ملفات وتقارير

2019 شاهد على غياب مصر السيسي عن قضايا المسلمين

وقفت مصر مع السلطات الصينية في انتهاكاتها ضد الإيغور المسلمين- جيتي
وقفت مصر مع السلطات الصينية في انتهاكاتها ضد الإيغور المسلمين- جيتي

تشهد كوالالمبور، الثلاثاء، قمة إسلامية لقادة ماليزيا وباكستان وتركيا وقطر، بهدف حل مشاكل العالم الإسلامي وذلك في ظل غياب مصر، بلد الأزهر الشريف وصاحبة التاريخ الممتد في الدفاع عن قضايا الإسلام والمسلمين.

وما يثير علامات الاستفهام عن انزواء مصر وتقلص دورها الإسلامي، هو أن غياب القاهرة عن قمة كوالامبور، لم يكن هو الوحيد بل هناك تغييب واضح للدور المصري عن قضايا المسلمين وأزماتهم، مثل الجرائم التي تتم بحق مسلمي الروهينغيا والإيغور، خلال العام 2019.

ولم تقدم القاهرة أي فعل إيجابي دبلوماسي أو احتجاج رسمي بمواجهة جرائم ميانمار (بورما) بحق المسلمين الروهينغيا (1.1 مليون نسمة يواجهون حملات إبادة وتطهير عرقي ممنهجة على يد الأغلبية البوذية)، إلا من تصريح للسيسي فرضته مناسبة حضوره مؤتمر القمة الإسلامي بمكة المكرمة في 30 حزيران/ يونيو الماضي.

وإزاء جرائم الصين بحق مسلمي الإيغور في تركستان الشرقية، تحول الصمت المصري إلى دعم للحكومة الصينية بمواجهة طلاب الإيغور، بتوقيف نحو 90 منهم وترحيلهم من القاهرة لبكين، وذلك بوقت تعد الصين المستثمر الأكبر بمشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وبلغ حجم التجارة البينية بين البلدين قرابة 13.8 مليار دولار بـ2018.

وكشفت وكالة "فرانس برس"، في آب/ أغسطس الماضي، عن قيام السلطات المصرية بتوقيف الطلاب الإيغور بالقاهرة، وإخضاعهم للاستجواب على يد 3 ضباط صينيين، وذلك بعد 3 أسابيع من توقيعهم مذكرة أمنية لمكافحة الإرهاب.

ولم يصدر عن مصر أية ردود فعل رسمية رغم الاعتداء الهندي الأخير على مسلمي كشمير، حيث تحركت الهند بكشمير في آب/ أغسطس الماضي لإلغاء ما يشبه الاستقلال الذاتي للولاية وفرض حصار عليها، وأقر برلمان نيودلهي قبل أيام قانونا عنصريا يمنع المهاجرين المسلمين فقط من نيل الجنسية الهندية.

كما شهد العام 2019، تحريضا واضحا من رأس النظام العسكري الحاكم عبدالفتاح السيسي، للغرب ضد المساجد والمسلمين بأوروبا واتهامهم بأنهم منبع الإرهاب في الغرب.

 


وفي مقابل تراجع الدور المصري، تمكنت غامبيا من رفع دعوى ضد ميانمار بمحكمة العدل الدولية، مسائلة زعيمتها أونغ سان سو تشي حول جرائم بلادها بحق المسلمين، أمام قضاة المحكمة يوم 12 كانون الأول/ ديسمبر الماضي.

وفي السياق نفسه، هناك محاولات تركية ماليزية لإيجاد حل توافقي مع الصين لوقف الانتهاكات ضد مسلمي الإيغور والروهينغيا، وذلك بعد نجاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بضمان عملية السلام بين الفلبين ومسلمي جبهة تحرير مورو، وحصول المسلمين على حكم ذاتي بعد صراع طويل.

والسؤال: كيف كشفت قمة ماليزيا وغياب مصر عن قضايا المسلمين في العام 2019 تراجعا مصريا عن مسؤولياتها بحق مسلمي العالم؟

"من المصالح إلى العداء"

وفي إجابته، قال مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية باسطنبول الدكتور ممدوح المنير: "مصر  تحت الحكم العسكري  منذ انقلاب 1952، وحتى الآن لم يكن لها للأسف دور أخلاقي مبدئي من قضايا المسلمين".

الباحث المصري أكد لـ"عربي21" أن ما كان يحدد علاقتها ومدى تأثيرها بهذه القضايا، هو "حسابات المصالح التي تتلخص بحسابات الفرعون الحاكم والطغمة التي حوله".

وتابع الأكاديمي المصري: "إلا أنه بسنة حكم الدكتور محمد مرسي، تغير الوضع وأصبح الاهتمام بقضايا المسلمين أولوية قصوى رغم تشابكات الوضع الداخلي، ووجود دولة عميقة لا تهتم بالمواقف الأخلاقية بل تعتبرها نقطة ضعف".

وأضاف المنير: "لكن في عهد السيسي، تحول الموقف من حسابات المصالح وفقط لحالة الموقف العدائي الكامل من كل قضايا المسلمين؛ حتى إن فكرة صهيونية السيسي، التي كان يستغربها البعض حتى من الرافضين له، أصبحت الأكثر قبولا واستقرارا  الآن لدى معظم النخب المثقفة المصرية".

ولفت إلى أن "الأمر وصل إلى أن كاتبا إسرائيليا شهيرا (إيدي كوهين) قال في إحدى البرامج المتلفزة الإسرائيلية، إن السيسي صهيوني أكثر من الصهاينة أنفسهم".

ويعتقد مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية باسطنبول، أن "هذا هو السبب بانقلاب جزء من الدولة العميقة على السيسي، وتمظهر ذلك بشخصية المقاول محمد علي، ومن خلفه، لأنه حتى الدولة العميقة لها مستويات بالتقاطع بين المصالح والخيانة الكاملة للوطن والدين".

وأكد: "لذلك؛ فالموقف المصري الآن من قضايا الأقليات المسلمة بالهند والصين؛ ليس مستغربا، والغياب المصري عن قمة ماليزيا يفهم من خلال هذه الفكرة التي طرحتها".

وختم بقوله: "بل الطبيعي من خلال هذه الخلفية، أن نجد مصر السيسي، تناصب العداء للمجتمعين بالقمة الماليزية، وستسعى بكامل طاقتها لإفشال مخرجاتها".

"الانسلاخ من أصولها الإسلامية"

وفي رؤيته حول أسباب انحراف البوصلة المصرية عن القضايا الإسلامية وبينها قمة ماليزيا، قال أستاذ الفلسفة والمذاهب الفكرية جمال نصار: "من الملاحظ غياب العديد من الدول الإسلامية عن هذه القمة، على رأسها مصر والسعودية، وهذا الغياب للأسف تبلور نتيجة أن هذه الدول تسير بفلك لا يخدم القضايا الإسلامية".

الأكاديمي المصري، أضاف لـ"عربي21": "المتابع لمجريات الأمور في المنطقة، يجد أن هذه الدول تحاول بكل السبل، وتسعى بكل أسف لعلمنة الدولة، وخدمة الأجندة الصهيوأمريكية في المنطقة".

وبرصده لتغيرات التوجه المصري نحو قضايا العالم الإسلامي، أوضح نصار أنه "بعد أن كانت مصر محورا مهما في الدفاع عن القضايا الإسلامية، وخصوصا قضية فلسطين، نجد أن الأمور تغيرت والأحوال تبدلت، وتم تقزيم دورها، وخصوصا بعد الانقلاب العسكري الذي قام به السيسي على المسار الديمقراطي".

وختم بقوله: "نظام السيسي يسعى بكل السبل لخنق الفلسطينيين خدمة للكيان الصهيوني، الذي ما يزال يقدم له الخدمات تلو الأخرى".

التعليقات (0)