مقالات مختارة

هل يكون عام 2020 منعرجا حاسما في الحالة العربية؟

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

حصاد عجيب بدأنا نقطف ثماره الحلوة والمرة ونتأمل بعيون الخبرة والدهشة انقضاء مواسمه المتلاحقة، ونحن نودع هذا العام 2019 بمثل ما استقبلناه به من أمل وألم.

 

ونسأل النفس ماذا غيّر هذا العام فينا ومن حولنا من شؤون العلاقات الدولية التي نشتغل عليها؟ وبخاصة في عالمنا العربي الذي يهمنا أمره ويرتبط به مصير عيالنا مهما ابتعدنا عنه مؤقتا، ويرتبط به أيضا مصير العالم بسبب ما اندلعت فيه هذا العام من حرائق السياسة، وما تفجرت خلاله من زلازل الأزمات والمحن.

 

بدأ عام 2019 مع تفاقم المظالم المسلطة على الأشقاء الفلسطينيين مع اغتيال ثلاثة مجاهدين وعائلاتهم، وانفراد رئيس الولايات المتحدة بإملاء قانون دولي بديل عن قانون منظمة الأمم المتحدة في مخططات صهيونية تستهدف لا هذا أو ذاك من الفرقاء كما يبدو في الظاهر، بل تستهدف فلسطين كلها حتى تتحول القضية إلى ما يشبه البكاء على الأندلس، كما يريد غلاة الصهيونية أن تكون منذ 1897 في مؤتمر (بازل)، الذي دونه أبو الصهيونية (ثيودور هرتزل) في كتابه (الدولة اليهودية)، فتم أخيرا الاعتراف الأمريكي الغريب وليس الدولي بالقدس عاصمة للدولة العبرية، وضم الجولان وقريبا غور الأردن وشرعنة المستوطنات، مما وضع العرب أمام واقع مفروض، وهو استحالة حل الدولتين لأنه لم تعد أرض لدولة فلسطين بكل بساطة.

 

وانزلق بعض العرب حلفاء الأمس إلى تعزيز هذا المخطط الجائر بالسكوت عنه، في حين تحالف أعداؤهم ضدهم حتى يوصدوا أبواب العون الدولي والتفهم العالمي في وجوههم، ويؤلبوا الغرب على قضيتهم في غياب الحكمة وانسحاب العقل! بدأ العام 2019 في أغلب مجتمعات العالم العربي بإعادة الطبعة الثانية للربيع العربي بعد إجهاض أغلب ثورات 2011، واتحدت المطالبات سنة 2019 في السودان والجزائر ولبنان والعراق على مبادئ المواطنة، بالقضاء على الطائفية والمحاصصات الحزبية وتأبيد الطبقة الحاكمة الفاشلة ومقاومة الفساد.

 

وهي العلل الأساسية التي ولدت التخلف والظلم الاجتماعي والتطاحن الطبقي، وظللنا نتوقع التفاف العرب الكرماء حول راية دساتير جديدة تكرس واقعا أعدل وأرحب، لكن تأخرت الحلول الوفاقية ولم يشهد الهزيع الأخير من عام 2019 نهاية المحن الداخلية.

 

ولا يسعنا هنا أيضا سوى انتظار قبس من نور! انتهى العام 2019 في العراق كما بدأت أعوام الصراع الدامي منذ غزو الكويت في 2 آب/أغسطس 1990 مرورا باحتلال العراق 2003 وفرض (بريمر) حاكمها المدني! لدستور العار والتفرقة وتكريس الطائفية وإلغاء الدولة، ثم بإعدام صدام حسين وإلى اليوم تتجدد ممارسات سفك الدماء في مظاهرات بدأت سلمية كما في سوريا، ولكن الحالة خرجت عن السيطرة بسبب استبداد المليشيات وتغول العصابات في غياب القانون وسلطة الدولة، دون تحوير مشهد الفاجعة المهولة التي تعود عليها الناس على شاشات فضائياتهم، والتي سرت بها الركبان كما يقول قدماء العرب.

 

ولم تلح في أفق بلاد الرافدين بارقة رجاء يعود بها هذا الشعب الأبي إلى سالف عهد الأمان والعزة والإشعاع، وكأني بالعرب نسوا العراق في محنته كأنهم ألفوا المأساة وعاشروا الفاجعة، فاستكانوا إلى نوع من الهجعة الطويلة تركت الحبل على غارب المغامرين، والدخلاء يتداولون على تدمير العراق، ولا يبدو في المستقبل المنظور أي نور يعلن نهاية النفق المظلم الموحش.

 

وزاد عام 2019 الطين بلة في ليبيا الشهيدة بين متمردين، تساعدهم قوى أجنبية دخيلة وحكومة شرعية لم تستقم على أسس قوية بعد في انتظار معجزة، لكن الرجاء معقود على الاتفاق بين ليبيا وتركيا حول أمن البحر الأبيض المتوسط.

 

بدأ العام 2019 كما انتهى بالنسبة لإقليم المغرب العربي، حيث لم ينجح قادته ولا منظمة الأمم المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي في حل إشكاليات التنمية والتحرر الاقتصادي والسياسي، وفشلت قياداتهم في حل المعضلة الليبية وتحريك قضية الصحراء نحو حل يرضي كل الأطراف.

 

وبقي جرح الصحراء نازفا كما كان منذ 1974 حين انجلى الاستعمار الإسباني عن المنطقة، لكنه أورثها تركة ملغومة تتمثل في رغبات متناقضة لا نرى لها إلى اليوم حلول وئام وسلام، بين صحراويين مشتتين في خيام جزائرية، أو منضوين مثل آبائهم وأجدادهم تحت لواء العرش المغربي، وبين مملكة لا تريد التفريط في ترابها، وبين جارة شقيقة تؤيد حق تقرير المصير نحو تشكيل جمهورية صحراوية كدولة مستقلة جديدة في الإقليم، لا يتصور عاقل أنها قابلة للبقاء.

 

بدأ العام 2019 في دول مجلس التعاون الخليجي وينتهى برجاء جميع أبنائه في عودة الحياة من جديد للمجلس، هذا الأنموذج العربي الوحيد الناجح الجامع بين أبناء العمومة.

 

إن أمل كل العرب من محيطهم إلى خليجهم أن يستمر جميع العرب الأمناء في جهودهم الخيرة، ومن منطلق رسالة الإسلام الخالدة لتوفير مناخ الوفاق لحل معضلاتهم الراهنة مع السنة الجديدة، والمساهمة كأمة عريقة أصيلة في إقرار السلام في أرجاء العالم حتى البعيدة عنه جغرافيا، كما فعل العرب في تاريخهم من قبل.

 

فيا ليت نرى عام 2020 يتميز بيقظة الأمة من رقدة أهل الكهف، والأمل معقود على دعوة كريمة من (مهاتير محمد) لقمة دول مسلمة يعيد فيها القادة معاني التضامن الإسلامي، وقيم رفع التحديات في عالم لا يرحم المستضعف، بل يقدر ذوي الكبرياء والأنفة والمنعة.

0
التعليقات (0)