأعذار التي لم ينجحوا فيها ولم يحاولوا بذل جهد أكبر عندما يواجهون موقفا مشابها.

وأفادت المجلة بأن هؤلاء الأشخاص يبحثون عن مبررات للاعتقاد بأن الخطأ لم يكن خطؤهم أو أن عواقبه لم تكن وخيمة كما بدا للآخرين. علاوة على ذلك، اعتادوا تطوير أفكار للحماية الذاتية من قبيل "لم يكن خطئي" أو "لن أستطيع القيام بعمل أفضل، حتى لو حاولت". في المقابل، يحاول الأشخاص الذين ركزوا على عواطفهم بعد الفشل، بذل مزيد من الجهد عندما يواجهون وضعا مماثلا، حيث أظهروا أفكارا لتحسين أنفسهم، على غرار "سأعمل جاهدا على تحسين أدائي في المرة القادمة". ويعني ذلك أنه يمكننا استخدام العواطف لصالحنا، كمؤشرات تساعدنا على التعلم من أخطائنا والسعي لتجنبها في المستقبل.

وفي الختام، أكدت المجلة أن الخطأ الكبير الوحيد الذي يمكن أن نرتكبه يتمثل في الرفض الصارم والثابت للاعتراف بأخطائنا معتقدين أن ذلك علامة على القوة، لكنها في واقع الأمر عكس ذلك تماما، نظرا لأن عدم إدراك أخطائنا ليس سوى علامة على عدم النضج والهشاشة.



0
التعليقات (0)