أخبار ثقافية

المترجم الذي أهدى لنا سحر أمريكا اللاتينية.. صالح علماني

صالح علماني - أرشيفية
صالح علماني - أرشيفية

خليفة كيوان

 

أدب أمريكا اللاتينية بكل جموحه وسحره وإيقاعاته الراقصة وأساطيره الغريبة، وضِعت على طاولة القارئ العربي منذ سبعينات القرن الفائت، بفضل شاب فلسطيني تسكع في شوارع برشلونة الساحلية. ذلك الشاب الذي أخفق في دراسة الطب ثم تحول بعدها لدراسة الصحافة ولم يكملها لظروف مادية فعاد لدمشق، لكنه منحنا ما هو أكبر من ذلك. هذا الشاب هو المترجم صالح علماني الذي رحل عن عالمنا مساء البارحة.


عندما استقبل الأدباء العرب هذه الأرواح البرية التي نقلها لهم صالح علماني من أدب أمريكا اللاتينية، قُلب المشهد الثقافي رأسا على عقب. كُتب وروايات تقف خلفها أرواح جامحة وسحر لا يحده حدود، شكلت للقارئ العربي وللأدباء العرب أيضا عالما روائيا لم يعهدوه من قبل.

 


في إحدى مقابلاته يقول، فكرت بأن أترجم روايات الأخرين العظيمة بدلا من أن أكون روائيا متوسط الموهبة. إذن كانت البداية هي مشروع الكتابة الإبداعية والروائية على وجه الخصوص، ثم تحولت إلى الترجمة.

الترجمة، التي من بديهي الكلام أنها تمر بمرحلتين لا ثالث لهما: أولهما قراءة المترجِم للعمل وفهمه فهما صحيحا يتطابق مع فهم أبناء جلدة كاتب العمل الأصلي، ثانيهما ترجمة العمل إلى لغة ثانية ترجمة تتطابق مع قواعد وفهم أبناء اللغة المترجم إليها.

هذان شرطان ظاهران من الواجب توافرهما في أي عمل مترجم فيه الحد الأدنى من العناصر التي تسمح بقراءته. ولكن، هل يتحرى المترجم بدقة العادات والتقاليد والإيحاءات والدلالات اللغوية في اللغة الأم مع ما يعادل ذلك من عادات وتقاليد ودلالات لغوية في اللغة المترجم إليها؟ ويزيد من صعوبة ذلك إذا لم يُوجد ما يقابل التراكيب اللغوية والمفردات في اللغة الثانية.

 

اقرأ أيضا: وفاة مترجم الأدب اللاتيني صالح علماني.. ترجم ماركيز وآخرين

إن عملية الترجمة تحتاج إلى موهبة حقيقية تتطلب من المترجم أن يسمع ويقرأ ويكتب بقلبين وعقلين ولغتين مختلفتين، وفوق ذلك كله تحتاج هذه العملية إلى نكران للذات وصدق وإخلاص لهذه المهنة في كل سطر يُقرأ ويترجم إلى اللغة الثانية، لذا وفي ظل هذا الكم الهائل من المترجمين تجد القليل ممن يعلق اسمهم في الذاكرة كعلامه مميزة.

في ترجماته العديدة لكبار كتاب أمريكا اللاتينية يلاحظ المتتبع لتلك الترجمات لصالح علماني، رغم ريادتها يلاحظ تشابهها من حيث اللغة، هذه اللغة هي لغة صالح علماني بلا شك، لغة مدهشة مثيرة لكنها ذات مستوى واحد من ناحيتين: تشابه لغة الكاتب مع نفسه ومع الأخرين، تجعلنا ننبهر بها لكنها لا تجعلنا نميز بين تضاريسها ووديانها وسهولها. فهي تعطينا نظرة ثنائية الأبعاد في غياب للبعدين الثالث والرابع. ومن ناحية أخرى، ربما تتشابه لغة أبطال الرواية فهي لغة ذات بُعد واحد لا تستطيع التفريق بينها، من حيث التفاوت الطبقي والاجتماعي والتعليمي لتلك الشخصيات وانعكاساتها في حديث الشخصية سواء كان فلاحا أو جنرالا أو طبيبا، لذلك يسود جو من أحادية اللغة وإن بشكل أقل.

 



في معظم ترجمات علماني نجد غيابا لذلك، فهل نقدر أن نميز بين إيزابيل اللندي وبين ماريو برغاس يوسا في ترجمات صالح علماني كما نفرق بين لغة نجيب محفوظ ويوسف إدريس؟ الجواب برأيي هو: لا. لأن يوسا وايزابيل اللندي وصلا لنا من نفس زاوية المنظار، هي ما يمكن أن نسميه المشروع الإبداعي الغائب لصالح علماني. فصالح علماني بعد أن غاب طوعا عن المشهد ككاتب وروائي بث لغته ومشروعه الروائي والإبداعي في ترجماته.

في ترجمته العظيمة لرواية موبي ديك يدرك الدكتور الراحل إحسان عباس لهذه الإشكالية لذلك فهو يفرق لنا بوضوح بين لغة البحارة وبين لغة السُّوْقَة وبين لغة الراوي أو المثقف. في وعي كامل لتجربة الترجمة ومحاولة التفكير بلغتين وقلبين مختلفين دون غلبة إحداهما على الأخرى وبإخلاص ونكران للذات.

 



رغم كل ذلك يظل هذا المترجم العبقري أول من لفت أنظار العالم العربي إلى أدب رفيع حصد جوائز العالم الكبرى في الأدب وعلم أوروبا فن الرواية من جديد

رحم الله صالح علماني، المترجم الذي أهدى لنا ترجماته المذهلة للأدب اللاتيني. أدبا معبرا عن الإنسان في أقاصي العالم. فوجدنا فيه الكثير من التشابه مع عالمنا العربي من سيادة الدكتاتوريات وغياب الحريات والقمع السياسي.

1
التعليقات (1)
morad alamdar
الأربعاء، 04-12-2019 04:39 م
مئَة عام من العُزلة للكاتب : غابرييل غارسيا ماركيز الكتاب الذي كان يعشق قرأته الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون .. و إلكم أيضاً : اتجاهات النثر البرازيلي الجديد .. يهتم الكتاب البرازيليون المعاصرون بشؤون بلادهم و مشاكل مجتمعهم ، اهتماماً بالغاً و قد أبرز هؤلاء الكتاب أسلوباً مميزاً جمع بين التجديد الفني و بين حب اللغة البرازيلية كما يتحدثها أهلها الآن لا كما في صيغتها المكتوبة التقليدية .. و قدموا للقراء تجربة أدبية غاية في التنوع أساسها الاهتمام المشترك بالإنسان و مصيره في هذا العالم المحفوف بالأخطار .. بقلم جون أم طولمان ترجمة : د . علي حسين حجاج